تحقيق: هاجر سليمان
تحصلت (الإنتباهة) على معلومات مثيرة ومهمة حول حادثة محاولة اغتيال رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك بتفجير موكبه بينما كان فى طريقه الى مجلس الوزراء، ونقلت مصادر مطلعة ان التقارير المبدئية للمعامل الجنائية اكدت ان المتفجرات المستعملة فى العملية التفجيرية تم تصنيعها محلياً، فيما كشفت تقارير المعامل الجنائية عن تطابق المواد المستخدمة فى تصنيع المتفجرات التى استخدمت فى محاولة اغتيال رئيس مجلس الوزراء، مع المواد التى استخدمت فى تصنيع متفجرات خلية شرق النيل. وكشفت المصادر عن تطابق تام مما يشير الى تورط خلية شرق النيل فى عملية محاولة اغتيال حمدوك، ولفتت المصادر الى ان القنابل المصنعة محلياً تعتمد على قوة الصوت أكثر من قوة الانفجار، وان الاضرار التى تحدث عادة ما تنجم عن قوة الصوت واثارة الهواء. واشارت المصادر الى ان الكاميرات التى تحصلت عليها المعامل الجنائية كانت خالية من اية تسجيلات، اضف الى ذلك ان الكاميرا المثبتة بمقر الاجنبي السورى كانت لا تعمل ومتعطلة منذ فترة طويلة حسب قوله، واشارت المصادر الى ان تطابق هذه المتفجرات مع متفجرات خلية شرق النيل يشير الى تورطها فى الجريمة، وبالتالى تورط اجهزة مخابرات اقليمية فى محاولة الاغتيال الفاشلة. ومن جهة اخرى تحركت قوات المعامل الجنائية الى خور ابو عنجة بام درمان، وذلك عقب العثور على قنبلة بالخور على مقربة من محلات شعيب للاسماك، فيما طوقت السلطات المنطقة، وتم رفع القنبلة بواسطة فريق المعامل الجنائية واحيلت للفحص.
أذرع خارجية
وتشير قرائن الاحداث الى تورط اذرع خارجية فى المخطط الارهابي الذى نفذ واستهدف موكب رئيس مجلس الوزراء. وتشير البينات الى ان هنالك مجموعات ارهابية خارجية لها اذرع بالداخل، فما حدث لا يشبه اعمال التخريب التى تتم بأيدٍ سودانية، ولكنه يبدو اشبه بالعمليات التى نشاهدها فى دول العالم، فالسودان حتى الآن لم يصل الى ذلك المستوى من التفكير فى اعمال التصفيات.
ومنذ بدء عملية التحول السياسي فى البلاد منذ عام 2019م وتحديداً فى ابريل ابان بدء التغيير فى البلاد، فتلك الفترة حسب الشواهد شهدت دخول عدد من منسوبي التنظيمات الارهابية الى داخل البلاد، وفى تلك الفترة كان زعيم داعش البغدادى قد قام بتسجيل مقطع فيديو تحدث فيه عن عدة نقاط، وتحدث عن سقوط الرئيسين البشير وبوتفليقة عقب احتجاجات اهل السودان والجزائر، وقال فى سياق حديثه آنذاك: (من المؤسف ان الناس لا يفقهون لماذا خرجوا وماذا يريدون)، ونصح عناصره بالذهاب الى السودان لتكوين دولة داعش فى شمال وشرق افريقيا.
تسلل إرهابيين
ان ملف الخلايا الارهابية ومتابعتها ملف تولته ادارة متخصصة كانت تتبع لجهاز الامن والمخابرات الوطنى آنذاك، ومنذ سقوط البشير توقفت أنشطة الاجهزة الامنية تماماً وخرجت تلك الملفات عن سيطرتها، الامر الذى مكن عناصر ارهابيين من التسلل الى داخل البلاد، ولعل ابرزهم عناصر خلية شرق النيل التى ضبطت اخيراً.
عناصر خلية شرق النيل الذين حمل بعضهم الجواز السورى الا انهم فى الاصل مصريون كانوا قد ادعوا انهم ينتمون لجماعة الاخوان المصرية، وانهم فروا من مصر عقب الضغوطات التى تعرضوا لها هنالك، ولكن الشواهد تشير الى انهم ينتمون الى تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وانهم اتخذوا اسم (الإخوان المسلمين) كستار لذلك.
خلية شرق النيل
عند مداهمة مقر الخلية الارهابية التى ضبطت اخيراً بشرق النيل، تم العثور على معمل متكامل لتصنيع المتفجرات، وضبطت مواد كيميائية ومواد تفجيرية وتوصيلات تستخدم فى تصنيع المتفجرات المحلية، والقى القبض على المتهم الاجنبي واقتيد للتحقيق، وعقب عدة ايام اسفرت التحريات عن التوصل الى موقع آخر تمت مداهمته وتفتيشه، حيث عثر على عدد من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بحوزة المتهمين، وذلك بأحد المنازل بشرق النيل، بجانب عدد من المهمات العسكرية، وأجهزة تزوير وحواسيب وطابعات ملونة، وكمية من الأحبار وبعض المتعلقات الأخرى التي تم تحريزها وتصنيفها، واخضعت للفحص الفني بواسطة الإدارة العامة للأدلة الجنائية، ووقتها اعلنت النيابة ان الخلية المضبوطة تتبع لجماعة الإخوان الإرهابية حسب اعترافات متهم موقوف، وأصدرت أوامر للقبض على باقي أعضاء الخلية.
مصنعة محلياً
ولم يستبعد خبراء ان يكون هنالك بعض الخلايا التابعة لخلية شرق النيل لم يتم القبض عليهم، خاصة انه عند التحقيق مع المتهم آنذاك أكد انهم لا ينوون تنفيذ اى مخطط داخلى على الرغم من ضبط معمل جاهز يتم تصنيع القنابل بداخله، واكدوا انهم كانوا بصدد تصنيعها ومن ثم نقلها الى خارج السودان، وهذا ما يتنافى مع المنطق، اذ انه يتعذر تماماً نقل المتفجرات المصنعة محلياً من دولة الى اخرى، بسبب عوامل المناخ وصعوبة عملية النقل وسهولة عملية اكتشافها وضبطها، لذلك من المرجح ان تلك الخلايا كانت بصدد تصنيع هذه المتفجرات لتنفيذ مخططات تستهدف امن وسلامة المواطنين بالبلاد.
قنابل فراغية
يرى خبير ــ حجب اسمه ــ انه كان على منفذ العملية الا يستهدف موكب حمدوك باعتباره شخصية وفاقية متفق عليها من قبل الشعب ومن قبل المجلس السيادى بشقيه، وحتى فلول الحكومة البائدة لا يجدون حرجاً فى التعامل مع حمدوك. واضاف الخبير انه كان بامكان منفذ العملية ان يستهدف وزراء بعينهم لهم صلة بالعقيدة والمعتقدات والتشريعات، الا ان الاستهداف كان لموكب حمدوك باعتباره رأس الدولة ويتحمل مسؤولية ما يحدث في البلاد، وانه قصد بذلك ارسال رسالة محددة. ولفت المصدر الى ان الارهابيين الذين يتوقع دخولهم في البلاد منذ ابريل الماضى يحملون جنسيات مختلفة، ويدخلون في السودان فرادى، اضف الى ذلك ان وجود الدواعش فى اية دولة لا يتم بكثافة، بل بواسطة مجموعات محدودة وبسيطة تنتشر في المدن الكبيرة والمناطق المحيطة بها.
واشار الخبير الى انه لا توجد احصاءات معينة حول ارهابيين بالبلاد، الا انه يتوقع وجود نحو (4 ــ 5) مجموعات من الخلايا الداعشية بالخرطوم، ولفت الخبير الى ان الدواعش دائماً ما يستخدمون متفجرات مصنعة محلياً تعرف بالمتفجرات (الفراغية) التى تعتمد على قوة الصوت وتحدث دوى انفجار هائل دون حرائق، اضف الى ذلك انهم عادة ما يستخدمون هذا النوع من المتفجرات الذى يمكن التحكم فيه عن بعد بواسطة جهاز الموبايل غالباً.
خلية أركويت
فى عام 2017م أدى انفجار عبوة ناسفة لافتضاح امر خلية ارهابية تتكون من عدد من الاجانب كانت تزاول عملها بصمت من داخل مبنى باركويت مربع (48)، حيث تتخذ من احدى الشقق بذلك المبنى المكون من اربعة طوابق معملاً لتصنيع المتفجرات وتركيب موادها، وحاصرت القوات النظامية والامنية المبنى ووقتها فر المتهمون الثلاثة الاساسيون، وعثر بداخل الشقة على جوازات سفر المتهمين الاجانب، وضبط معمل متكامل ومواد محلية لتصنيع المتفجرات حرزت واحيلت للمعامل الجنائية.
والملاحظ انه ربما هنالك علاقة بين الخليتين خلية اركويت وخلية شرق النيل، وذلك بسبب علاقة الشبه فى اتخاذ معامل لتصنيع المتفجرات داخل منازل ومبانى سكنية ووسط السكان، حتى لا يتم اكتشافهم، وتعدد الجوازات للمتهمين فى كل من الجريمتين مما يشير الى انهم يميلون لاستخراج جوازات غير جوازاتهم الحقيقية لدخول السودان.
خلية سوبا
الخلايا الارهابية المذكورة تعيد للاذهان حادثة تسعينيات القرن الماضى المتعلقة بضبط خلية قوامها (40) شاباً ينتمون لاحدى الجماعات السلفية يقيمون بمنزل بالسلمة، وكانوا يعدون لمخطط ارهابي وسلسلة اعمال عنف تستهدف عدداً من المؤسسات الغربية بالخرطوم والاجانب. وكان انفجار قد وقع بالمنزل ادى لكشف سر الخلية التى كان يترأسها عالم كيميائي وعدد الشباب، والذين عقب الافراج عنهم لاحقاً عادوا واشتركوا فى جريمة مقتل مسؤول المعونة الامريكى جون مايكل قرانفيل مطلع عام 2008م.
ويرى الخبير الامنى والعسكرى اللواء د. أمين اسماعيل مجذوب ان هنالك رابطاً مباشراً بين خلية اركويت التى ضبطت قبل ثلاثة اعوام وخلية شرق النيل التى ضبطت قبل اسابيع، وما حدث بالامس من محاولة فاشلة لاغتيال السيد رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، باستخدام التفجير عن بعد بعبوة ناسفة محلية الصنع، وهى نفس المضبوطات التى ضبطت باركويت وشرق النيل، لذلك هذا يؤكد ان هنالك اجهزة محترفة تقوم بتنفيذ هذه العمليات، بغرض خلق فوضى فى السودان واعادته الى فترة التسعينيات، وايهام العالم بأن السودان غير آمن ومازال يأوى الارهاب والارهابيين ويقدم لهم الدعم اللازم، وهذا الهدف يرمى الى تأخير سحب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، وربما اعادنا الى قائمة الدولة غير الآمنة.
ويضيف اللواء د. امين ان هذا الامر يلقى باعباء ثقيلة على الاجهزة الامنية والشرطية، لأن التحليل والربط بين هذه الاحداث المتفرقة كان يمكن ان يؤدى الى اجراءات وقائية احترازية، لأنه يعنى ان هنالك مجموعات ارهابية قد دخلت في السودان بغرض تنفيذ اجندة ومخططات اجنبية.
ويشير اللواء د. امين الى انه عقب الثورة التى اشاد العالم بسلميتها والتوجه الديمقراطى الذى تبنته ثورة ديسمبر ممثلة فى مجلس السيادة ومجلس الوزراء الانتقالى، اصبح هنالك اعداء محليون واقليميون اشتركوا فى رفضهم الاستقرار والتوجه الديمقراطى واحلال السلام وايقاف نزيف الحرب، لافتاً الى ان النجاحات التى حققتها السياسة الخارجية السودانية واعادة اندماج السودان فى المجتمع الدولى خاصة الدول الاوربية التى زارت السودان بوفود رفيعة المستوى وتحسين العلاقات العربية والافريقية والجهود المبذولة للخروج من الضائقة الاقتصادية، كل ذلك لم ترتضه الجهات المتربصة بأمن واستقرار السودان.
واكد اللواء د. امين ان هنالك جهوداً مطلوبة على وجه السرعة، تتمثل فى تنفيذ العدالة الانتقالية والانتهاء من ازالة التمكين ومحاسبة كل من اجرم في حق الشعب السودانى، لتنعم البلاد بالأمن والاستقرار.