اخبار السودان لحظة بلحظة

الوضع الاقتصادي.. خطورة موقف ومطبات عاصفة

الخرطوم ” ابتهاج متوكل
خبراء اقتصاديون وماليون، كالوا انتقادات واسعة نحو أداء وزير المالية، بسبب غياب الرؤى وتمسكه برفع الدعم وتعويم سعر الصرف، واعتبروها أشياء ليست في مصلحة معاش الناس، موضحين بأن الوزير قدم موازنة غير واقعية، ويمثل “أوهاماً ” بحيث لا يمكن بناء موازنة على موارد غير حقيقية. أعابوا عليه أمر عدم اتخاذ تدابير أو إجراءات حاسمة لمنع تهريب الذهب وضبط “فوضى ” الأسعار بالأسواق.
غياب الرؤية
الاقتصادي بروفسير إبراهيم أونور، قال في حديثه أمس لـ(السوداني) إن هناك غياب رؤية اقتصادية لوزير المالية، مع تمسكه بأشياء رفع الدعم وتعويم سعر الصرف، رغم أنها ليست في مصلحة معاش المواطنين، واعتبر بأن وجوده في الوزارة أسهم بصورة سلبية على الوضع الاقتصادي الراهن، متسائلاً ماهو الشيء الإيجابي الذي قدمه منذ توليه الوزارة؟، مبيناً بأن الدولار كان عندما تولى المنصب بنحو 55 جنيهاً أما الآن تجاوز الـ100 جنيه، مستدركاً بالقول ماهي التدابير الإيجابية التي قام بها، حيث مايزال تهريب الذهب مستمراً وحدوث “فوضى” للأسعار بالأسواق، وشدد أونور، على أن مسائل تعويم سعر الصرف لديها اشتراطات وقيود، وهي غير متوفرة في الاقتصاد السوداني حالياً، حيث لا توجد احتياطيات كافية للبنك المركزي من النقد الأجنبي، وعدم السيطرة على الذهب والواردات، فكيف يتم التعويم في ظل هذا الوضع ؟، منوهاً إلى أن موقف الاستيراد مفتوح لكل شيء، رغم أن البلاد تعاني من عجز في النقد الأجنبي، فالخطوة المطلوبة حصر الواردات في الاحتياجات الضرورية فقط.
حقائق وأوهام
وفي المقابل اعتبر الخبير المالي بابكر عبدالله، في حديثه أمس لـ(السوداني) أن الوزير جاء بموازنة غير واقعية، بثلاثة أضعاف الميزانية الماضية، بزيادة النفقات من (212) مليار جنيه إلى (584) مليار جنيه، وقال إن هذه الزيادة لا تحدث في تاريخ الموازنات، بينما الإجراء الطبيعي بأن تكون الزيادة بمعدلات ما بين 10 – 20%، وربما تصل في حالات معينة 50% ، موضحاً أن الموازنة يفترض أن تكون بدون عجز والصرف من موارد حقيقية، ولكن الواقع يظهر وجود عجز كبير جداً بـ(74) مليار جنيه، مقابل (53) مليار في العام الماضي، مبيناً بأن مشكلة الاقتصاد السوداني تتلخص في أمرين هما نسبة التضخم وسعر الصرف، ونجد المعالجة تتخذ في معادلتين للعرض الكلي والطلب الكلي، بإحداث توازن بينهما حتى يستقر الاقتصاد، وتابع وزير المالية السابق عبدالوهاب عثمان طبق هذه المعالجة ونجح في خفض التضخم وكبح سعر الصرف.
وأكد عبدالله أن وزير المالية ليست لديها رؤية اقتصادية وحلول، والسياسات والمعالجات غير واقعية على حد قوله، مستدلاً بأمر تحديد (265) مليار جنيه من دعومات لأصدقاء السودان ، وهو ما يمثل “أوهاماً ” حيث لا يمكن بناء موازنة على موارد غير حقيقية، وأضاف:المتعاملون في السوق صاروا يعرفون حقيقة الموقف بأنه “سيغرق” لذلك نجد الدولار يمضي في تصاعد، ويرى عبدالله، بأن التقديرات الاقتصادية تبين بأن مورد النقد الأجنبي للبلاد يتراوح ما بين (13-15) مليار دولار، تمثل عائدات الذهب والمغتربين والصادرات، ولكن ما حدث للنقد الأجنبي بأنه خارج القنوات الرسمية، ولا توجد موارد حقيقية للايرادات خاصة وأن الحكومة الانتقالية “متضخمة” ، مشيراً إلى أن الإجراء السليم حالياً خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات عبر برامج اقتصادية محددة، والسعي لإحداث توازن لصالح الموازنة الحالية.
بدايات خاطئة
وفي رأي آخر، يعتقد الاقتصادي د. بابكر الفكي، أن أحاديث وتصريحات وزير المالية حول انهيار الاقتصاد، ترمي لرفع الدعم رسمياً والوصول لإقناع الجهات الرسمية بضرورة اتخاذ هذه الخطوة، وقال الفكي ، في حديثه أمس لـ(السوداني)، إن اتخاذ هذه الخطوة “خطر جداً” وفي حال تنفيذها ربما تعصف بالحكومة الانتقالية، وأضاف: ما يحدث في السودان ليست أزمة اقتصادية، وإنما شيء أعلى من ذلك، ما يجعل طريقة إدارتها صعب في ظل “ظروف غير مستقرة” أمر صعب جداً ، وزاد بأن مسألة إرجاع الأسباب للنظام السابق ليس خطأًً، ولكن الإدارة الاقتصادية الجديدة بدايتها لم تكن موفقة خاصة في معالجة القضايا الاقتصادية، موضحاً بأن الضرورة تتطلب منها إيلاء الشأن الاقتصادي الأولوية، إلا أنها مضت في طريق معالجة أخرى، خاصة أن الحكومة ليس لها مصدر نقد أجنبي تعتمد عليه، ويرى الفكي ، بأن المواطنين شركاء فاعلون في الأزمة القائمة، بسبب “الإنفلات الأخلاقي” ، واستمروا في اتباع السلوكيات الخاطئة للنظام السابق، وذلك على المستوى الاقتصادي فيما المورد والمصدر والبائع والعميل والتاجر من ضعاف النفوس، مؤكداً بأن المعالجة تحتاج “إرادة قوية” جداً لايقافهم.
واعتبر الفكي، أن النظر لمصادر وموارد البلاد بدأت تستجيب “للضغوط الخارجية ” في تنفيذ مطلوباتهم حتى يتم الحصول على تمويل أجنبي، وتابع “هي مسرحية ليست لها نهاية ” فيما يختص برفع اسم السودان من قائمة العقوبات وفتح التحويلات المصرفية، داعياً إلى ضرورة النظر للداخل والاعتماد على الذات، موجهاً بخفض الإنفاق الحكومي ومراجعة وتحديد سقف أعلى للصرف، ومراجعة كل الشركات والاستثمارات القائمة لأنها “مشبوهة” ، وتحتاج لمراجعة عقوداتها إلى المدى البعيد، والوقوف على حق السودان واستيفائها شروط العقد، مع التأكد من دخول نصيب السودان للخزينة العامة، على مستوى الاستثمارات المحلية والخارجية، وأيضاً الأموال المنهوبة في العهد البائد بحيث لم يظهر أي شيء عنها ، إضافة إلى إحكام الإرادة من قبل السلطات الرقابية والنزول للميدان لمعرفة ما يحدث، لأن هناك “فوضى توجع الرأس”، مشيراً إلى أن ما يحدث في ارتفاع الأسعار بالأسواق، ليس ناجماً عن أسباب اقتصادية، إنما سلوكيات خاطئة من بعض ضعاف النفوس، يجب حسمها بالمراجعة والرقابة، خاصة أن الوضع اسوأ “مليون مرة” مقارنة بما تحدث عنه وزير المالية .

الخروج من الجلباب
ويشار إلى أن أحاديث البدوي وزير المالية مؤخراً، يبدو أنها انتهزت الفرص وطرحت الحقائق بشفافية حول الوضع الاقصادي، من خلال عدد من المنابر والفعاليات الاقتصادية. في اليومين الماضيين أفاد البدوي، في ندوة “صادر الذهب”، بأن الحفاظ على الدعم السلعي ونظام سعر الصرف، هو محافظة على موازنة النظام البائد، واعتبر عدم تعويم سعر الصرف “شوكة في خاصرة ” الاقتصاد السوداني، مشدداً على أن الاستمرار بهذا المنهج الاقتصادي سيكرس حالة الأزمة الاقتصادية الراهنة، وضرورة تعويم سعر الصرف لمعاملات القطاع الخاص ومدخرات المغتربين السودانيين،لاستيعاب السوق الموازي للعملات بصورة نهائية، كما وصف البدوي، الاقتصاد السوداني بـ”المنهزم”،لأنه مرتبط بسعر صرف مفروض وآخر واقعي، مؤكداً بأنه من خطأ السياسة الاقتصادية هو الإصرار عليها، ثم عول البدوي،على الحوار المجتمعي لطرح تعويم سعر الصرف للقطاع الخاص، وفي حال التوافق عليه، سيكون بداية النهاية لأزمة الاقتصاد السوداني.

اترك رد