اخبار السودان اليوم

شاعر الغلابى والثورة والحب

البروفيسر: عبـدهـ مختار
يوم 19 ديسمبر 2019 – أي في يوم ذكرى اندلاع ثورة الشعب السوداني، – تُوفي صديقي الشاعر عبد الرحمن مكاوي (نسأل الله له الرحمة والمغفرة وأعالي الجنان). كتب الشاعر الراحل محجوب شريف كلمات عن الراحل عبد الرحمن مكاوي. وعندما تُوفي محجوب وضع عبد الرحمن مكاوي كلماته تلك على الغلاف الخلفي لديوانه وكتب عليها عنواناً: (ما زلت حضوراً أيها الراحل محجوب). وأنا اليوم أقول للراحل المقيم عبد الرحمن مكاوي ذات كلماته لمحجوب شريف (ما زلت حضوراً…).
في بداية حكومة الإنقاذ وتحت ذريعة التمكين، كان شاعرنا ضمن الذين تمت إحالتهم إلى الصالح العام. أهداه شقيقه عبد الرحيم مكاوي (صاحب الدار السودانية للكتب) عربة – عسى ولعلها تساعده في حياته. اضطرته ظروف الحياة أن يفكر في بيعها – لكن عـزّ على شاعرنا الرقيق المرهف أن تفارقه هذه العربة. وقف بجانب عربته وهو حزين، وقال لها: «أحلى منك قايلة بلقى.. ولا غيـرك إنت ببقى…». وقد تغنى بها الفنان حمد الريح. وقد كتب كثير من القصائد الغنائية مثل (شال هم فرقتك قلبي.. معاك يا ريته كان برحل)؛ و(خليتني ليه عشت الشقا.. قُبال أعرفك من زمان)؛ و(روح معاك عمر الهنا .. يالفرقتك تمت سنة)..
تحضرني كلمات آمال عباس عنه (إنه يمارس الحلم رغم مرارة الواقع). الشاعر عبد الرحمن مكاوي يرسم بحروفه الجميلة لوحات معبرة عن حنايا كل سوداني. وهو كان الناطق الرسمي باسم الغلابى. ففي قصيدته «أصبحتُ كيف» يقول: أصبحتَ كيف؟ (يابونا) كيف؟ من الصعاب من العذاب وهَمّ المسا.. اتوضأ قوم صلي الصبح، الدمعة يا ابونا احبسا)..
ويقول في قصيدة «الحلم الجميل»: حلمت بيك يوم في المنام.. واتحقق الحلم الجميل.. يا جندي شفتك منتصر.. ومتقدم الصف الطويل.. لابس وشاح المعركة.. وسيفك سلاح عبد الفضيل.. حلفت تفديه الوطن.. والدم عشان وطنك قليل..
وعن الأيتام: «أطفالي أيتام الزمن نايمين.. وبايتين القَـوَى، وأصبح سراب حق الدوا وغلبني حل المسألة، صعبان عليْ حتى السؤال.. دي القصة كانت باختصار.. تحت الهجير ما لاقية ضل، ويا ما الفقر ذلاَّني ذُل، والعيشة أصبحت تلتلة.. حق الفطور بقى زي كلام الحق، درادر ومشكلة..
في 23/12/2004 كتب لي عبد الرحمن مكاوي إهداءً في ديوانه الموسوم «أيتام الزمن»: (الأخ الصديق المعتق د.عبده مختار، أتمنى أن تجد على سواحل هذه الحروف مرفأ للمحبة والمحنة، مع شكري وتقديري). وحقيقة كان صديقي ينبوعاً للمحنة والمحبة. وكتب لي في ديوانه «أصبحتُ كيف؟!»: (صديقي الوفي عبده مختار، عندما تتصفح حروف هذا الديوان ستعذرني. وعندما تقرأ كلمات المعاناة ستقول هموم هذه الإصدارة هي التي شغلتني منك وطال زمن اللقاء. لك حبي وتقديري، مع تحياتي: 22/7/2000). وأنا أقول تباً لهذه الظروف التي حرمتني من الكتابة عن ما أهديتني إياه من كتب تتدفق شعراً ونغماً وحباً، ولا أفعل ذلك إلا بعد مماتك، فأصبح حزني عليك حُزنان. حقيقة تمسخ الدنيا عند فراق مثل هذه الشخصيات، ولكن هو المصير الحتمي لنا جميعاً.
كنا نتزاور في البيوت. سبقته زوجته (فايزة) على الرحيل منذ سنوات وتركت له ثلاث زهرات: ميسون (في كندا) ومواهب ومنيرة» وجميعهن الآن بأولادهن – ما شاء الله. لهنّ كل التعازي، وإن القلب ليحزن والعين لتدمع لكن لا نقول إلا ما يرضي الله.
استدراك: في مقالي السابق عن (الصومال) فات عليْ أنه كان في استقبال وفدنا في المطار السيد عبد القادر البغدادي وزير الدولة برئاسة جمهورية الصومال، وكذلك نسيتُ الإشارة إلى أننا زرنا أحد أعلام الطرق الصوفية الشيخ عثمان عمر داؤود حدغ، شيخ الطريقة الإدريسية بالصومال، وهو عالِم له عدة مؤلفات أهدى وفد الجامعة بعضاً منها.

The post شاعر الغلابى والثورة والحب appeared first on الانتباهة أون لاين.

Exit mobile version