اخبار السودان اليوم

مجمع فقهي أم مرصد فلكي؟.. نحو تقويم هجري سوداني

د. محمد خليفة صديق
العام الماضي لأول مرة -حسب علمي – خالف مجمع الفقه الإسلامي في السودان المملكة العربية السعودية في رؤية هلال شهر شوال من عام 1440ه، وترتب على ذلك أن يكون عيد السودان مع دول أخرى كثيرة هو يوم الأربعاء 5 يونيو 2019 وليس الثلاثاء كما كان متوقعاً، وربما نتيجة للأحداث التي كانت تمر بها البلاد في تلك الفترة بعد الثورة، شرّق الناس وغرّبوا في هذه المسألة، وتم حقن الموضوع بظلال سياسية، حتى خالف البعض قرار مجمع الفقه الإسلامي الذي يمثل رأي الدولة الرسمي، وأفطروا يوم الثلاثاء باعتباره أول أيام العيد، وساد شد وجذب حول الموضوع، وحدث مثل هذا الاختلاف في دول أخرى مثل اليمن، ولذا برزت الحاجة لإخضاع الموضوع للبحث العلمي الموضوعي المحايد.
برزت داخل أروقة مجمع الفقه الإسلامي خلال الفترة الماضية روح جديدة تدعو لأن يكون للسودان موقفه ورؤيته الخاصة لمسألة رؤية الهلال مطلع كل شهر هجري، وأن يكون هناك تقويم خاص للسودان يجمع بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي، وقد بدأ هذا الأمر قبل أشهر عديدة، ولكن كان الظهور الفعلي له في شعبان الماضي، حيث قال مجمع الفقه الاسلامي في بيان له أن غرة شهر شعبان 1440هـ كان يوم الأحد 7 أبريل 2019م، وأن جميع الدول تحرت هلال شعبان يوم الجمعة 29 رجب 1440 يوافقه 5 أبريل 2019 وصدرت بيانات تفيد بتعذر الرؤية، وأنَّ السبت 6 أبريل 2019 هو المتمم لشهر رجب.
وقال الشيخ إبراهيم الضرير الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي انه تم رصد هلال شعبان في ذات التاريخ بلجنة مختصة من فقهاء وفلكيين وبأجهزة حديثة منها جهاز متطور يحدد الأجرام السماوية بدقة شديدة، وذلك بالكيلو 12 غرب أم درمان حيث تعذرت رؤية هلال شعبان بالعين المجردة والتلسكوب، ولذا فإنَّ غرة شعبان 1440هــ كانت يوم الأحد 07 أبريل 2019م.
ولفت بيان لمجمع الفقه آنذاك انه لم يصدر من أية دولة إسلامية ما يفيد برؤية هلال شعبان يوم الجمعة 5 أبريل 2019م، وعليه يكون يوم السبت 04 مايو 2019م هو الثامن والعشرون من شعبان، وهذا ليس يوماً للتحري، ومن ثم قرر المجمع أنّ يوم الأحد الخامس من مايو 2019م هو التاسع والعشرون من شعبان 1440هجرية، وهو يوم تحري رؤية هلال شهر رمضان لسنة 1440هـ وذلك بناءً على قرار المجمع بالجمع بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي اليقيني، وكان أن بدأ السودان شهر رمضان مع معظم دول العالم الإسلامي الاثنين 06 مايو 2019م، بعد ثبوت رؤية هلال رمضان غرب أم درمان عند الكيلو 12 عبر لجنة تحري رؤية الشهور العربية التي كونها المجمع من عدد من المختصين في العلوم الشرعية والفلك.
أما بالنسبة لرؤية هلال شوال، فقد اتفق عدد من الفلكيين الذين يمثلون المؤسسات الفلكية، والمتخصصين في رؤية الهلال، على وحدة الكلمة، وعلى إصدار بيان موحد يمثل الرأي الفلكي المتعلق ببدايات الأشهر الهجرية؛ حيث استهلوا ذلك ببيان موحد حول ظروف رؤية هلال شهر شوال (عيد الفطر) لعام 1440هـ، وقّع عليه 24 متخصصًا من 12 دولة، وجاء في البيان:» تحرت معظم دول العالم الإسلامي هلال شهر شوال لعام 1440هـ يوم الاثنين 3 يونيو؛ وفي ذلك اليوم غاب القمر قبل غروب الشمس في شرق العالم الإسلامي (مثل إندونيسيا)، وفي شمال العالم الإسلامي (مثل كازاخستان)، وعليه كانت رؤية الهلال مستحيلة في تلك المناطق، وبالنسبة للمنطقة العربية ووسط وغرب العالم الإسلامي؛ فإن القمر غاب يوم الاثنين بعد فترة قصيرة جدًّا من غروب الشمس ليست كافية لرؤيته بأي وسيلة؛ وذلك وفقًا للدراسات العلمية الميدانية لرصد الأهلة».
وتابع البيان:» فرؤية الهلال كانت غير ممكنة في ذلك اليوم بجميع الوسائل من جميع قارة أستراليا وآسيا وإفريقيا وأوروبا. في حين أن رؤية الهلال كانت ممكنة في بعض الأجزاء الغربية من القارتين الأمريكيتين باستخدام التلسكوب فقط؛ وذلك بصعوبة بالغة في حالة صفاء الغلاف الجوي فقط. ورؤية الهلال بالعين المجردة لم تكن ممكنة من أي يابسة في العالم يوم الاثنين، إلا من أجزاء من البحر غرب المحيط الهادئ فقط».
وجاء في البيان تفصيل أكثر حول وضع الهلال بعد غروب شمس يوم الاثنين 3 يونيو في مختلف دول العالم الإسلامي، وقد أجريت الحسابات لمركز قرص القمر؛ لأن الهلال يتواجد أسفله: مثلاً في جاكرتا وكوالالمبور سيغيب القمر قبل دقيقة من غروب الشمس؛ وبالتالي فإن رؤية الهلال مستحيلة من إندونيسيا وماليزيا. وفي الرياض كان عمر القمر المركزي عند غروب الشمس خمس ساعات و37 دقيقة، وغاب القمر بعد ثلاث دقائق فقط من غروب الشمس. وفي الخرطوم غاب القمر بعد ثماني دقائق من غروب الشمس، وفي أقصى جنوب الجزائر غاب القمر بعد إحدى عشرة دقيقة من غروب الشمس، وعليه ووفقًا للمعايير الفلكية والأرصاد السابقة للهلال؛ فإن رؤية الهلال يوم الاثنين من جميع المناطق سالفة الذكر غير ممكنة لا بالعين المجردة ولا باستخدام التلسكوب ولا حتى باستخدام تقنية التصوير الفلكي الرقمي (CCD) فائقة القوة؛ وذلك لأن البعد الزاوي للقمر عن الشمس يومها ضئيل؛ بحيث يتراوح ما بين ثلاث درجات في الشرق وأربع درجات في الوسط وخمس درجات في غرب إفريقيا.
نأخد من كل هذه التفصيلات أن مسألة رؤية الهلال والتقويم الهجري وتحديد دخول كل شهر هجري هي مسألة تهم كل منطقة، ولا يمكن فيها الاعتماد على تقويمات دول مجاورة أو مقتدرة مالياً، ولها مراصد فلكية متقدمة، ومادام السودان يمتلك خبرات فلكية مقتدرة وأسماء معروفة في هذا المجال مثل بروفيسور الكنزي نائب مدير جامعة أم درمان الإسلامية، وكوادر قسم الفلك بالجامعة، وبروفيسور علي الطاهر شرف الدين مدير معهد السودان للعلوم الطبيعية وغيرهم، ويمتلك مجمعاً فقهياً به العديد من التخصصات ذات الصلة.
لذا نقول إنه صار من أوجب الواجبات رعاية وتطوير مسألة تحري رؤية الأهلة شهرياً، وقد سعدت أن أكون ضمن الطاقم الذي تحرى رؤية هلال جمادي الآخر عند الكيلو 45 غرب أم درمان، حيث لم تثبت رؤية هلال جمادي الآخر، ولذا تم اكمال الشهر ثلاثين يوماً. إذن.. مجمع الفقه الإسلامي يسير في الطريق الصحيح، ونرجو أن يستمر مسعاه ليكون للسودانيين تقويمهم الخاص، والذي سيكون لجميع دول شرق ووسط إفريقيا، والمنطقة كلها بإذن الله، ونرجو أن نرى قريباً للسودان مرصده الفلكي المتقدم، مثلما أصبح للسودان قمره الاصطناعي الخاص قبل عدة أشهر.

The post مجمع فقهي أم مرصد فلكي؟.. نحو تقويم هجري سوداني appeared first on الانتباهة أون لاين.

Exit mobile version