اخبار السودان اليوم

حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.. أية علاقة؟

د. محمد خليفة صديق
فكرة قيام مفوضية قومية لحقوق الإنسان في السودان، فكرة قديمة لكنها لم تر النور إلا في دستور 2005م، بينما لم يجاز قانون المفوضية إلا في 2009م، ولم تتكون المفوضية رسمياً إلا في 2012م لتضطلع بواجباتها في حماية وتعزيز حقوق الإنسان والتعريف بها ونشرها ومراقبة تطبيقها، وتنوير الرأي العام بحقوق الإنسان ونشر الوعي بها وضرورة احترامها، وإعداد الدراسات والبحوث والتقارير السنوية المتعلقة بمسألة حقوق الإنسان وغير ذلك.
تقوم المفوضية بأعمالها عبر لجان متخصصة أبرزها لجنة التخطيط الإستراتيجي ولجنة الحقوق المدنية والسياسية ولجنة الإعلام، وقد درجت المفوضية خلال الفترة الماضية على تنظيم منتدى دوري بعنوان: منتدى الحقوق والحريات بالتعاون مع بعض الجهات ذات الصلة مثل المنظمات والجامعات وغيرها، وقد كان المنتدى الأخير بعنوان: (التنمية المستدامة وحقوق الإنسان)، وعقد بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) حضره عدد من المتخصصين وأساتذة الجامعات والإعلاميين، وقُدمت فيه ثلاث أوراق عمل هي: ورقة أثر السياسات القومية في تحقيق التنمية المستدامة قدمها د. حبيب محمد من المجلس القومي للسكان، وورقة حقوق الإنسان والتنمية المستدامة قدمتها الأستاذة حرية إسماعيل رئيس المفوضية، وورقة أهداف التنمية المستدامة وأثرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية قدمها الأستاذ جمال حسن بشير.
خلال مداولات المنتدى طالبت المفوضية القومية لحقوق الإنسان حكومة الفترة الانتقالية بضرورة الالتزام بمبادئ التنمية المستدامة الصادرة من الأمم المتحدة لكونها مرتكزاً رئيساً لحقوق الإنسان وتضمينها في الخطط والإستراتيجيات القومية، كما دعت رئيسة المفوضية حرية إسماعيل الحكومة لضمان نفاذ معايير حقوق الإنسان الدولية بما في ذلك تضمين أجندة أهداف التنمية المستدامة للعام (2030)، في الإستراتيجيات القومية كافة، ومعالجة الأزمة الاقتصادية، والعمل على إرساء أسس التنمية المستدامة بتطبيق برنامج اقتصادي واجتماعي ومالي وإنساني عاجل لمواجهة التحديات الراهنة، كما تم التأكيد على المضي في تعزير العلاقات والشراكات مع الأجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني كافة بما يحقق الأهداف الكلية لحقوق الإنسان في البلاد.
حاول المنتدى المذكور معالجة سؤال: ما العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية المستدامة؟ ومن واقع تجربتي في التدريس الجامعي والكتابة البحثية والإعلامية في مسائل حقوق الإنسان وتوابعها، أقول إنه لا تنمية مستدامة من دون حقوق إنسان، ولا حقوق من دون تنمية مستدامة، ولا بد من توفير إطار حقوقي يمكّن التنمية المستدامة من استيعاب هذه الحقوق وإدماجها في برامجها، ويجعلها برامج قابلة للتحقيق على أرض الواقع، ولتكون التنمية المستدامة منصفة وعادلة، وجالبة للنمو الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وغيره؛ لا بد من ربط خططها وبرامجها بحقوق الإنسان التي تُعدّ بمثابة الموجهات لتلك الخطط. مع الأخذ بعين الاعتبار جملة المبادئ التي تنطلق منها التنمية المستدامة مثل دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والاقتصادية في عملية صنع القرار بشكل فعّال، وتحقيق شرط المشاركة الاجتماعية، والعدالة والإنصاف ضمن الأجيال وبينها، والشفافية والحرية والحكم الرشيد.
كما أن التنمية المستدامة تعد ضمانة لتطبيق حقوق الإنسان بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلا حقوق إلا في إطار التنمية المستدامة، ولا يمكن بلوغ حقوق الإنسان الصحية والمعيشية والتعليمية من دون تنمية مستدامة تدمج في خططها تلك الحقوق، ولا يمكن تأمين حقوق الإنسان الاقتصادية والقضاء على الفقر في بيئة سياسية – اقتصادية، تتسم بانتشار الفساد والتسلط؛ فالعلاقة وثيقة بين عدم احترام حقوق الإنسان، وتفشي الفقر والفساد والتجاوزات.
من المؤكد أن الحرية تظل أداة التنمية المستدامة، وكما يقول أمارتيا صن في كتابه (التنمية حرية):» إن تحقيق التنمية المستدامة، وبالتالي، وجود تنمية ومساواة اجتماعية، وفقر أقل، وثقافة غنية وحيّة، وبيئة صحية، كلها أمور تتطلب وجود مؤسسات كفؤة، وشفافة، وخاضعة للمساءلة». فوجود مثل هذه المؤسسات يضمن بناء القدرات البشرية، وإيجاد فرص متكافئة، وصون الكرامة والحقوق للجميع، وبحسب هذه الرؤية تكون التنمية ملازمة للحرية.
خلاصة القول، إن الحرية غاية أولية أساسية، يُنظر إليها كضرورة موضوعية للتعامل مع حاجات الإنسان، وفي مقدمتها الحقوق، والنظر إليها كمنظومة مترابطة ومتكاملة ومتفاعلة فيما بينها من خلال تعظيم قدرة المواطنين على مواجهة الفقر بكل تجلياته: الفقر المادي، وفقر الحماية والأمن، وفقر الفهم والإدراك، وفقر المشاركة، وفقر الهوية الناتج عن التسلط وفرض القيم الغريبة على الثقافات المحلية، والإقصاء والنفي السياسي… الخ.
إذن.. نحن في حاجة لمفهوم التنمية القائم على حقوق الإنسان ليكون بمثابة إطار مفاهيمي يستند إلى المعايير الدولية والمحلية لحقوق الإنسان، لترسيخ الخطط والسياسات والبرامج على نظام لتقوية حقوق الإنسان، مما يساعد في تعزيز الاستدامة، وتمكين أصحاب المصلحة، خاصة الأكثر تهميشًا من المشاركة في رسم السياسات، وعلى مساءلة من يتحملون واجب التصرف في هذا الشأن، واستنادًا إلى خصائص النهج القائم على حقوق الإنسان؛ ينبغي أن يتمثل الهدف الرئيس عند صياغة السياسات والبرامج التنموية في الوفاء بحقوق الإنسان، ويتحدد أصحاب الحقوق واستحقاقاتهم والمكلفين بالواجبات والتزاماتهم، مع العمل على تدعيم قدرات أصحاب الحقوق للتعبير عن مطالبهم، والمكلفين بالواجبات على الوفاء بالتزاماتهم، ومن ثم يحدث التوازن المطلوب.
ختاماً نثمن جهد المفوضية القومية لحقوق الإنسان في عقد مثل هذه المنتديات والتي نرجو أن تكون مستديمة لا تنقطع، وتعالج قضايا ملحة ومعقدة، تستفيد من خبرات السودانيين بمختلف تخصصاتهم خدمة لقضايا حقوق الإنسان، كما نرجو أن تستمر سياسة المفوضية في تعزيز الشراكات خاصة مع أقسام العلوم السياسية بالجامعات والجمعيات والمنظمات ذات الصلة، وكليات الشريعة والقانون بالطبع بجانب الشراكة مع الإعلام بوسائطه كافة، والتي لها الأثر الكبير في نشر ثقافة حقوق الإنسان ومراقبة تطبيقها، وتنوير الرأي العام بحقوق الإنسان ونشر الوعي بها وضرورة احترامها.

The post حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.. أية علاقة؟ appeared first on الانتباهة أون لاين.

Exit mobile version