بدأت أزمة البنزين والجازولين تطل برأسها مرة أخرى ، رغم أن السيد رئيس الوزراء كان قد بشرنا قبل أيام ، فبشرنا تبعاً له الشعب بعناوين بارزة على صفحاتنا الأولى ، بوصول ثلاث بواخر نفط إلى ميناء بورتسودان .
لابد أن تعمل وزارتا المالية والنفط على استقرار انسياب سلعة الوقود في محطات الخدمة بكل ولايات السودان على مدار الشهر ودون انقطاع .
فالانقطاع يعني أزمات متناسلة في المواصلات العامة وفي نقل البضائع من الميناء إلى العاصمة والولايات ، ويعني ارتفاعاً في تكلفة النقل وبالتالي ارتفاعاً إضافياً في أسعار السلع .
وبالنظر إلى واقعنا المؤسف ، تصيبني الدهشة وأنا أرى خلال زيارتي للقاهرة خلو محطات الوقود في بلد المائة مليون نسمة من أية مظاهر ازدحام ، فقد لا تجد غير سيارة واحدة يجري تزويدها بالبنزين ، يحدث هذا وسط زحام خرافي للسيارات على الطرقات والجسور الطائرة .
إن حكومة تطعم كل يوم (مائة مليون) فيه ، ثلاث وأربع وجبات في اليوم ، ولا تنقطع تحت إدارتها خدمة الكهرباء ، ولا المياه ، ولا الوقود ، رغم أنها دولة غير منتجة للنفط ، فهي حكومة مدهشة .. بحق وحقيقة .
بالمقابل نحن نعيش في دولة أغنى من ناحية الموارد والثروات الطبيعية من مصر ، لكننا نعاني أزمة إدارة ، وسوء تخطيط ، واضطراب في ترتيب الأولويات .
فمثلاً .. هل إنشاء مطار الخرطوم الجديد بتكلفة تتجاوز (مليار دولار) هو أولوية في بلد تعجز عن ديمومة توفير الدقيق والبنزين والجازولين ؟!
ماذا نفعل بمطار جديد وناقلنا الوطني .. شركة (سودانير) لا تملك طائرة واحدة صالحة للعمل، بينما تستأجر طائرات لتغطية الطلب على رحلاتها !!
هل طلب توريد نحو (ألف) سيارة لجهة حكومية ما من الخارج ، خلال الأيام الفائتة ، أولوية في دولة يشكو بنكها المركزي لطوب الأرض ، ويصدر كل أسبوع منشورات بسياسات جديدة تنسف سياسات الشهر الفائت سعياً وراء النقد الأجنبي الناضب و الشحيح ؟!
المصريون والروانديون والإثيوبيون يعرفون أولوياتهم ولا يسمحون بالتجاوزات والمعالجات الاستثنائية على حساب احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي ، وما يؤثر على برامج خططها الإستراتيجية فيما يتعلق بالإمداد المنتظم للسلع الأساسية بأسعار ثابتة لفترات طويلة .
نحتاج أن نتعلم من دول العالم حولنا ، ونسترشد بتجاربهم النيرة ، ونستفيد من خبراتهم في التخطيط الاقتصادي ، فالمشكلة أكبر من جرعة حماسية .. وخطب سياسية .