
حين بدأت حملات الدعم الاجتماعى لقوات الدعم السريع .. بصورة رآها البعض سافرة .. جوبهت بنقد عنيف .. من مختلف الجهات .. كان من رأي المتشددين أنها .. محاولة ضمن محاولات أخرى .. لسرقة الثورة .. أما سيئي الظن فما رأوا فى ذلك الجهد .. إلا محاولة لاختطاف الدولة برمتها ..
أما الذين حاولوا تقديم معالجة موضوعية للأمر .. وكنا منهم .. فقد كان من رأيهم .. أن ذلك النشاط والذى يقع خارج جهاز الدولة .. إنما يشكل تقاطعا غير مبرر مع أجهزة الدولة .. ويجعل الأنشطة الاقتصادية بما تتكلفه من أموال طائلة .. خارج سيطرة الدولة .. وذكرنا وذكر غيرنا يومها .. أن واحدة من أهم أهداف الثورة .. إعادة ولاية وزارة المالية على المال العام ..هذا أولا .. وثانيا إخضاع كافة المشروعات لسيطرة الدولة وتحكمها .. حتى لا تتحول كل منطقة أو قطاع الى إقطاعية خاصة .. ويحمد للفريق اول حميدتى .. قائد قوات الدعم السريع .. ونائب رئيس المجلس العسكرى الإنتقالى آنئذ .. أن استجاب لتلك الملاحظات .. خشنة كانت او مهذبة .. موضوعية أو مشتطة .. واعلن إيقاف كل الأنشطة .. صحيح أن الرجل قد اعلن ذلك فى لحظة غضب ولم يخف ضيقه .. ولكن الصحيح ايضا .. أن قراره حقق كل الأهداف .. الموضوعية .. التي طالب بها الناس يومها ..!
والآن وبعد أن جرت مياه كثيرة تحت جسر الاقتصاد السوداني بل وفاضت تلك المياه حتى كادت أن تغطي البلاد واقتصادها .. في وقت ظل فيه الجهاز التنفيذي يتنكب الطريق .. دون تقديم أية حلول ملموسة أو معالجات عملية للأزمة الإقتصادية .. وفي المقابل ظل المجلس السيادي متخندقا في خانة المتفرج.. بل وبعض أعضائه لم يستنكف من السخرية حيناً والاستهزاء أحيانا بتعثر خطوات الجهاز التنفيذي .. وفيما اكتفت الحاضنة السياسية (قوى إعلان الحرية والتغيير) بتوجيه النقد ورفع المطالب .. هاهي كل هذه الأطراف مجتمعة تنتهي إلى واحدة من المسلمات التي كان ينبغي أن تكون شعار المرحلة .. منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية .. ألا وهي ضرورة تضافر الجهود وترجمة ما نصت عليه الوثيقة الدستورية .. إلى تأسيس شراكة حقيقية بين هذه الأطراف لتنفيذ مطلوبات المرحلة الانتقالية .. وعلى رأسها إنقاذ الاقتصاد السوداني .. من التدهور الذي بلغه حتى شارف حافة الانهيار .. نتيجة لسياسات تفكيك بنية الدولة .. لصالح الحزب لا لصالح الوطن .. والتي ظل ينتهجها النظام البائد طوال الأعوام الثلاثين التي أدار فيها البلاد .. هذه الشراكة الجديدة تمثلت في الآلية الجديدة التي تواضعت عليها الأطراف الثلاثة .. المجلس السيادي ومجلس الوزراء وقوى إعلان الحرية والتغيير .. وقد كان طبيعيا والأمر كذلك أن تؤول رئاسة هذه الآلية إلى المجلس السيادي .. بطبيعة التراتبية التي بنيت عليها هياكل السلطة الإنتقالية .. فأصبح الفريق أول حميدتي هو رئيس هذه الآلية .. ولئن كانت هذه الآلية قد جاءت استجابة .. وإن كانت متأخرة .. لمطالب كثير من خبراء الاقتصاد والمختصين والمراقبين والحادبين على الوصول إلى مخرج حقيقي .. فإن البعض لم يستنكف الانتقال وبسرعة قصوى إلى الضفة الأخرى .. معارضين ومعترضين ومصوبين سهامهم إلى موقع رئيس الآلية .. وقد فات على هؤلاء أن الرجل قد استجاب من قبل للنقد الذي جوبه به بالعمل خارج جهاز الدولة .. يعود اليوم وقد ارتضى العمل في إطار الأجهزة وعبرها .. فوجود حميدتي على رأس هذه الآلية لايعدو أن يكون ترجمة لوجوده الفعلي كجزء لا يتجزأ من هذه الأجهزة ..!
يقع هؤلاء في تناقض واضح حين يقرون وجود الرجل في المجلس السيادي .. ويقرون وجوده على رأس الآلية التي تبحث عن السلام ثم يرفضون وجوده على رأس هذه الآلية .. وهؤلاء اليوم أمام خيارين إما أن يرفضوا وجوده في كل المواقع .. أو أن يقبلوا بكل أدواره .. فهو إن استقال أو بقي على رأس الآلية .. يظل حقيقة ماثلة في المشهد السياسي ..!