د. محمد خليفة صديق
شهدت العاصمة السعودية الرياض مطلع شهر يناير الماضي تأسيس تحالف يضم ثمان دول مشاطئة للبحر الأحمر هي: السعودية والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن، وهو تحالف يضم دولاً عربية وإفريقية، واطلق على هذا التحالف الجديد اسم «مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن»، وتم التوقيع على ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن في الرياض، وقد يحمل التحالف اسم تحالف الرياض مستقبلاً، مثلما تحمل بعض التحالفات مسمى العاصمة التي تضم مقر التحالف مثل حلف وارسو، وتجمع صنعاء 2002 الذي ضم السودان وإثيوبيا واليمن.
فكرة إقامة تكتل أو تجمع لدول حوض البحر الأحمر ليست فكرة حديثة، بل طُرحت من قبل في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين من قبل كلٍّ من مصر والسعودية، بحيث يتألف هذا التجمع من الدول المشاطئة له، ولكن هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح بفعل عاملين رئيسيين؛ يرتبط أحدهما بتحالفات الحرب الباردة، والثاني يتعلق بمعيار العضوية، وهل يشمل كل الدولة المطلة على هذا البحر بما فيها إسرائيل، حيث أن الفكر الاستراتيجي الخاص بهذه المسألة في إطارها العربي ظل ولفترة طويلة يدور حول اعتبار البحر الأحمر بحيرة عربية. كما نشأت محاولات محدودة – لم تعش طويلاً- لبناء تحالف بين بعض دول حوض البحر الأحمر، مثل ميثاق جدة لحماية أمن البحر الأحمر الموقع في عام 1956 بين مصر والسعودية واليمن.
قد تكون بداية هذه الفكرة وسيرها في طريق التحقق ما حدث في مارس 2019، من أعلان مصر عقد اجتماع لتقييم مبادرات دولية بشأن أوضاع «البحر الأحمر وخليج عدن»، بمشاركة مسؤوليين دبلوماسيين وعسكريين للدول السبع المذكورة، كما استضافت القاهرة الاجتماع الأول للدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، بالقاهرة يومي 11 و12 ديسمبر 2017، بمشاركة السعودية والأردن وجيبوتي واليمن والسودان وإريتريا، وقد فرضت هذه التحركات ما يشهده البحر الأحمر وخليج عدن من «تهديدات» عديدة متنوعة على رأسها العدو الصهيوني ونشاطه في حوض البحر الأحمر، وما تقوم به مليشيا الحوثي في اليمن، بجانب الخطر الإيراني المتعاظم في المنطقة.
مجلس دول البحر الأحمر بحسب وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان يهدف للتنسيق والتشاور بشأن البحر الأحمر كممر مائي حيوي، في ظل تحديات متزايدة في المنطقة في إطار حفظ الأمن والاستقرار، ومواجهة الأخطار المحدقة، حيث تم الاتفاق على ميثاق التأسيس دون تفاصيل كثيرة بشأنه، كما قال الوزير: «نمر بمرحلة حساسة جداً، ولابد من رفع التعاون»، مشدداً على أن «المجلس منظومة عمل مشتركة، وسيكون له أمانة واجتماعات وقمة، وليس موازياً لمجلس التعاون الخليجي، وأنه شكل مختلف عبارة عن مبادرة للتنسيق والتعاون».
رغم أن الوزير السعودي نفى وجود تصور على الأقل في الوقت الحالي لإنشاء قوة عسكرية للتحالف الجديد، لكن المؤشرات الجيوسياسية والأمنية بمنطقة البحر الأحمر التي تكثر فيها اضطرابات مختلفة في عدد من دولها مثل اليمن والصومال تشير إلى أن إنشاء قوة عسكرية سيكون واردا خلال المستقبل المنظور، حيث ألمح الوزير كذلك إلى أن جميع الدول لديها قدرات دفاعية، وتنسيق ثنائي، ويمكن أن يتطور ذلك إلى تنسيق جماعي.
كما أعلن الوزير الأمير فيصل أن الملك سلمان سيدعو «قريبا» إلى قمة لقادة الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، وهو ما نتوقعه خلال الأيام القادمة باعتبار آن أوان هذه القمة قد حان لوضع النقاط على الحروف في هذا التحالف خاصة تكوين أمانته العامة وترتيب اجتماعاته على كل المستويات الوزارية وغيرها، بجانب تحديد الحاضنة البحثية للمجلس الذي نرجو أن يكون مصحوباً بمركز دراسات سياسية وإستراتيجية على مستوى رفيع يرفد المجلس بالدراسات العلمية المعمقة حول مشكلات حوض البحر الاحمر ومقترحات وسيناريوهات حلها والتعامل معها.
الجديد في مسار تجمع دول البحر الأحمر الهجوم الذي شنه الرئيس الاريتري اسياس أفورقي أخيرا على التجمع، حيث وصفه بأنه كيان ﻟﻠﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، وأن ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ بوضعه ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺃﺷﺒﻪ بالمنتدى ﺍﻟﺘﺸﺎﻭﺭﻱ، لكنه قال: سنشارك ﻓﻲ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ ﻟﺘﺒﺎﺩﻝ ﻭﺟﻬﺎﺕ النظر، وقال :» تقدﻣﻨﺎ ﺑﺮﺅﻳﺔ ﺗﻔﺼﻴﻠﻴﺔ ﻟﻠﺘﺠﻤﻊ ولكن لم يتم النظر فيها ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ، وﺭﺅﻳﺘﻨﺎ تنص ﻋﻠﻰ ضرورة ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ الدول ﺍﻟﻤﺸﺎﺭﻛﺔ على قدم ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ بغض النظر عن حجمها وعدد سكانها.
قد يكون هذا الهجوم على التحالف من الرئيس الارتري مستغرباً بحسبان أن التحالف ما زال في المرحلة الجينية، ولم يتشكل بهياكل ونشاط على الأرض، كما أن تخوف أفورقي من التعامل بعدم مساواة غير وارد باعتبار ان التحالف سيتعامل مثل كل المنظمات الدولية التي تتعامل مع الدول من حيث أنها دول ذات سيادة، وليس بمعيار الحجم أو السكان، لكن أرتريا قد تكون هي الدولة الوحيدة في هذا التحالف التي لا تنضوي تحت جامعة الدول العربية، رغم حضور اللغة العربية الكبير في إرتيريا، حيث يحتفظ الرئيس الإرتري الذي يجيد العربية كذلك برأي سالب تجاه الجامعة العربية والتي يراها نادياً يمكن الانضمام إليه في أية لحظة، وهو رأي شبيه برأيه في تحالف البحر الأحمر.
ختاماً يبدو أن تجمع دول البحر الأحمر هو تجسيد عملي لفكرة (أفرابياAfrabia -)، التي ابدعها المفكر الكيني علي مزروعي على العلاقات التاريخية والجغرافية المستمرة بين أفريقيا والجزيرة العربية، ووصل لهذا المفهوم ليحكم اطار التضامن العربى الافريقي، حيث يرى مزروعي أن الأوضاع الجيوبوليتيكية المتغيرة في النظام العالمي الجديد سوف تدفع إلى دعم هذه الروابط والهويات المشتركة عبر ساحل الصحراء والبحر الأحمر بحسبانه تجمعاً حضارياً يؤكد عمق الروابط التاريخية والثقافية والحضارية بين العرب والأفارقة، وسيؤدي ذلك كله إلى صهر كل من العروبة والأفريقانية في بوتقة واحدة هي (أفرابيا)، ولذا نرجو أن يكون الاسم المختصر لـ «مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن» هو (أفرابيا)، كما قد يكون مناسبا أن يكون مقر الأمانة العامة للتجمع أو بعض مؤسساته المرتقبة في مدن مطلة على البحر الأحمر مثل جدة السعودية أو بورتسودان أو سواكن السودانيتين، أو العقبة الأردنية وغيرها، لما لذلك من دلالات خاصة المدن ذات التاريخ العريض مثل سواكن، كما قد يكون ذلك مدخلاً للحد من أي نفوذ يأتي من خارج المنطقة.
The post مجلس دول البحر الأحمر.. الحضور وسيناريوهات المستقبل appeared first on الانتباهة أون لاين.