اخبار السودان لحظة بلحظة

كفوا عن هذا يا أسود البراري

أحمد يوسف التاي
كتبتُ أمس الأول في هذه الزاوية داعياً إلى ضرورة الحسم الثوري، وعددتُ مبرراته، وأشرتُ إلى الحلقات الأضعف والثغرات التي يجب أن يستهدفها الحسم الثوري مثل حالة الفوضى والسيولة التي تكاد تضعُ هيبة الدولة تحت حوافر قدميها.
الحسم الثوري يجب أن يستهدف حالة الفوضى والهمجية داخل (الأسرة الحاكمة) قبل المتآمرين، فحالة التفلت والتنمر والفوضى داخل قوى الحراك الثوري الآن لهي أشد خطراً من تآمر فلول النظام المخلوع.
لطفاً، أقرأوا هذا الخبر: (أمهلت لجان مقاومة البراري الحكومة الانتقالية (24) ساعة فقط لتنفيذ مطالبها، وهددت بأنه في حال الإصرار على استمرار الآلية المشتركة لإدارة الأزمة الاقتصادية بشكلها الحالي تحت رئاسة قائد الدعم السريع حميدتي ومريم الصادق، هددت بالتصعيد الثوري…الخ..).. فهل هذا هو الإسناد المنتظر من لجان المقاومة؟ هذه اللجان بهذا الفوران وهذه النظرة التي لا تتجاوز أرنبة الأنف، فهي لجان لمقاومة الحكومة وإرباكها وانتقاص هيبتها، وهذه ممارسة قطعاً تصبُّ في صالح خصوم الثورة.
أثق تماماً في أن هذه التهديدات لم ولن تجد الحد الأدنى من إجماع لجان المقاومة حتى في البراري نفسها، وإلا فإن لجان المقاومة تعمل في جزيرة معزولة تماماً وغير مدركة للمخاطر.
الحقيقة التي لا تقبل الجدل، أن السلطة القائمة اليوم هي شراكة بين المكون العسكري والمكون المدني، وقد ارتضت التنظيمات المدنية هذه الشراكة ووقعت على الوثيقة الدستورية التي تحكمها…هذه الشراكة التي اقتضتها وفرضتها ظروف استثنائية معقدة، فقد ارتضيتموها وصفقتم لها بقاعة الصداقة حينما تم التوقيع على الوثيقة التي تحكمها أمام كل العالم، فما الذي استجد الآن؟
الأمر في رأيي ليس (لعب عيال) بل هو عهد وميثاق مشهود عالمياً وإقليمياً ومحلياً، ففي أيام الثورة الأولى يمكن أن تستجيب السلطة القائمة للضغوطات الشعبية وفقاً لمنطق الثورة وقوانيها وقوة تأثيرها، وأما الآن فإما هيبة الدولة أو التنمر الصراح… والآن وبعد نصف عام تحولت الثورة إلى مؤسسات دولة بعد النضوج، وغدا الثوار رجال دولة أو هذا ما ينبغي أن يكون عليه الحال، فما عاد عباس مدني هو ذلك الشاب الذي كان يتجول في ميدان الاعتصام عاري الصدر إلا من (فانلة) داخلية، وماعاد نصر الدين مُفرح هو ذلك الثائر الذي يركض خلف المواكب، وينطط على إيقاع الدفوف)، فقد اقتضى الأمر أن يفكروا بطريقة تفكير رجال الدولة من حكمة وحنكة وحسن تدبير والتحسب لكل شيء، بعكس الثائر في الميدان.. هذه الحقيقة يجب أن تستوعبها لجان المقاومة، وإلا فلتتحكم فيهم عقلية الثائر الموجوع الذي يتحرك بعواطفه وأوجاعه.
لجان المقاومة هم خط الدفاع الأول لسلطة الثورة، وهم حماة الفترة الانتقالية وحراس بوابة الانتقال إلى دولة القانون والمؤسسات والحكم الرشيد منعاً للإنزلاق، حتى لا تغرق سفينة الوطن بكل من فيها، فلا يليق بلجان المقاومة أن تضعف سلطة الدولة وهيبتها والعمل على إرباكها بكثرة المواكب والضغوط، فهذا العمل سيذبح الثورة بـ (قزازة) ميتة، ويقدمها هدية بل قرباناً، مع الاعتذار والإنكسار لإرادة الدولة العميقة.. اللهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخير:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

اترك رد