اخبار السودان لحظة بلحظة

العودة إلى بلاط صاحبة الجلالة

توهمت انني قد نسيت الكتابة يعد إنقطاع دام لسنوات… و توهمت أن عبق الكلمات يحتاج إلى رائحة المكان… و المكان هو ذاته الذي واصلت فيه رحلتي الصحفية فى أرض قطر الطيبة منذ نحو أربعين عاما… و ها أنذا أعود لأبدأ من جديد

رحيق السنوات الماضية ما زال عالقا فى فمي و فى مساماتي… و بحثت عبر أوراقي القديمة وأكتشفت أنني سكبت حبرا كثيرا على الأوراق، و تحدثت عن حقائق و أفكار و رؤى، كما أنني سجلت رحلات صحفية عديدة عبر العالم، و تعلمت من مدرسة الراية الكثير و أنا أدين لها بأزهى سنوات عمري فمنذ أن كنت شابا يافغا و قلقا، و متدفقا نشاط و حيوية إلى أن علا الشيب أعلى الرأس و تساقطت السنوات من بين أيدينا مثلما يتساقط الرطب من أعلى أشجار النخيل..
كانت و مازالت الراية شجرة باسقه تطل كل صباح على قرائها برؤى جديدة و دماء شابة و توهج أتمنى أن لا ينطفئ و أن يبقى و يظل مرآة لواقع جديد يرصد مسيرة قطر الخير في جميع المجالات، و حائطا يتصدى لكل السهام الصدئة و افتراءات المرجفين و الخائفين و المذعورين من ظلالهم.
خلف الأوراق القديمة و السنوات المديدة اكتشفت أن عطر الكلمة لا يضيع و أن توهجها لا ينطفئ، و أن الذين تابعوا حروفنا مازالوا يذكرون ذلك الفتى أسمر الخطى الذي يدب في أروقة الراية تحيطه محبة الآخرين و وفاءهم لهذا الصرح العظيم الذي تعاقب عليه رجال أكفاء في مختلف المواقع، فكانوا عطاء ثرا و إرادة لا تلين و تطلع إلى مرام و آفاق بعيدة فى التنوير و الإستنارة.

أشهد أنني تعلمت الكثير في مدرسة الراية و هي الخيمة الخضراء التي إستظل بها الكثيرون و قدمت لقطر الخير و المحبة العديد من الأسماء التي تلألأت فى سماء الإعلام القطري
أعود و قد جرت مياة كثيرة أسفل الجسور، فالدوحة لم تعد الدوحة التي عرفناها مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ازدادت بهاء و توهجا بفضل إرادة الرجال الصادقين و القادرين على أن يقرنوا الفعل بالإرادة، فولدت دوحة جديدة يظلها البهاء و النقاء و الإرادة، تغيرت الوجوه في مختلف المواقع و ظل الرحيق الفواح يضئ المكان و يعطر الأجواء.
في أول مقال بعد العودة ماذا يمكن أن أقول، ومن أين يمكن أن أبدأ، فإيقاع الحياة متواصل بإندفاعة واثقة رغم التحديات ورغم كل الظروف القاهرة، و تبقى الإرادة هي العنوان.
عالمنا على اتساعه يشهد العديد من التحديات و الصعوبات و المشاكل… و فى كل صباح نصحو على عناوين جديدة و أحداث كبيرة و لكن إرادة الإنسان لاتنكسر و
رغبته الصادقة و الأبدية في التطور و الإرتقاء لا تحدها حدود…شكرا للذين دفعوني للعودة إلى بلاط صاحبة الجلالة بعد أن تقاعدت عن معانقة الحروف، فلهم الشكر و العرفان…….. و أتمنى أن تكون إطلالتي هذه إضافة جديدة ـ قديمة للراية الرائدة أبدا.

الدوحة
١٥ مارس ٢٠٢٠

بابكر عيسى احمد عيسى

رابط خبر نشرته التحرير عن بابكر في العام ٢٠١٧:

اترك رد