الخرطوم: القسم السياسي
رغم أن جوبا قد طوت صفحة مسار الشرق وقتلته بحثاً وأفرغت قاعاتها لمسارات أخرى، من واقع أن أهل الشأن وقّعوا على وثيقتهم وحمل كل منهم نسخته، إلا أن الأصوات في شرق البلاد لم تصمت بعد، آخرها ما نشره «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» من بيان رافض لهذا الاتفاق، وجنح البيان في ثناياه إلى طابع قبلي لكونه أشار إلى تغييب مُتعّمد «للبجا في أرضهم وإقليمهم».
وبالطبع فإن البيان الذي يحمل الرقم 2، سبقه آخر وتصريحات كثيرة في هذا الإطار، مسانِدة أو معارضة، وهو ما يجعل الاتفاق تحت دائرة الشد والجذب، إذا اخذنا في الاعتبار ما جرى في الشرق من وقت سابق تمثل في صراع قبلي بين « الهدندوة والبني عامر» على خلفية زيارة وفد الجبهة الثورية، وما تلاه من تداعيات. وينطلق الرافضون للاتفاق من مبدأ أن لا يكون لشرق السودان مسار ضمن الجبهة الثورية في مفاوضات جوبا، إلا أن الأمين داؤود وهو أحد قيادات الشرق يقول لـ(الانتباهة)، إن رفض قيادات البجا للاتفاق ليس منصفاً لأن ما تم في جوبا هو تفاوض بين فصائل تابعة للجبهة الثورية ولا علاقة له باتفاقات سابقة «شرق السودان والقلد»، لكونه تم بين تلك الفصائل والحكومة الانتقالية، وأضاف «إدخال القلد خطأ وعندما جاء وفد الإدارة الأهلية إلى جوبا لم يستطع تقديم إجابات عن هذا الإطار».
والمتابع لخلفيات القضية يلاحظ أن الخلافات التي ظهرت مبكراً لم تستطع الحكومة الانتقالية تداركها على الرغم من الجهود التي بُذلت. ففي يناير الماضي، عقد المجلس السيادي مؤتمراً تشاورياً في القصر الجهموري ضم ممثلين لولايتي القضارف وكسلا، وكان اللافت هو غياب ممثلي البحر الأحمر الولاية الأكبر، وأن اللقاء التشاوري ذاك خرج بتوصيات، إلا أن الذين رفضوه أكدوا أن إدارات أهلية لتسع قبائل من جملة 11 قبيلة قاطعت المؤتمر.
الناطق الرسمي باسم مؤتمر البجا، المهندس جعفر محمد آدم، أكد أن الإدارات الأهلية للشرق ترفض ما يسمى باتفاق مسار الشرق، ويعتبر جعفر في حديث لـ(الانتباهة) أن الاتفاق لا يساوي الحبر الذي كتب به، وأضاف»وهو ذر للرماد على العيون وما بني على باطل فهو باطل»، ويشير جعفر إلى الملاحظة أن مسار الشرق يجب أن يبدأ من حيث انتهت اتفاقية الشرق.
وما بين الرافضين والمؤيدين للاتفاق، دائماً ما يبحث المراقب عن نقطة للتلاقي لتخليص المنطقة من ويلات الاحتراب، خاصة وأن الشرق حسبما هو معلوم يجلس على نقطة ساخنة ومليئة بالأسباب التي تجعله مكاناً غير مستقر، يشير البعض إلى أن الذين يرفضون هذا الاتفاق يعبّرون عن النظام السابق أو كانوا جزءاً منه، ولكن عندما جاءت الثورة بمعطياتها الجديدة، فرضت واقعاً مختلفاً حاصرهم في الخارج، وهو ما يشير إليه الأمين داؤود بقوله «إن الذين قادوا الرفض كانوا معنا لكنهم ذهبوا إلى النظام السابق ووقعوا معه اتفاقات دخلوا بموجبها الحكومة ونحن نعرفهم». ولكن المهندس جعفر يقول إن نظارات الإدارة الأهلية في الشرق ليست ضد المسار ولا ضد السلام، ولكن ملاحظاتهم في كيفية إخراج هذا المسار، وأضاف»هذه الإدارات هي تنظيم أهلي موجود ومنوط بهم حفظ الأمن والسلم والنسيج الاجتماعي، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزهم أو استبعادهم».
والأسئلة الملحة دائماً تظل موجودة في هذا الجدل، من قبيل ما هو مصير الاتفاق الذي ظهرت عليه علامات التنازع؟، وكيف يمكن للحكومة أو المؤيدين إنزاله إلى أرض الواقع. بالعودة إلى بيان الإدارات الأهلية الذي أشرنا إليه آنفاً، بالطبع فإن الذين رفضوا الاتفاق حددوا وجهتهم وطريقتهم للمقاومة، يقول البيان «ويجب مقاومة هذه القرارات الجائرة بكل الوسائل نحن نمتلك آليات متوفرة ومتعددة لمقاومة الظلم وكل مرحلة بمآلاتها ونحن أهل لها»، وأضاف البيان «لن نمد أيدينا لمن أتوا بهم سادة على الشرق يقتسمون إدارته وموارده مع المركز متجاوزين تلك المخاطر والتحديات التي بدأت نذرها عندما ادعوا سيادتهم على الإقليم بتنفيذ سياسية الأمر الواقع معتمدين على نسب الاتفاق الذي تم بينهم».
وإن كانت التخوفات موجودة كما ذكرنا، من أن يتحول الشرق إلى بؤرة احتراب مجدداً، إلا أن هناك من يرى أن نصوص الاتفاق نفسها لم تحدد شيئاً يستحق الصراع لأجله، لجهة أن الاتفاق استند على نصوص نظرية وعبارات عامة تؤكد الحقوق التاريخية وأهمية معالجة المظالم، ويقول الأمين داؤود «إن المعنيين بالاتفاق سيحاولون إرضاء الجميع في الشرق عبر إشراكهم في آلية التنفيذ حتى يعم الخير جميع أبناء الشرق، وأضاف «نقدّر رأيهم ونحترمه لأنه بالتأكيد سيكون له آثار سالبة حال لم تتم معالجته».
The post اتفاق الشرق.. العواصف تُبعثر الأوراق appeared first on الانتباهة أون لاين.