الخرطوم: آدم محمد أحمد
فيديو الفتاة التي تصرخ في وجه نبيل أديب، أمام مقر لجنة التحقيق في فض الاعتصام، منح الكثيرين بمن فيهم أعضاء اللجنة، فكرة ممتازة عن صعوبة مهمتهم، لكونه عبّر عن شكل الضغوط التي سيتعرضون لها، فمقر اللجنة الذي يقبع في موقع الحادثة «شارع القيادة العامة»، ربما كان مزاراً يومياً للكثيرين ممن يبحثون عن الحقائق، ومع انتهاء أمد اللجنة في 16 مارس الجاري، وفقاً لقرار تكوينها الذي حدد ثلاثة أشهر لإنجاز المهمة، ظهرت ضغوط جديدة وانتقادات من واقع أن اللجنة تأخرت، وبناءً على ذلك كشف نبيل أديب رئيس اللجنة عن طلب مهلة إضافية 3 أشهر أخرى حتى تتمكن من تحقيق هدفها، وقال الرجل إن «التحقيقات لا تزال مستمرة»، وتصريحات أديب جاءت على خلفية ما أثير عن نية اللجنة تسليم تقريرها إلى السلطات «الإثنين» المنصرم .
ونهار الأمس «الثلاثاء» كانت الخرطوم على موعد مع مظاهرات متفرقة، احتجاجاً على تصريحات نبيل، وإن كانت الاحتجاجات وصفت بالمحدودة، إلا أنها تمثل عنواناً يمكن الاستناد عليه في الكيفية التي يمكن أن تمضي نحوها الأمور في هذا الإطار، سيما وأن لجنة نبيل أديب تعتبر اللجنة الأهم في مسار الثورة، وتمثل مطالب المحتجين الذين أغلقوا شوارع «البلدية بالخرطوم وشارع بري والديم في تقاطع باشدار»، في أن اللجنة تتمهل دون تقديم ما يفيد في أنها تحقق مطالب الثورة والاقتصاص لدماء الشهداء، وربما انشغال الكل بجائحة كورونا وما أفرزه من تداعيات صحية، لم يعر الكثيرون اهتماماً لهذه المظاهرات، سوى القوات المسلحة التي أغلقت طرقاً مؤدية إلى مقراتها تحسباً لأي طارئ، خاصة وأن المعلومات التي انتشرت في أن المحتجين يرغبون في الاعتصام امام مقر اللجنة في شارع البلدية .
وفي ظل هذا الواقع تبرز تساؤلات عديدة حول قدرة اللجنة على تحقيق مهمتها، تحت هذه الضغوط التي تمارس عليها؟، وما مدى تأثير ذلك على خطواتها ذات الطابع القانوني؟، في وقت سابق عندما ظهر فيديو الفتاة، توقع البعض ان يستقيل اديب على خلفية مطالبات بذات الخصوص، حينها نقلت «الانتباهة» عن الرجل قوله «لم أستقل ولن أستقيل إلا يغتالوني»، وكان ذلك بمثابة مؤشر على ان الرجل عازم على الوصول إلى حقائق ما بغض النظر عن ماهيتها، وبالأمس دعا نبيل الجميع إلى البعد عن الشائعات وأخذ المعلومات من مصادرها الرئيسية».
وطبقاً لمختصين في هذا الجانب أن مهمة اديب تنطوي على صعوبات بالغة، وهو ما أقر به الرجل في وقت سابق عندما قال إنه «لم يتعرض لهذا الكم الهائل من الشائعات طوال حياته، لكنه يعلم تماماً حساسية المهمة التي يقوم بها».
ويرى قانونيون ان لجنة أديب بحاجة إلى مهلة جديد، لأنها تتعامل مع أطراف كثر، ويقول المحامي عادل عبدالغني في حديث لـ»الانتباهة» إن نبيل اديب عندما قبل هذا التكليف كان يعلم ان هذه المهمة محطة للكثير من العواطف والانفعالات وعليه ان يقدر هذه العواطف وان لا يلجأ الى الاستقالة لانها تعني العودة على بدء، ويضيف عبدالغني :»نبيل ليس مخطئاً في كونه طلب مهلة اضافية في التمديد للجنة لان ذلك شيء طبيعي وعادل وروتيني، لجهة ان معظم لجان التحقيق ان لم يكن جميعها في العادة تطلب التمديد لإكمال اعمالها»، ويرى المحامي عبدالمتعال في حديث لـ(الانتباهة) أن الاجراءات القانونية عموماً تواجه صعوبات من ضمنها تعاون الجهات ذات الصلة، وأضاف» لجنة تعمل في واقعة مثل حادثة فض الاعتصام بالطبع هناك معوقات كثيرة تواجهها «.
والشاهد أن حُجة البعض في اطار توجيه الانتقادات للجنة اديب، تقوم على ان اللجنة استنفدت المهلة المحددة بثلاثة أشهر ولكنها لم تصل إلى شيء ملموس يمكنه ان يطمئن أسر الشهداء، وهنا يقول عادل عبدالغني إن السلطات دائماً عندما تشكل لجان تحقيق تضع امامها وقتاً محدداً عادة يتسم بالقصر بهدف الضغط عليها لإكمال المهمة، وأضاف» احياناً تكون السلطة المشكلة ليس لديها تصور عن حجم العمل، وبالتالي الوقت الحقيقي الذي يستغرقه التحقيق يحدده الواقع»، وهذا ما يؤكده نبيل اديب نفسه عندما أشار إلى أن «اللجنة ستستمع إلى عسكريين ودستوريين ولا يوجد ما يمنعها ذلك» ويقول المحامي عبدالغني «إن لجنة أديب انخرطت في عمل شاق بغرض التحقيق، ومطلوب منها أن تجلب العشرات وتبحث في الكثير من المستندات وتدقق في عمل لجان اخرى عسكرية وادارية، وفيديوهات وصور وتتحرى الدقة والموثوقية»، واكد عادل أن اللجنة يمكن ان تأخذ اي وقت لتصل الى النتائج الحقيقية والعادلة، لأن دماء الشهداء ليست بالأمر الهين الذي يتم التحقيق حوله بين عشية وضحاها، وأضاف «العدالة والاقتصاص يقتضي الوصول الى المجرم الذي قام بتنفيذ هذه المجزرة، لأن ادانة اي شخص لم يجرم في حق الشهداء هو براءة للمجرم الحقيقي»، وتلك الحقائق ايضاً اكدها نبيل عندما أكد أن «اللجنة استمعت إلى (3) آلاف شاهد، وتوصلت إلى اختراقات في أشياء كثيرة، لكنها لا تزال تنتظر إفادة الخبراء حول المقاطع الصوتية والفيديوهات «.
ومصدر الضغوط أيضاً وفقاً للمعطيات الماثلة، هو ان الكثير من الشكوك نسجت حول امكانية ان تصل لجنة أديب إلى حقائق ترضي كل تلك المطالبات، سيما من أسر الشهداء، وهذا منبعه الحديث عن تدخل السياسة، وان كان نبيل قال في وقت سابق انه لن يعمل لإرضاء احد، الا ان للبعض آراء حول عمله، من واقع أن القضية دخلت في مسار سياسي مما قد يؤثر على نزاهة ما يخرج من نتائج او قد يتأخر إلى وقت أطول، ويقول عبدالمتعال جودة «اذا اراد الشارع انجاز مهام ثورته عليه ان يمنح اللجنة الوقت الكافي»، ويقول عادل عبدالغني «أطلب من الشباب وأهل الشهداء أن يصبروا على هذه اللجنة ويقدموا لها كل المساعدة لان ذلك من دواعي اراحة البال ويستحسن ان يترك الشخص الذي بدأ لاكمال هذا العمل»، ولكن المحامي كمال عمر لديه رأي مخالف لكونه يعتقد ان لجنة اديب دخلت في إطار السياسة وبالتالي ربما لن تصل إلى نتائج، ويقول «منذ أول يوم عرفت أن تشكيل هذه اللجنة سيدخل في دائرة التسويف وتمييع قضية الشهداء ولو منح نبيل اديب سنة او سنتين او 10 سنوات فلن يستطيع التوصل الى الجناة»، ويرى كمال أن قضية التحقيق في فض الاعتصام دخلت في سوق السياسة وان الشهداء تم بيعهم في تسويق بين الحرية والتغيير والعسكر، وأضاف «تحريك الملف بطريقة جادة ومهنية سيدخل ناس كتار الآن هم بالسلطة في قائمة الاتهام، وبالتالي لا الحرية والتغيير ولا العساكر يريدون تحريك الملف «.