اخبار السودان اليوم

هل يُكمل سلفاكير مهمته (التحريرية)؟

رغم الحرب الأهلية والمذابح والجوع والتشرد الذي ضرب دولة جنوب السودان في عهد رئيسها سلفاكير فإن تاريخ دولة الجنوب سيحفظ للرجل أنه حقق لبلاده ما يسمونه بالاستقلال ونسميه بالانفصال.

معلوم أن شعب جنوب السودان لم يحتفل بالاستقلال في الأول من يناير 1956 مع شعب السودان الشمالي فقد قال قائلهم يومها (لقد استبدلنا سيداً بسيد) بل أن السيد الإنجليزي كان أحب إليهم من السيد الشمالي الذي أبغضوه وشنوا الحرب عليه في توريت ومدن ومراكز الجنوب الأخرى في أغسطس 1955 أي قبل أن يخرج الإنجليز من السودان.

لقد خاض سلفاكير معركة سياسية ظافرة من أجل تحقيق (استقلال) بلاده في مواجهة أولاد قرنق بقيادة باقان أموم والذين ظلوا يرفعون شعار (مشروع السودان الجديد) الذي تبناه زعيمهم قرنق والذي يمكن تلخيصه في أن تتحقق الوحدة بين الشمال والجنوب ولكن (على أسس جديدة) تنبني على النظرية التي يعبر عنها اسم (الحركة الشعبية لتحرير السودان) أي تحريره من حكم الأقلية الشمالية (غير الأفريقية) حسب زعمه بحيث يحكمه الجنوب وظل يؤلب الأفارقة جنوب الصحراء بهذه الخزعبلات لدرجة إقناعه مانديلا نفسه بتلك الحجة فقد رفض مانديلا – ويا للعجب – زيارة السودان بعد تحرير بلاده بينما زار دولاً أفريقية كثيرة لم تؤازره كما آزره السودان الذي كان قد منحه أيام النضال جواز سفر سوداني.

ظللنا نقول إن قرنق استلهم تجربة مانديلا في جنوب أفريقيا والتي ناضل من خلالها من أجل إنهاء نظام حكم الفصل العنصري (الابارتهايد) وتحرير جنوب أفريقيا من حكم البيض بل وتجربة إنهاء حكم العرب في زنجبار والتي شهد قرنق آخر فصولها عام 1964 حينما كان طالباً في العاصمة التنزانية (دارالسلام) ولذلك ظل قرنق يحلم بأن يصبح مانديلا السودان ليحكم من خلال إقليم الجنوب كل السودان على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا حين أنهى حكم الأقلية البيضاء وتولت الأغلبية السوداء حكم جنوب أفريقيا وقد أصل قرنق لنظريته هذه من خلال دستوره العنصري وأدبيات أخرى منها ورقته الشهيرة بعنوان (التنوع السوداني)

(The Sudanese diversity)

ظل أولاد قرنق بقيادة باقان أموم ويسانده في السودان الشمالي اليساريون بقيادة عرمان ورفاقه ، ظلوا يعملون من أجل تحقيق مشروع السودان الجديد حتى بعد أن اختار الجنوبيون الانفصال فقد صرح باقان أموم لصحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية بأنهم لم يتخلوا عن (مشروع السودان الجديد) الذي سيظل باقياً سواء من خلال الوحدة أو الانفصال مضيفاً أنه إذا لم يتحقق المشروع من خلال الوحدة (الخطة أ) فإنهم سيسعون إلى إقامته من خلال الانفصال (الخطة ب).

ذلك ما جعل الجنوب يختار اسم (جنوب السودان) لدولته وذلك بهدف العمل من أجل (الخطة ب) لتوحيد السودان مرة أخرى لذلك أبقوا على اسم جيشهم الذي يُعبّر عن ذلك الهدف (الجيش الشعبي لتحرير السودان)! .. تخيلوا أن يكون هدف دولة جنوب السودان تحرير السودان بحيث يسود الجنوب الشمال.

ولذلك ظل عملاؤهم في جنوب كردفان والنيل الأزرق يحملون اسم قطاع الشمال التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان وظل جيش قطاع الشمال جزءا من الجيش الشعبي الجنوبي وظل الحلو وعقار وعرمان يحملون رتباً عسكرية باعتبارهم قواداً (كوماندرز) في جيش دولة الجنوب لتحقيق (الخطة ب)!

قلت في بداية المقال إن سلفاكير الذي كان يقود خط الانفصال في مواجهة غريمه قرنق صاحب مشروع السودان (الموحد) الجديد انتصر وحقق هدفه الأول لكنه لم يكمل مهام (التحرير) الأخرى .

في خطوة جديدة في إطار خطة مسح مشروع السودان الجديد الذي يقوده أولاد قرنق قام سلفاكير مؤخراً بتغيير اسم جيش الجنوب إلى (قوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان) وبقيت له مهمة واحدة لكي يحقق الاستقلال الكامل لدولته.

إنها مهمة منح دولته اسماً آخر لا يرتبط بالسودان إذ لا يعقل أن يرضى بأن تجرد دولة الجنوب من أية خصوصية ذاتية وتنسب إلى دولة السودان وكأنها قطعة منه كما لو سميت السودان مثلاً باسم (جنوب مصر) ففي ذلك إهانة وطنية لا ينبغي أن يرضاها مواطن لدولته التي ينبغي أن تعبر عن عزته وكرامته كدولة مستقلة ليست خاضعة لدولة أخرى.

إن الاسم الحالي يشبه اسم (السودان الإنجليزي المصري) أيام الاستعمار أو اسم (السودان الفرنسي) لدولة أفريقيا الوسطى أيام الاستعمار فهل يكمل سلفاكير مهمته الوطنية التحريرية وينهي تبعية دولته للسودان وهل يساعده في ذلك حليفه الجديد د.رياك مشار؟

Exit mobile version