مُفارقة مذهلة استوقفتني وأنا استرق السمع لحديث المجالس الذي يروي قصة مغترب أراد شراء قطعة أرض بمنطقة الحلفاية بحي اللاسلكي الجديد، فأخبره السماسرة بأن ثمن القطعة (9) ملايين جنيه، وفي نفس المنطقة عُرضت عليه قطعة بنفس المساحة وفي موقع أفضل من السابق بمبلغ (3) ملايين جنيه..
هذه المفارقات باتت مألوفة ليس في مجال العقارات وحسب، بل حالة عامة أضحت تأخذ بالنواصي والأقدام ولم يسلم منها مجال من المجالات، والسبب في هذا الفرق الشاسع بين السعرين هو دخول عدد من السماسرة كوسطاء، أدى إلى ارتفاع ثمن القطعة الأولى، بينما كان البيع في الثانية مباشراً بين البائع والمشتري، بمعنى أن ضعفي الثمن الحقيقي يذهب إلى جيوش العطالى من السماسرة والوسطاء، ولك أن تقيس على هذا الأنموذج لتخرج بالنتائج التالية:
أولاً: الوسطاء (السماسرة) هم مظهر من مظاهر الأزمة الحالية، وهم بمثابة سلاح مُدمِّر يصيب الاقتصاد الوطني في مقتل، بل هو العدو الأول لعملية الإنتاج والإنتاجية في أي بلاد يتمدد فيها.
ثانياً: الوسطاء هم طبقة طفيلية تدير نشاطاً هدَّاماً قادراً على تدمير كل القطاعات الإنتاجية في أية بلاد في العالم مهما كانت قوة اقتصادها.
ثالثاً: هذا النشاط الطفيلي له قدرة فائقة على جذب المنتجين من زرّاع وصناع حرفيين وغيرهم للعمل في هذا النشاط الهدّام عوضاً عن القطاعات الإنتاجية، وذلك نظراً للمكاسب السريعة والعمليات الربحية الضخمة بجهد صفري.
رابعاً: هذا النشاط الطفيلي يعتمد في الأساس على الاتجار بالمعلومات عن السلع والخدمات وليس الاتجار بالسلع والخدمات نفسها، ولا يسهم في الإيرادات العامة لقدرته على التهرب الضريبي.
خامساً: تساهُل الدولة مع هذا النشاط الطفيلي الهدام ساعد على تمدده وانتشاره، فتحول معظم التجار والمزارعين وحتى الموظفين إلى سماسرة في مجال بيع وشراء الأراضي والعقارات والسيارات ونحو ذلك.
سادساً: ونتيجة للنقاط عاليه ترك كثير من المزارعين والتجّار والموظفين مواقعهم وتحولوا إلى سماسرة ووسطاء يديرون نشاطاً طفيلياً، واصبح هذا النشاط كالأورام السرطانية التي تنخر في مفاصل الاقتصاد القومي.. وكلما تعدد الوسطاء والسماسرة في العملية الواحدة تصاعد ثمنها بشكل خرافي لا يقبله العقل.
وأخطر ما يفعله السماسرة أنهم يحتكرون المعلومات عن السلع والخدمات للاتجار بهذه المعلومات… والسؤال المشروع هو لماذا لا تُشرِّع الدولة قوانين تمنع مثل هذا النشاط الطفيلي المدمر لكي يعود الناس إلى القطاعات الإنتاجية بدلاً من إدارة نشاط لا يسهم في قطاعات الإنتاج ولا الإيرادات العامة والتصدير.. وللأسف حتى على مستوى المواصلات يوجد وسطاء بين سائق الحافلة والكمساري، وسطاء من الشباب الغض احتشدت بهم مواقف المواصلات، بينما مواقع الإنتاج تشكو من انعدام الأيدي العاملة، وتشتاق (السنبلات الخُضر) إلى زندٍ قويٍ يعانقها ولا تجد… الـلهم هذا قسمي في ما أملك
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الـله، وثق أنه يراك في كل حين.
The post اقتلوا هذه (السوسة) appeared first on الانتباهة أون لاين.