اخبار السودان اليوم

محطات سياسية

عثمان محمد الحسن
الصراعات الدائرة اليوم تشير الى أن الحروب النفسية الباردة تفرعت من أحادية الاتحاد السوفيتي الى حروب متعددة الرؤوس تماماً كما يجري بين ترامب امريكا وخميني ايران وتلك إحدى فروع الحرب الباردة الحديثة التي تتخللها الاشاعات ومثلها الخلافات مع تركيا وكوريا والصين والعالميين العربي والإسلامي، بحجة الارهاب واكتساب المصالح القومية.
..المراقبون يقولون إن فقدان امريكا للعدو الشيوعي أصبح وبالاً عليها. فقد خلف لها قائمة من الاعداء الجدد حول العالم، مما جعلها تنتهج العديد من أساليب الحروب النفسية، فكثرت الإشاعات والشائعات، حتى مست قادة الصف الأول من الزعماء.
..ماهي سيكلوجية الإشاعة والشائعة؟ ولكي نتعرف عليهما، فالشائعة تعني ظهور الخبر والحدث لتنتشر بين الناس دون علم مصدره. أما الإشاعة فالمصدر المجهول يظهرها وينشرها وكلتاهما خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتتناول بين العامة ظناً منهم على صحتها.. ودائماً ما تكون هذه الأخبار شائقة ومثيرة لفضول المجتمع والأفراد رغم افتقارها الى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة صحتها. وقد يضيف الناس إليها بعض الأخبار والأحداث–fabrication التي قد تحدث بلبلة واضطراباً. ..علماء النفس تابعوا الكثير عن نشوه مثل هذه الإشاعات وتأكد لهم أن وسائل البحث تدعم نظرية أن هذه الأخبار تنتج عن الامتزاج بين الحيرة والقلق الذي ينتاب الجميع حال وقوع حدث كبير وقد صدرت العديد من الكتب أشهرها مؤلف – علم النفس الشائعة – لبورت بوست مان bortbos man– ويعتبر أصل الأعمال في هذا الحقل.. إذ تقول إحدى فقرات قانونه إن الشائعات تفسر الأحداث وتخفف من التوتر الذي ينجم عادة من غموض الحدث، حيث أنها تنتعش في أجواء السرية والتنافس مما يجعل الشائعة حاجة إنسانية واجتماعية، حيث يقرر علماء النفس أن أهم الشائعات هي التي تستجيب لتلك الحاجات فتعاود الظهور تكراراً لتتجذر في بنية المجتمع حيث كانت أشهر شائعة في التاريخ الإسلامي مارشح لحادثة الإفك للسيدة عائشة «رضي الله عنها»، حتى برأتها السماء.. نادر التجاني.. باحث سوداني من قبيلة الجعليين ضخم الجثة يصر على ارتداء الزي الشعبي في تنقلاته بالقاهره. ذات يوم فوجئ بباحثة مصرية تسأله في خجل هل تربطكم علاقة بقبائل آكلي لحوم البشر في السودان؟ ضحك التجاني من سذاجتها وداعبها قائلاً إنه من هذه القبائل نفسها.. فابتعدت عنه بسرعة بعد أن تملكها الرعب والخوف.. نعود فنقول إن الشائعات تتسع الى أقصى مدى خاصة مع الأزمات السياسية والأحداث العارضة واحتقان العقول بماهو غير صحيح.
..أواخر الستينيات من القرن الماضي سرت إشاعة عن مقتل كلمنت أمبورو وزير الداخلية آنذاك وهو عائد من جوبا، حيث كان من المقرر أن تصل طائرته الخرطوم في المساء.. طلب الوزير من كابتن الطائرة التوجه الى الأبيض دون التقيد بالبرتوكول والمراسم في مثل هذه الحالات، بل ودون علم الخرطوم. وقضى ليلته بالأبيض.. حينها انطلقت الشائعات هنا وهناك عن مقتله، فتسارع المتفلتون في الخرطوم قتلاً وحرقاً ودماراً لكل ما يقع تحت أيديهم. ولولا عناية الله وحكمة المسؤولين يومها، لحدثت كارثة.. ذلك فيما سُمي بالأحد الحزين. لم تغب هذه الأحداث كثيراً عن أذهان الناس حتى تلتها أحداث أخرى أكثر دموية، عرفت بالاثنين الأسود ذلك بفعل الشائعات والأخبار الكاذبة المغرضة التي يطلقها البعض.. ثم ما كان من أمر تلك الإشاعة التي هدفت الى إيقاع الفتنة بين القوات المسلحة ورئيس الوزراء بشأن الزي الذي يرتديه.. أما قبل أسابيع سرت إشاعه أقامت الدنيا وأقعدتها وأخافت الكثيرين خاصة النساء والأطفال عن سحارة جبرة التي عثر عليها المواطنون في أحد أحياء مدينة جبرة يقولون إن أسنانها طويلة والدم يتدفق من فمها ومما زاد من انتشار الشائعة اختفاء أحد الأطفال مصادفة في ذلك اليوم ولم يعد حتى لحظة القبض على تلك المرأة.. ثم إنها قاومت الرجال حتى أوثقوها من يديها ورجليها وحملوها الى الشرطة وقد رشح أخيراً أن المرأة متسولة تعثرت في أحد المجاري مما نتج عنه إصابتها في فمها .. فهل يوجد في السودان أناس يأكلون لحوم البشر بما يطلق عليهcannibalism – بالطبع لا.. إلا في مخيلة محبي أفلام الرعب كالفيلم الامريكي eyes havesHill الذي يحكي قصة ذلك السفاح الاسكتلندي الذي كان يقتل ضحاياه ويأكلهم علماً بأن أحداث الفيلم مستمدة من إحدى الأساطير القديمة. ..فلنكن بعد ذلك أكثر يقظة لمحاربة هذه الظواهر الضارة، فكم أهلكت من كيانات ومزقت النسيج الاجتماعي حيث نختم بمقولة ذلك الروائي التركي حين قال.. إن الشائعات لاتعطي فقط صوتاً لعزة الأمة وكرامتها، بل تكشف عن زيفها وتأثيرها المدمر..

The post محطات سياسية appeared first on الانتباهة أون لاين.

Exit mobile version