تحليل: أحمد يوسف التاي
لا تزال وتيرة الرفض الشعبي تتمدد داخل الشارع السوداني إزاء حالة العنف التي قابلت بها السلطات الأمنية المسيرة السلمية، التي عبر بها مئات الثوار عن تضامنهم مع أحد الضباط الذين تم فصلهم من الجيش في إطار عملية درجت عليها القوات المسلحة ووصفتها بالروتينية، بينما يرى الثوار المدنيون أن فصله يُمثل حالة تنكُر لمواقفه البطولية في ساحة الاعتصام باعتبار أنه ـ أي الضابط المفصول ـ يُعتبر أيقونة الثورة السودانية في شقها العسكري.. مُقابلة السلطات الأمنية للمسيرة السلمية بالعنف المفرط الذي أدى إلى إصابة «40» حالة بعضها بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، أوجدت حالة من الاستياء والإحباط لجهة أن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين وقمعهم أعادهم إلى مرحلة ما قبل ثورة ديسمبر، حيث كان النظام المخلوع يقابل المحتجين السلميين بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع، ولا يعبأ بحرية التعبير التي يتضمنها الدستور، كما أن هذه الخطوة أطاحت شعار الثورة السودانية (حرية سلام وعدالة).
علامات استفهام
أثار استخدام الشرطة للعنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين وفقاً للقانون، أثار علامات استفهام كثيرة، وطرح أسئلةً جديدة اتسعت معها دائرة الشكوك لطالما قفز السؤال الكبير إلى السطح : لمصلحة من تواجه الشرطة السودانية المتظاهرين السلميين بالعنف واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي؟ وهل اعطت السلطة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الوزراء الأمر باستخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين؟ وهل كان حمدوك على علم مسبق بالأمر باعتباره رئيس الحكومة والأجهزة التنفيذية؟ أم أن الإشارة تخطت علمه كما حدث في عنتبي؟ ومن هي الجهة التي اصدرت التعليمات للشرطة باستخدام العنف المفرط؟ هل هي المكون العسكري في المجلس السيادي، أم جهة اخترقت المؤسسة الشرطية كما حدث في سابقة فض الاعتصام ؟. هذه الأسئلة المشروعة يطرحها الشارع السوداني الذي قابل هذه الخطوة بالاستهجان الواسع بينما طالبت بعض القوى بإقالة وزير الداخلية، ومدير عام الشرطة، ومدير الشرطة بولاية الخرطوم، فيما ذهبت لجنة الأطباء إلى اتهام بعض الجهات الأمنية بالتآمر مع بقايا النظام المخلوع لتنفيذ هذه الخطوة المسيئة للثورة.
أزمة ثقة
ويرى أكثر من مراقب سياسي أن هذه الإجراءات من قبل الشرطة قد وسّعت من شُقّة الخلاف وزادت من أزمة الثقة الموجودة أصلاً بين المكونين العسكري والمدني بحكومة الفترة الانتقالية، خاصة وأن هذه التطورات جاءت في اعقاب تصريحات رسمية صدرت عن نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول حميدتي، والتي أشار فيها إلى عدم وجود شراكة حقيقية بين الطرفين وهدّد فيها برجوع العسكر إلى ثكناتهم، هذه التصريحات من الفريق حميدتي أعقبتها أيضاً تصريحات من وزير الإعلام فيصل محمد صالح أقرّ فيها بوجود خلافات بين المكونين العسكري والمدني إلا أنه عاد وقال إن هذه الخلافات لم تصل بعد حالة التشاكس، وهنا يقفز إلى الأذهان سؤال آخر: إذا كانت الخلافات قبل استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين السلميين لم تصل حد التشاكس هل ستصل الآن بعد هذه الخطوة، سيما وأن السلطات الأمنية التي قامت بقمع المتظاهرين تقع تحت إشراف المكون العسكري بالمجلس السيادي.
سؤال بريء
لكن أمراً آخر يقفز إلى سطح الأحداث ويطرح سؤالاً مشروعاً : هل ثمة علاقة بين ما حدث من قمع للمتظاهرين وتجاوز لمكتسبات الثورة والتطورات التي شهدها المسرح السياسي السوداني على الصعيد الخارجي من تقارب مع أمريكا وإسرائيل؟ وهل ثمة سيناريو يتم الإعداد له خارجياً بتمكين المكون العسكري من السلطة بعد أن يتم إعلان فشل حكومة حمدوك وقوى الحرية والتغيير تمهيداً لتسليم السلطة إلى المجلس العسكري تحت أية ذريعة أو مبرر يتم التسويق له؟. هذه الأسئلة التي يطرحها الشارع السوداني الآن وإن كانت بلا إجابات، فإن الأيام المقبلة كفيلة بالرد عليها..
الانتخابات المبكرة
بعد لقاء البرهان بنتنباهو حدث انقسام في الشارع السوداني خاصة في أوساط قوى الحراك الثوري، هذا الانقسام لا يُستبعد أن يتم استغلاله لصالح تنفيذ السيناريو أعلاه، وإذا حدث ذلك فإن الخطوة القادمة ستبدأ باستقطاب سياسي حاد داخل القوى الثورية الحية لدعم المكون العسكري الذي سيحظى بدعم واشنطون وتل أبيب على نسق استقطاب الإدارات الأهلية وزعماء العشائر الذين سبق للقائد حميدتي أن استقطبها عقب فض الاعتصام، وحينها ستتم الدعوة لانتخابات مبكرة وسيكون حزب الأمة والأحزاب الاتحادية و التيارات الإسلامية والقوى التي شاركت النظام المخلوع أول الداعمين لهذه الخطوة، وعلى الصعيد الخارجي فإن الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل ومصر والإمارات والسعودية ستدعم هذه الخطوة مادياً وسياسياً بحجة دعم الأمن والاستقرار وتحقيق السلام، وحل الأزمة الاقتصادية، وتُقرأ كل هذه التطورات مع تأجيل مؤتمر المانحين، وشكوى الناطق باسم الحكومة فيصل محمد صالح من استبطاء دعم الأصدقاء.
وبإلقاء نظرة فاحصة تأخذ في الاعتبار كل الخلافات بين المكونين العسكري والمدني والتطورات الأخيرة التي انتهت باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين والسيناريو الذي سبقت الإشارة إليه فإنه من المتوقع أن يلعب حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي دوراً كبيراً في هذه التحولات المرتقبة والتي ستنتهي بانتخابات مبكرة وسط انقسام حاد في الشارع السياسي السوداني ودرجة عالية من الاستقطاب، كما ستُقابل هذه الخطوة بتأييد خليجي أمريكي إسرائيلي.. الله المُستعان.
The post قمع المتظاهرين السلميين.. من أعطى الإشارة ؟ appeared first on الانتباهة أون لاين.