اخبار السودان لحظة بلحظة

عادل خلف الله لـ(الانتباهة): هناك دولار للجمارك ودولار للقمح ودولار للدواء ودولار تأشيري وآخر دبلوماسي

حوار: رندا عبد الله
ستة أشهر مضت من عمر الحكومة الانتقالية، ظل خلالها الناس مختلفين حول تقييمها في مناح عدة، لكنهم اتفقوا جميعاً على استمرار الأزمة الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطن السوداني بالأسعار الملتهبة والدولار المتصاعد وغيرها من الأزمات. في السطور التالية تناقش (الانتباهة) مع العضو البارز للجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير والناطق الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله، تفاصيل من هذه الأزمة فإلى إفاداته.
] تفاقمت المشكلة الاقتصادية وأثرت على معاش الناس.. ما هي السيناريوهات المتوقعة (السقوط؟ الانتقال؟ أم تقبل الناس للأوضاع)؟
– عدد من الشعارات التي ترددت في مظاهرة خلال الأيام الماضية كان فيها الشعار الرئيس (الجوع ولا الكيزان)، وهو رسالة القول الفصل للكيزان باستحالة العودة من منظور شعبي، وتأكيد لكل شخص من النظام القديم أو خارجه يوظف رصيده القديم في الدولة وفي أجهزتها وفي حجم الأموال التي تحت يده بهدف تعميق الأزمة الاقتصادية أو الاجتماعية في البلاد حتى يستكين شعب السودان أو يرضى بحلول الأمر الواقع، كالرضوخ لوصفة صندوق النقد الدولي أو التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو بالانقلاب على الفترة الانتقالية وإفراغها من مهامها الثورية، أي من تلك البدائل الزائفة تعد ضرباً من  المستحيل بالقياس إلى مستوى الوعي الشعبي من جانب، كما نطالب مؤسسات الفترة الانتقالية والحرية والتغيير أن يعملوا بكل ما أوتوا من قوة وانسجام وفعالية حتى لا يجوع شعبنا، بالتصدي لركائز التمكين ومنهجه واسترداد الأموال ومحاكمة رموز الإنقاذ وفسادها، ووضع حد لتطاول أزمة الخبر والمحروقات واستمرار تصاعد الأسعار.
] لماذا تشترط المؤسسات الدولية على بلدان العالم الثالث خروج الدولة من دعم السلع الأساسية والخدمات الضرورية دعماً حقيقياً؟ وكيف يهون على بعض أبنائها تبني ذلك التوجه المتناقض؟
– حزب البعث العربي الاشتراكي، يناضل من أجل أن تقوم الدولة بوظيفتها الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية بالتوسع في دعم السلع الأساسية وتركيز الأسعار ودعم المنتجين وتوفير الخدمات الضرورية وبضمان مجانية التعليم وإلزاميته في المرحلة الأولية ومجانية العلاج، ولن تتمكن الدولة من النجاح في هذه الوظيفة الأساسية إلا بمشاركة فاعلة في العملية الاقتصادية والاجتماعية بقطاع عام حيوي يشاركه ويتكامل معه قطاع خاص وقطاع تعاوني وقطاع مختلط. في الدولة المدنية التي طرحتها الانتفاضة. من الضروري أن يشعر السودانيون كافة، أن السودان بلدهم ولذلك يجب أن تقود الدولة العملية الاقتصادية والاجتماعية من أجل تسخير موارد الشعب في سبيل تطلعاته ورفاهه وتقدمه وازدهاره، وبهذا الاعتبار ماذا تعني تكلفة (٥١) مليار بكل ملابسات الفساد والسمسرة المرافقة لما يسموه دعم المحروقات في موازنة 2019م، هل هذه تكلفة نستخسرها على شعبنا الغني بموارده وثرواته؟ فيما يوجد أكثر أو أقل منها، في حساب أحد رموز النظام السابق، أو إحدى شركاته، أو في حساب مجنب، لم يخضع للمراجعة لأكثر من عشرين عاماً. أو فيما لا يحصى مما هو خارج ولاية وزارة المالية، واسترداد الأموال المنهوبة والمجنبة ووقف الصرف على الوحدات الإدارية والمالية للنظام السابق من الخزانة العامة، وهو ما يعني توجيه الطاقات والزمن والحماسة إلى اتجاهه الصحيح، عوضاً عن إشغال الرأي العام، وزيادة معاناته بملاحقه الأعراض والنفخ في جراب مثقوب بالفشل وملح التجارب.
] اتجاه الحكومة ما زال لرفع الدعم بدليل إقرار رفع الدعم الجزئي والحديث المتواصل لوزير المالية حول هذه النقطة؟
– في المؤتمر الصحفي الأخير كان الوزير يتحدث باعتباره كما قال جزءاً من الحوار المجتمعي، وهو لديه الحق كمواطن سوداني وكوزير مالية أن تكون هذه وجهة نظره، ولكننا اتفقنا كقوى الحرية والتغيير مع مجلس الوزراء أن ترجأ كل الإجراءات المتعلقة بالتحرير الاقتصادي والتي يختزلها خطاب المالية في رفع الدعم وهي في حقيقتها استماتة أيدولوجية لنهج التكيف الهيكلي المعروف بالوصفة الجاهزة لروشتة صندوق النقد الدولي، وفي جانب آخر رؤية لتجريب الفشل وتكريس لإفرازات سياسات نظام الرأسمالية الطفيلية التي فاقمت الأزمة، ولم تقدم، ولن تقدم حلولاً للتحديات التي تواجه الاقتصاد بعد انتفاضة عظيمة طرحت مهاماً ثورية وابداعاً في الفكر والممارسة، وعلى الرغم من أن  الوزير قال في أحد مؤتمراته إنه يعبّر عن وجهة نظره، لكن إذا عدنا للسياسات التي اعلنتها وزارة المالية منذ صدور التخويل بالصرف على موازنة 2020 في 14 يناير الماضي، وبنك السودان، وأخيراً وزارة الطاقة والتعدين، نجدها تمضي وبتعسف في عدم  التقيد أولاً بالاتفاق الذي تم بين مجلسي الوزراء والحرية والتغيير في الاجتماع المشترك نهاية ديسمبر الماضي، وثانياً عدم التقيد بالموازنة بعد إجازتها بدليل أن الدولار الاحتسابي للميزانية تم حسابه بـ(٥٥) جنيهاً من (١٨) جنيهاً، وهو سعره في ميزانية العام الماضي. وابتداع وزارة الطاقة لسعر تجاري للمحروقات، قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي القومي المعني بحسم ذلك، وقد خلق ذلك في تقديري المتواضع زيادة تضخمية كبيرة جداً في الأسعار تجاوزت في بعض السلع نسبة (٤٠٠٪) وتخفيض العملة الوطنية بنسبة (٢٠٥٪). ولذلك نقول إن الخط الاعلامي الذي تعمل عليه وزارة المالية منذ سبتمبر وما قبل وبعد إجازة الميزانية وتكرار الحديث حول رفع الدعم إنها تريد أن تكرس لمفهوم وكأن مشكلة الاقتصاد السوداني الوحيدة هي ما تسميه الدعم، وبالتالي حل المشكلة برفعه، وأؤكد مرة أخرى أن ما يسمى بالدعم هو عرض لمرض ومن الطبيعي والعلمي والمنطقي أن لا تلاحق العرض بل أن تعالج الأسباب، ولذلك تكرار الحديث عن رفع الدعم بمثابة مسكّن، لأن المرض سيعود بدليل أن الهبة الجسورة التي قامت في عام ٢٠١٣ ، كانت بسبب نفس حزمة صندوق النقد الدولي هذه  التي وافق عليها النظام برضوخ مذل ومهين بما سماه البرنامج الإصلاحي الخماسي، وكانوا يرغبون عندئذ في تحرير كل المحروقات، ولكن عندما قامت الانتفاضة بتلك القوة والعنفوان تنازلوا حتى يمتصوا غضب الشعب، وقاموا برفع الديزل بنسبة (٥٠٪) بدلاً عن تحريره، وهذا الدعم رفع في عام (٢٠١٣م) ثم ظهر في (٢٠١٥) ورفع مرة أخرى وظهر في (٢٠١٦)، فإذا كان هذا الدعم يتم رفعه فمن المفترض أن لا يظهر ويتلاشى، لقد رفضنا هذا التوجه التبعي الراضخ لضغوط صندوق النقد ومصالح الرأسمالية الطفيلية، وتحملنا مع شعبنا أيضاً تبعاته فكيف نوافق عليه بعد الفشل وبعد انتفاضة أسهمت المقاومة الشعبية للسياسات تلك في توسيع قاعدتها الجماهيرية وعمقت الوعي بجذور مسبباتها التي يتهرب منها خطاب المالية ومناصروه، إن جذور المشاكل الرئيسة للاقتصاد السوداني تعود إلى عام 1978 إبان مصالحة الترابي والصادق والميرغني لنظام مايو، والتي نجم عنها ربط الجنيه السوداني بالدولار بدلاً عن الذهب، وابتداع سياسة تعدد أسعار الصرف بعدما كان الجنيه معززاً مكرماً وثابتاً منذ ١٩٥٦. ولذلك مشكلتنا ليست مع وزارة المالية وإنما مع اتجاه يريد أن تستمر ذات السياسات القديمة، وهذا هو الخلاف الجوهري وواحدة من هذه السياسات التي لا تواجه المشكلة وإنما تلاحق الأعراض، لقد تعاقب على وزارة المالية خلال الإنقاذ أكثر من عشرين وزيراً، تعددت أسماؤهم وصفاتهم، ولم يقدموا حلاً، لأنهم مضوا في نهج واحد، هنالك من يسعى إلى تكريسه والسير فيه،
هناك قضايا خلافية أخرى غير رفع الدعم عن السلع الأساسية بينكم وبين الحكومة مثل زيادة الدولار الحسابي.
] ما هي الآليات التي يتم عبرها حل مثل هذه الخلافات؟
– بالنسبة لسؤالكِ حول دولار الميزانية فقد كان بـ (١٨) جنيهاً وقامت المالية برفعه إلى (٥٥) جنيهاً، في ميزانية العام الجاري، ونحن لم نتفق على ذلك، وهناك دولار للجمارك ودولار للقمح ودولار للدواء ودولار تأشيري وآخر دبلوماسي فهي (٦) أو أكثر، هذا التشوه يجب أن يعالج بمواجهة المرض وليس ملاحقة الأعراض، وهذا واحد من اختلافاتنا الأساسية، إضافة إلى تحرير قيمة العملة الوطنية (التعويم)، وتغييب القطاع العام ودوره في النهوض الاقتصادي وتحقيق التنمية المتوازنة اجتماعياً وجغرافياً، ومساهمته في تطوير القطاع الخاص وتنقيته من تخريب الإنقاذ والقطاع التعاوني، وانطلاقنا من الثقة في مقدرات وموارد الاقتصاد، وأعتقد أن الحكم بيننا في القضايا أعلاه وسواها بالإضافة إلى رفع الدعم عن السلع سيكون في المؤتمر الاقتصادي، الذي ستكون فيه لجان وجهات أكاديمية وعلمية وخبرات وأصحاب عمل وأهل المصلحة لجنة تحكيم إذا ما تباعدت وجهات النظر.
] ماذا تعني لجنة تحكيم؟
–  قدمنا تصوراً للجان سوف تكون من ضمنها وهي لجنة عادية مثل اللجنة التنسيقية ولجنة الإعلام وغيرهما وسيتم اختيار كفاءات لها مشهود لها بالخبرة والمساهمات الأكاديمية حتى تقدم للمؤتمر الأوراق المستوفية للمعايير العلمية والمنهجية.
] هنالك آراء موضوعية جداً ساندت رفع الدعم باعتباره إجراءً يساعد على انتعاش الاقتصاد وفتح الباب للتمويل؟
– كيف ينتعش الاقتصاد باتباع سياسات تضخيمية تؤدي إلى ارتفاع هندسي في مستويات أسعار السلع والخدمات وارتفاع تكلفة الإنتاج؟. لقد أوصل تطبيق هذه الوصفة بعد خمس سنوات منذ 2013م إلى معدل نمو سالب وإلى انكماش في القطاع الإنتاجي، وإلى ارتفاع الأسعار ما بين 8 أضعاف إلى 24 ضعفاً فيما ارتفع الحد الأدنى للأجور من 412 جنيهاً إلى 879 جنيهاً (حوالي الضعف) وقفز التضخم من خانة أحادية إلى أكثر من 60% وأصبح الحد الأعلى للأجور (الدرجة الأولى المستوى الثالث) أقل من مائة دولار ولا يغطي أكثر من 3.7% من تكلفة المعيشة، هذه حقائق تفضح التباكي على الفقراء، لأنها سياسات لن تزيدهم إلا عدداً وفقراً، ولن يتكسب من ورائها إلا اللاهثون ورائها والذين راكموا ثرواتهم وامتيازاتهم من تطبيقها في كنف النظام الدكتاتوري، الذي أحال مقدرات البلاد وأصول الدولة ومؤسسات قطاعها العام إلى ملكية خاصة لرموز ورأسماليي النظام والمنتفعين من ذلك النهج، إن التعبير الحقيقي في الدفاع عن حقوق وتطلعات الفقراء والكادحين والمنتجين يكمن في مغادرة ذلك النهج ومواجهة فساده ورموزه وتمكينه دون هوادة، والبدء في ذلك من معاقله الأساسية في المالية والجهاز المصرفي، والمؤسسات الإيرادية، والاتخاذ الفوري لقرارات إعادة تأهيل القطاع العام (النقل، وشركات المحاصيل والحبوب الزيتية، والأقطان، والصمغ العربي، وقطاع التأمين، وشركة مساهمة عامة للذهب والتعدين، وبورصات للذهب والمعادن والمحاصيل). ومن باب الشيء بالشيء يذكّر أشير إلى أن بلدان الغرب الرأسمالية هي من أكثر بلدان الدعم والحماية، وأن الدولة فيها تسيطر على قطاعات النقل والاتصال ولقد تدخل البنك الامريكي المركزي (الفيدرالي) لحماية الجهاز المصرفي من الانهيار في إحدى نوبات أزمات النظام الرأسمالي والتي أُطلق عليها تخفيفاً أزمة الرهن العقاري.

اترك رد