أحمد يوسف التاي
أيامٌ قلائل تفصلنا عن أبريل شهر التغيير والثورة المجيدة الذي تنسم فيه السودانيون عبق الحريّة وودعوا حقبةً حالكةً من تاريخهم وطووا صفحةً سوداء من القهر والاستبداد والفساد وتوظيف الدين للمكاسب السياسية.. وبعد ثلاثة وعشرين يوماً تهل علينا الذكرى الأولى لانتصار ثورة الشعب السوداني الحبيبة وسقوط نظام المؤتمر الوطني، وهنا لا بد أن نطرح أسئلة ذات قيمة عالية تجول في ذهن كل سوداني: بعد عام من التغيير إلى أين تسير قوى الحرية والتغيير ببلادنا ؟ وما هي ملامح التغيير الذي حدث بعد 11 أبريل؟ وهل شعر المواطن السوداني بهذا التغيير؟…
وللإجابة على الأسئلة المطروحة أعلاه لا بد أن نلتزم جانب الموضوعية والحقائق التي لا تقبل المغالطات والمزايدات السياسية، والبناء على الأسانيد المنطقية لنقترب ولو قليلاً من تقييم وتقويم النتائج على الأرض بعد عام من الإطاحة بنظام البشير…
بعد تشكيل الحكومة في اغسطس الماضي وضعت السلطة الجديدة ثلاثة ملفات كأولوية وبرنامج عمل حاسم للفترة الانتقالية، وهي قضية السلام الذي حددت له سقفاً زمنياً بنصف عام لإنجازه وذلك بعد تكوين الحكومة مباشرة، وكذلك الوضع الاقتصادي، ومحاسبة المتورطين في قضايا فساد من رموز النظام المخلوع، تلك ثلاثةٌ كاملة.
المتابع لمفاوضات السلام بين الفرقاء السودانيين بعاصمة جنوب السودان «جوبا» يلاحظ بوضوح تام أن حكومة الثورة اتبعت ذات النهج (الإنقاذي) القائم على سياسة سلام التجزئة والجهويات، فبعد تجاوز الزمن الذي قطعته على نفسها أحرزت تقدماً محدوداً للغاية بالتوقيع مع بعض الفصائل ضعيفة الأثر بينما لا تزال الحركات المؤثرة بعيدة عن التوقيع ولا تزال معسكرات النازحين واللاجئين (مولاي كما خلقتني)، ولعل أسوأ ما تم في ملف السلام هو انحراف المفاوضات إلى مسارات مناطقية انتهت إلى محاصصات جهوية وسلام بالتجزئة كان ذلك خصماً على المعالجة الفورية لملف النزوح بمناطق النزاع الحقيقية، ومن المحتمل أن يفتح هذا النهج شهية العديد من المناطق لتحصل على نصيبها من المحاصصات المناطقية والجهوية كما فعل في عهد النظام المخلوع حيث أدى إلى تناسل الحركات المسلحة التي وصلت إلى (150) حركة… وكان بالإمكان إحداث تغيير شامل لمنهج النظام المخلوع حتى يشعر المواطن بأن تغييراً طرأ على طريقة التفكير والعقلية التي كان يُدار بها ملف السلام أثناء نظام البشير، وكان بالإمكان تحصين طاولة المفاوضات من أي جنوح للابتزاز، وأي استجابة لأي نوع من الضغوط والابتزاز السياسي.
أما الحديث عن الملف الاقتصادي والغلاء وانفلات السوق والأسعار وملف محاسبة رموز النظام المخلوع المتورطين في قضايا فساد لن أقول للائتلاف الحاكم : (خلوني أنا إنتو رايكم شنو؟)… لن أقول ذلك، ولكن سأفرد مساحة أخرى للحديث الموضوعي وبلغة الأرقام عن هذا الجانب وذلك من باب التقويم والمساهمة في معالجة الاختلالات من خلال تسليط الضوء عليها بشيء من الموضوعية.. اللهم هذا قسمي فيما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.