اخبار السودان لحظة بلحظة

مَن يحكم السودان؟!

إمام محمد إمام
استطاعت قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) تحريك الشباب عبر الوسائط الإعلامية المختلفة ضد حكومة الإنقاذ، وبمساعدة غير منكورة من بعض رجالات الإنقاذ في المؤسسة العسكرية والأمنية، للإطاحة بالبشير وحكومته، وآل الأمر بكلياته إلى قوى (قحت)، لأن المجلس العسكري الانتقالي قام بتنفيذ مطالبها كاملة في شكل الحكم القائم. وقد حاول المجلس العسكري الانتقالي اختبار مدى قوة (قحت) في حشد الشارع، بأن رفض المعادلة التي طرحتها أولاً، وبدا الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) اجتماعات مكثفة مع تجمع المرأة والشباب والإدارة الأهلية والطرق الصوفية، معلناً رفضهم للنسب العالية التي أرادت أن تستأثر بها (قحت) لعضويتها في بادئ الأمر، ولكن عاد المجلس مذعناً لطلبات (قحت) لأنها أكدت حينها سيطرتها على الشارع.
تأتي هذه الخواطر على أثر فشل (قحت) نفسها في تحريك الشارع، نفس الشارع الذي سيطرت عليه بشعاراتها قبل سبعة أشهر! فماذا جرى بين تلكم وهذه؟! وفي فترة زمنية لا تتعدى السبعة أشهر؟!
شعارات مليونية الفشل الأخيرة هي إجبار الحكومة – حكومتهم بإكمال مؤسسات الحكم من تعيين للولاة، وأعضاء المجلس التشريعي والوزراء الولائيين!
والسؤال المطروح اليوم، من يحكم السودان؟! إذا اعتبرنا أن (قحت) والتي تضم عدداً مقدراً من أحزاب اليسار واليمين وتجمع المهنيين، هي التي عينت الحكومة، كما شاءت وكيفما شاءت! وهي بهذا الشكل تصبح الوعاء السياسي للحكومة، بل وذهب دولة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله آدم حمدوك بأنه كان متوقعاً أن يجد إستراتيجية الحكم والسياسات الاقتصادية وغيرها جاهزة.
من يساند حكومة حمدوك الآن؟ فالمكون العسكري داخل المجلس السيادي اختار السكوت واكتفى بالعناية بالمشاكل الأمنية، والتضارب بين المكونات العسكرية المختلفة، وكل يؤسس لقوة عسكرية ضاربة تحت قيادته، الأحزاب التي تكونت منها قوى الحرية والتغيير (قحت) قدمت مرافعات مقنعة بفشل الحكومة برئاسة عبد الله حمدوك! الصادق المهدي أكبر أحزاب (قحت) أقر بفشل الحكومة ودعا مراراً لانتخابات مبكرة، وعمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني وفي لقاء صحافي أبان كيف فشلت الحكومة في وجه المعاناة التي يعانيها المواطن من صفوف وغلاء في الأسعار وتدهور مضطرد في سعر العملة السودانية.
الحزب الشيوعي هو الآخر تنصل عن الحكومة، رغم أن معظم الوزراء والوكلاء من الذين يدينون لهذا الحزب بالولاء. وفي مسرحية لا تخفى على من ناصر سياسات هذ الحزب، فإنه دائماً يتحدث بلسانين، حكومة ومعارضة. خروج مظاهرة الخميس 30 يناير الماضي، لإرغام الحكومة لتكملة هيكلة الحاكم تضع المسمار الأخير على نعش الحكومة. الشباب الذي خرج بعفوية ضد الإنقاذ بقيادة ناشطي تجمع المهنيين وثوار (قحت) يتساءلون من فض الاعتصام ومن قتل المعتصمين؟!
ولجنة نبيل أديب، رغم أنها حصلت على كامل المستندات والأفلام الوثائقية، لم تقدم إجابة للسؤال من فض الاعتصام؟ رغم أن الجميع يعرف من فض الاعتصام ومن قتل المعتصمين؟!
عند قوى الحرية والتغيير (قحت) خاصةً، وأنهم بشروا الشعب السوداني قبل انتصارهم على الإنقاذ، بل طمنوا الجميع أن علمائهم وبروفاتهم قد جهزوا خارطة الطريق لمناحي الحكم المختلفة.
وبعد مضي أشهر قلائل انهارت النظرية التي بنت (قحت) عليها الثورة، لم يكن الفساد بين رموز النظام المباد بالصورة التي حبكها قبل الثورة وشهد بذلك رئيس مجلس السيادة والذي أكد لقناة الجزيرة أنهم لم يعثروا على الأموال التي توقعتها (قحت)، وفشلت محاولات النيابات المختلفة من تحويل تهمة واحدة ضد رموز النظام إلى دعوى جنائية يمثل أمامها متهم. راهنت (قحت) على وعود من لا يملكون قراراً من دول الغرب وأمريكا مسارعون لدعم الحكومة الانتقالية إذا انتهجت العلمانية وأحلت السلام. فكان فشل رئيس الوزراء في رحلته لأمريكا، وفي إحداها لم يجد وفد الرئيس أي من المسؤولين الأمريكيين حاضراً في واشنطن، وبصورة ملفتة زادت أمريكا من خناقها على السودان بحرمان مواطني السودان مع سبع دول أخرى من دخول أراضيها. وكل العون الأوروبي لم يتعد الخمسين مليون يورو وتصرف عبر منظماتها الطوعية.
وعم الضباب على السياسة الخارجية، والدول العربية التي لها مصلحة في استمرار جنود حميدتي في حرب اليمن تباطأت هي الأخرى، في دعم حمدوك لتأرجح السياسات وتضارب التصريحات!
شباب الثورة يريد أن يعرف لماذا هذه الصفوف؟ للرغيف والمحروقات، رغم أنه ذُكر أن دعماً مقدراً وصل من الأشقاء الخليجيين. شباب الثورة. يريد أن يعرف لماذا لم تهتم الحكومة بمعاش الناس. شباب الثورة يتساءل عن أولويات الحكومة؟ وهل حل جمعية القرءان الكريم، وإيقاف إذاعاته أولى بالقرار أم إجلاس الطلاب في المدارس وإفطارهم، وعلاج المرضى، ومنع انتشار الأوبئة التي اكتسحت البلاد في الآونة الأخيرة؟. وسؤال مؤرق، لماذا تطالب الحكومة بإعلان حالة الطوارئ، رغم الدعوة القوية من جميع مكونات (قحت) لحكومة مدنية، ورغم أن المكون العسكري في المجلس السيادي رفض إعلان حالة الطوارئ.
السؤال الأخير، متى تعلن (قحت) وفاة الحكومة، وإحالة الأمر بكامله للشعب السوداني في انتخابات مبكرة؟.
أخلص إلى أن كثيراً من السياسيين السودانيين يقللون من أهمية السؤال عن مَن يحكم السودان؟، باعتبار الأهم في رأيهم، أن يكون السؤال، كيف يكون مَن يحكم السودان؟، ولكن الوضع السياسي السوداني الراهن، جعل مراقبو الشأن السياسي السوداني يتساءلون عن مَن يحكم السودان؟، خاصةً بعد أن اضطربت مفاهيم هذا السؤال الذي كان يقلل الكثيرون من شأنه وأهميته. فبات ذاكم السؤال اليوم أكثر إلحاحاً بعد اضطراب نظام الحكم بالسودان في الوقت الراهن. إذ بدأت تتداخل سلطات واختصصات أجهزة الحكم وتعارضها،حيث خرق أطراف الحكم الوثيقة الدستورية، وفعلوا بها الأفاعيل حتى دولة رئيس الوزراء! واستهلت الحاضنة السياسية لمجلس الوزراء (قحت) إعلان الوثيقة الدستورية بوثيقتين، ومن ثم لم تتقيد بالتي اختارتها، في تعييناتها الوزارية وغير الوزارية، ولم يراع المكون العسكري الوثيقة الدستورية في بعض الاختصاصات، ونزل فيها مقولة «على نفسها جنت براقش (قحت)»!
وفي رأيي الخاص، أن السؤال المُلح الآن والذي يتصدر المشهد السياسي السوداني، ويبحث عن إجابة مُلحة وعجلى، مَن يحكم السودان؟!

The post مَن يحكم السودان؟! appeared first on الانتباهة أون لاين.

اترك رد