اخبار السودان لحظة بلحظة

الحرب الخفية للثورة المضادة

جورج واشنطن المؤسس وقائد حرب التحرير والتوحيد بالولايات المتحدة الاميريكية بعد النصر جاءه من الامريكيين من قالوا له ننصبك علينا ملكا مدى الحياة كملك انجلترا ، فرفض وقال ( لن اتخلى عن الدستور ، سنبني دولة قانون لا دولة أشخاص ). أوباما الرئيس الأمريكي جاء بعد قرابة ٢٠٠ سنة كثمرة لتمسك جورج واشنطن بالدستور ، قال في احدي خطابات الوداع بعد انتهاء فترتي رئاسته وعدم إمكانية ترشحه مجددا، ( لو ترشحت سافوز ولكن لا يمكنني اختراق الدستور ) .

هذا درس لو استوعبناه لعلمنا ان المعارك العظيمة للامة لا تدور حول الأشخاص ولا القيادات ، بل حول منهج قيادة الأمة ، الأشخاص تفنى والمنهج يظل ، القيادات لا تولد قيادات بل تصنعها الأيام والعمل والمناهج ، كلما كانت المناهج عظيمة صنعت قادة عظماء . الأمة التي تضع منهجا عظيما( الدستور ) وتلتزم به ، تصعد إلى القمة ، وتتماسك في الأزمات .

الحملة التي تستهدف حميدتي او محمد جلال هاشم او مريم المهدي او عبدالحي يوسف ، هي كلها معارك وقتية، عبثية في نهاية المطاف ، لأنها تدور حول الأشخاص لا المناهج ، لا يهمنا من يقدمه بعض الناس ، لا يجب ان يشغلنا من يأتي لمنصب ، بل يجب ان يهمنا المنهج الذي جاء به ، الطريقة التي وصل بها ، فان كانت صحيحة وشرعية فلياخذ فرصته كاملة مهما كان رأينا فيه كشخص ، حرب الثورة ضد المناهج وليس الأشخاص.

حميدتي عضو مجلس سيادي باتفاق سياسي بين مراكز سلطة الثورة ، هذا شأن انتهى ، ( لواكته ) مجددا إضاعة وقت ، ما يتمخض من توظيف جديد لحميدتي تحت سقف هذا المنصب بواسطة مجلس السيادة او الحكومة ، ليس شأنا مهما ، مادامت الآلية شرعية وهي التفويض من الحكومة ، وليس القهر والبندقية .

مطلوب انصراف الجماهير عن الحروب الشخصية ، عن إضاعة الجهد والزمن في دوائر مفرغة. مطلوب التركيز على المنهج ، الفترة الانتقالية فترة تكليف ، وظيفتها وضع المناهج للمستقبل ، أول هذه المناهج هو الدستور الدائم، الذي يجب أن يحترمه الجميع ، ويقدسوه ويحافظوا عليه كما يحافظ الاب على ابنه ، الدستور هو ثمرة الثورة وذروة انتصارها .

ماذا تريد الأمة من الثورة؟ ، تريد سلطة تحكمها باختياها، بالانتخابات وليس بالقهر والبندقية ، هذا يحتويه الدستور، يقسم الشعب جميعا على أن لا يحكمه مجددا رئيسا غير منتخب ، ولو يفنى جميعا في الطرقات ، هكذا نصنع الحكم الديمقراطي وننهي للأبد الحكم الدكتاتوري ، لا يهم من يأتي للسلطة بالانتخابات حميدتي او الخطيب او الميرغني او الصادق المهدي ، المهم كيف جاء ، اذا جاء عبر انتخابات حرة ونزيهة ندعمه كرئيس ولو كنا نختلف مع شخصه جملة وتفصيلا .

ماذا يريد الأفراد داخل الأمة؟ الحرية والعدالة ، هذا يحتويه الدستور، يقسم أفراد الشعب جميعا على الحق في العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد دون تمييز بعامل الدين او العرق أو اللون ، يقسم الفرد على حماية حرية الآخر مالم تتعدى على حرية الاخرين . هكذا نصنع دولة القانون والحريات ، هكذا نحترم الآخر ، ننهي أسباب الحروب والغبن ونصنع وطن السلام .

الثورة لها غايات عليا ، العمل على تحقيقها هو المهم ، الغرق في المعارك حول الاشخاص يستنزف الوقت والطاقة ، يستهلك الثقة ، يضرب الوحدة ، يبث الاحباط ، يزرع الشك ويقود للاستسلام . وهذه بالضبط هي خطة الدولة العميقة لهزيمة للثورة والعودة للدكتاتورية، فهل عرفنا الطريق ؟!

sondy25@gmail.com

اترك رد