اخبار السودان لحظة بلحظة

إذاً حاكموا مُزمل والباز

بقلم: أحمد يوسف التاي

قبل 23 عاماً تحدى رئيس تحرير صحيفة الشارع السياسي الأستاذ محمد أحمد كرار ـ طيّب الله ثراه، وأسكنه عليين ـ تحدى نظام الإنقاذ الذي كان قابضاً قاهراً ومهيمناً على الأوضاع، وذلك من خلال حملة صحافية ناجحة وعنيدة في مواجهة مجموعة من أباطرة الفساد، وقد كشفهم بالأسماء وبالمستندات، وطفق يواصل حملته تلك ضد ذلك الفساد الذي شهد عليه الناس من خلال كتاباته المركوزة بالوقائع والمستندات والحجة المقنعة، ولكن للأسف لم يعره أحد أية التفاتة لا المنظومة العدلية التي استفزها بمقالاته الراتبة، ولا المؤسسات المتهمة بالفساد والتواطؤ والمصالحة مع المفسدين، وفي النهاية كتب سلسلة مقالات عنوانها الرئيس : (حاكموني أو حاكموهم)… يطلب فيها من الدولة ومؤسساتها المعنية اتخاذ أمرين: إما محاكمته هو وصحيفته بتهمة الكذب والنشر الضار، وإشانة سمعة مسؤولين بالدولة، أو محاكمة المتهمين الذين ذكرهم والمؤسسات التي أشار إليها صراحةً…
لكن ومع ذلك كله عملت حكومة الإنقاذ (أضان الحامل طرشاء) ـ كما في المثل الشعبي ـ.. تذكرتُ كل تلك الوقائع وأنا أطالع التصريحات المنسوبة إلى رئيس حزب المؤتمر السوداني المهندس عمر الدقير وهو يشير إلى الحملة الصحافية الناجحة والقوية التي تقودها بثبات وثقة صحيفة (اليوم التالي) في مواجهة العلاقة الغامضة بين وزارة المالية وشركة (الفاخر) التي حظيت باحتكار تصدير الذهب وبطريقة أثارت كثيراً من الشبهات والتساؤلات حول المزايا التي حصلت عليها هذه الشركة من تعامل خاص دون غيرها، كما في المقالات التي تحدى بها وزير المالية كل من رئيس تحرير (اليوم التالي) د. مزمل أبوالقاسم، ورئيس تحرير (الأحداث نيوز) عادل الباز من خلال زوايتيهما في (اليوم التالي).
تصريحات الدقير التي أشار فيها إلى أن ما نشرته صحيفة «اليوم التالي» خطير ويستوجب أحد أمرين فإما محاكمة الصحيفة، أو مساءلة وزارة المالية، أعادت إلى الأذهان الحملة الصحافية التي أشعلها «كرار» في مواجهة أولئك الكبار ووضع من خلالها الحكومة أمام خيارين فإما محاكمته هو أو محاكمة الذين اتهمهم بالفساد، ووجه الشبه بين الحملتين هو تحدي الصحافة للحكومة وتعرية مؤسساتها المعنية بمكافحة الفساد والتشوهات بما تملكه من وثائق ومستندات وحجة قوية وموقف قانوني سليم، وهو أمر وضع السلطة الحاكمة كلها أمام خيارين فقط لا ثالث لهما فإما محاكمة الصحيفة وكُتابها أو محاكمة المتهمين باستغلال السلطة والنفوذ وارتكاب بعض الممارسات الفاسدة …
«الصهينة» و»الطناش» قد لا يبدو مدهشاً في ظل الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة التي تمثل حاضنة أساسية ومرتعاً للفساد، لأنها تتسق مع طبيعة هذه الأنظمة الشمولية الفاسدة، لكن قد يبدو غريباً للغاية أن يحدث ذلك في ظل ثورة عظيمة قدمت تضحيات جسيمة من أجل مكافحة الفساد وتأسيس دولة القانون والشفافية بل يبدو محزناً ومؤسفاً جداً أن تتعامل حكومة الثورة مع هذه الاتهامات بكل هذا الاستخفاف والتغافل، وهي إذ تفعل ذلك إنما تستفز وتستخف بالشارع السوداني العظيم الذي يرفض هذه الممارسات وكل أشكال «الدغمسة»… الـلهم هذا قسمي في ما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الـله، وثق أنه يراك في كل حين.

The post إذاً حاكموا مُزمل والباز appeared first on الانتباهة أون لاين.

اترك رد