اخبار السودان اليوم

فُجعنا فيك أيها الوزير (1 ــ 2)

المعلومة الصحيحة هي الأساس التي تُبنى عليه القرارات والمواقف والأحكام على مستوى الحكومات والأحزاب والجماعات والأفراد على حد السواء، وما تقدمت الأمم الناهضة إلا بلغة الأرقام والمعلومات المجردة التي لا تقبل التكذيب…
اكبر إساءة يوجهها رجل الدولة إلى نفسه ودولته بناء مواقفه وقراراته على انطباعات شخصية فقط، أو معلومة غير صحيحة، فهذا في رأيي لا يليق بدولة محترمة أن تبقيه مسؤولاً في اي مستوى من مستويات الحكم…
مناسبة هذه الرمية ــ كما يقول استاذنا وصديقنا بروف البوني ــ هي أن زميلتنا المهذبة عواطف عبد القادر المسؤولة عن تغطية الدوائر الصحية والتي ليس لها أي انتماء لأي حزب سياسي تعرضت لموقف سخيف ومُهين من وزير الصحة أكرم علي التوم، وهو موقف لا يليق به كرجل دولة ولا بها كصحافية محترفة ومحترمة..
يلزمني أولاً أن أسرد تفاصيل ما جرى كما أخبرتني وبعض الشهود من زملائها، وتقول الحكاية، إن الصحافيين الذين يقومون بتغطية الدوائر الصحية أرادوا التعرف على الوزير الجديد، فجلس معهم لهذا الغرض، ولما جاء دور الأخت الزميلة المحترمة عواطف في التعريف بنفسها، فما أن ذكرت أنها مندوبة (الإنتباهة) حتى تغيرت نبرة صوته وملامح وجهه، وقال لها حرفياً أمام زملائها: (إنتو يا ناس الإنتباهة أنا ما حأتعامل معاكم إطلاقاً..) وفي غمرة دهشتها الشديدة سألتَه بكل احترام لماذا يا دكتور؟ أجابها لأن الإنتباهة ضد الثورة..!!!!!! فحاولتْ أن تصحح له هذه الانطباعات السطحية الظالمة التي لا تمت الحقيقة بأدنى صلة، إلا أنه تمادى وأغلق باب النقاش بحسم شديد وغضب أشد..
شعرتْ الزميلة عواطف بصدمة كبيرة جداً وحرج بالغ، وغادرت بعد ذلك إلى منزلها ولم تعد لصحيفتها لشعورها القاتل بالصدمة والظلم والبربرية.. لا أحد يشعر بمقدار الإهانة والحرج والغبن الذي تعرضت له الزميلة المهذبة عواطف، إلا القارئ المتابع للصحيفة، فهو وحده من يعرف خط تحريرها منذ أن غادرها رئيس التحرير الأسبق الصادق الرزيقي قبل (18) شهراً، وهو وحده من يعرف قيمة التضحيات التي قدمها صحافيوها قبل وأثناء الثورة، ولكنْ من يحمل مجرد انطباع قديم وصورة ذهنية مضخمة وبالية عن (الإنتباهة) ولا يكلف نفسه حتى بقراءتها من امثال هذا الوزير (المُسطِّح) لا يمكنه الإحساس بالظلم والقهر الذي أصاب به الزميلة المحترمة ومؤسستها التي تتولى الآن خط الدفاع عن الثورة وأهدافها أكثر من أية وسيلة إعلامية أخرى في السودان وخارجه، ولكن مَن يحمل انطباعاً بالياً لا يعرف ماذا يعني في القانون والأعراف والتقاليد والمواثيق الدولية حرمان صحافي من حقه في الحصول على المعلومة، وماذا يعني حرمان مؤسسة صحفية من تغطية إعلامية ينتظرها القراء بحجة أنها تعارض الحكومة، وهي حجة غبية وسطحية جداً تكشف عن خواء صاحبها، فمتى كان نشر رأي معارض لكاتب أو كاتبين في صحيفة جريمة تُعاقب عليها الصحيفة بالحرمان من تغطية أخبار المؤسسات الحكومية.
عندما أقف على مثل هذه السطحية التي يتلفح بها مسؤول في قامة وزير، ينتابني إحساس قاتم وحسرة قاتلة على مستقبل بلادنا التي رزئت في عهد النظام المخلوع بمسؤولين مثل الوزير أكرم هذا تحركهم الانطباعات والقيل والقال والوشاية والأمزجة، والآن نُصدم بذات العقلية وذات المنهج والسطحية في زمن ثورتنا العظيمة التي رفعت شعار (حرية سلام وعدالة)… رجل الدولة لا يؤسس مواقفه وقراراته على الانطباعات بل على المعلومة الدقيقة، ولا على تبني مرارات الآخرين الذين يسوقونه كالقطيع إلى حيث يريدون.
قبل أيام وزير العدل يُبرر محاولته تسييس القضاء والتي افشلتها مولانا نعمات، يبررها بعبارة في قمة البؤس: (والله أنا ضللوني وقالوا لي انتو موافقين..!!!!)، والآن فقط استيقنتُ أن الذين يصنفون (الإنتباهة) صحيفة ضد الثورة هم الوزراء الفاشلون الذين تعرضوا للنقد من بعض كُتاب (الإنتباهة)، وبالتالي اختزلوا الثورة في أشخاصهم التي ضخموها وجعلوها في موازاة الثورة، فمن انتقدهم انتقد الثورة ومن دعمهم دعم الثورة، فإذا كانوا يقصدون مقالات الطيب مصطفى التي أقلقت مضاجعهم فنحن في (الإنتباهة) لا نرى في الأمر غضاضة، طالما أننا منبر حُر ومستقل لزاماً عليه أن يتسع للطيب مصطفى واسحاق أحمد فضل الله مثلما اتسع لصلاح عووضة ومحمد عبد الماجد وسهير عبد الرحيم، وشخصي الضعيف قبل أن يسقط نظام البشير..
(نواصل).

Exit mobile version