اخبار السودان لحظة بلحظة

عثمان ميرغني يكتب : جهاز الأمن الداخلي!!

إعادة إنتاج مأساة العام 1985، بعد يوم واحد من انتصار انتفاضة الشعب السوداني في 6 أبريل 1985 خرجت صحف اليوم التالي بعنوان عريض (تصفية جهاز أمن الدولة).. وبلمسة زر واحد صدر قرار بنقل جميع ضباط الجهاز إلى سجن كوبر.. و بدأ السباق، تسابقت الأحزاب السياسية والمخابرات الأجنبية في الحصول على “أسرار جهاز الأسرار” على عنوان الكتاب الذي وثق لهذه الضربة القاصمة لأمن البلاد الوطني.

وفي لمح البصر أصبح مئات العملاء الذين كانوا أعين الجهاز في الدول الأخرى أو في المنظمات المشبوهة، أصبحوا معلقين في الهواء بلا جهاز يتبعون له، فوقعت أكبر مجزرة لأسرار السودان إذ أصبحت معروضة في السوق لمن يشتري، ومن لا يشتري فليتفرج.

وانتبهت المنظمات الارهابية لانكشاف ظهر السودان فجاست خلال الديار تفعل ما تشاء لدرجة تنفيذ عملية إرهابية في فندق “الاكربول” بقلب الخرطوم “السوق الأفرنجي”، ثم اغتيال شخصية عراقية معارضة في استقبال فندق الهيلتون وأمام الجميع، وخرج القاتل بهدوء أمام سمع وبصر الجميع ولم يقبض عليه حتى اليوم.

المؤسسات الأمنية مهما كان الغبن الشعبي عليها إلا أنها في النهاية ملك للوطن لا للنظم السياسية.. والنظام المخلوع أساء استخدام جهاز الأمن والمخابرات الوطني وقمع به الشعب السوداني بصورة غير مسبوقة خاصة في مظاهرات ثورة ديسمبر المجيدة، لكن مع سقوط النظام تسقط كل ممارساته ويبقى جهاز الأمن ملكاً للشعب السوداني، يمكن تغيير كل أطقمه من أعلى رأس إلى أدناها لكن تظل المؤسسة الأمنية بكل ما تملك من أسرار وخبرة وتجربة هي من أصول الدولة السودانية لا النظام المخلوع.

من الحكمة أن يتحول الغبن السياسي والشعبي تجاه جهاز الأمن إلى معول هدم للمنظومة التي من أهم واجباتها حماية البلاد لا النظم الحاكمة، ولئن أخطأ النظام المخلوع فلا سبب يبرر معالجة الخطأ بالخطيئة.

ليس من المصلحة الاستعجال في هدم المؤسسات النظامية بمختلف مسمياتها، من الحكمة ترك الأمر للنظاميين أنفسهم ليعالجوه أمن الداخل.. معالجة بتطويرها لا الانقضاض عليها.

الذي يجري الآن هو أقرب لـ”فش الغبينة”، والحكمة تنص (من فش غبينتو.. خربت مدينتو)!!

مطلوب تأسيس دولة الرشد، التي تقرأ عبر الماضي لتستفيد منه، لسنا بحاجة لتكرار خطيئة العام1985 التي أنكبت البلاد وأودت بانتفاضة أبريل نفسها وأرجعت البلاد إلى الديكتاتورية..

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صحيفة التيار

اترك رد