اخبار السودان اليوم

الولاية الأممية على السودان

د. حسن محمد صالح
طارت الأسافير ووسائل التواصل الاجتماعي بالطلب الذي تقدم به الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان بتاريخ 27 يناير من العام الجاري لمجلس الأمن الدولي ويطلب فيه من البعثة الدائمة لمجلس الأمن والأمم المتحدة بنيويورك دعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصراً قوياً لبناء السلام على أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان. ومن أهم الملاحظات على خطاب رئيس الوزراء للأمم المتحدة أنه قد اتسم بالسرية فقد أرسل رئيس الوزراء الخطاب دون مشورة الحكومة الانتقالية بشقيها السياسي والعسكري. وجاء الخطاب في ظل تطمينات من رئيس الوزراء وحكومته ووفود التفاوض مع حركات الكفاح المسلح كما أطلق عليها الدكتور حمدوك نفسه بجوبا بأنهم على مقربة من الوصول إلى السلام وفق المسارات الكثيرة وهي شرق السودان ودارفور والمنطقتين بالإضافة للخرطوم والقضارف ووسط السودان في وقت كان هناك وساطة قطرية تعرف باتفاقية الدوحة ووساطة إفريقية أو ما يعرف بمنبر أديس أبابا يقودها الاتحاد الإفريقي وقد أربكت المسارات الكثيرة للسلام المشهد للعام للسلام الذي صار تقليعات كما يقول السودانيون من خمر هوى السلام وجوبا آخرها إعلان عضو المجلس السيادي محمد الحسن التعايشي بأنهم اتفقوا مع الحركات المسلحة على تسليم المتمهين للمحكمة الجنائية الدولية وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير. أما السلام فقد صار رهيناً لهذه الخطوة المختلف عليها بين السودانيين وبين أركان السلطة الانتقالية حيث عبر أعضاء المجلس العسكري في أول مؤتمر صحافي عقب الإطاحة بالنظام السابق أنهم لن يسلموا الرئيس البشير للمحكمة الجنائية الدولية، بل أنهم لن يسلموا أي مواطن سوداني مع الموافقة على محاكمة الرئيس السابق أمام القضاء السوداني ولم يعد الأمر مستحيلاً بعد الإدانة التي وجدها البشير بتهمة حيازة النقد الأجنبي المعروفة، مما يدل على أن القضاء السوداني راغب وقادر على محاكمة أي متهم ولا كبير على العدالة وتطبيق القانون . والملاحظة الأخطر في هذه الدعوة من جانب رئيس الوزراء أنها هي المرة الأولى في تاريخ السودان أن يتوجه مسؤول بقامة رئيس الوزراء أو أقل منه إلى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن بأن تكون له ولاية على السودان وهو دولة مستقلة كاملة السيادة وكما قال الزعيم إسماعيل الأزهري(أبو الاستقلال): (إن السودان حقق استقلالاً تاماً لا فيه شق ولا فيه طق نظيف مثل صحن الصيني) ولم يقل الأزهري ذلك القول الذي صار من أيقونات وعلامات الاستقلال البارزة إلا بعد أن تأكد تماماً من خروج القوات الأجنبية من الأراضي السودانية حتى آخر جندي في عام الجلاء الذي أطلقه على ابنته المناضلة جلاء إسماعيل الأزهري ثم نزع الأزهري اعتراف دولتي الحكم الثنائي باستقلال السودان وأنزل العلم البريطاني من السارية وسلمه للحاكم العام ورفع مكانه العلم السوداني وأعلنت الأمم المتحدة ومجلس الأمن السودان دولة مستقلة كاملة السيادة. فهل ينزع مجلس الأمن اعترافه باستقلال السودان في العام 1956م ويعيده من جديد تحت الفصل السادس وهو فصل لم يتم تطبيقه في النزاع بين السودان ودولة جنوب السودان حول أبيي ولم يتم تطبيقه في حالة احتلال مصر لمثلث حلايب وقد تقدم السودان بشكوى ضد مصر لاحتلالها حلايب يتم تجديدها كل سنة حتى لا تسقط ويضيع حق السودان في أرضه التي تحتلها مصر بقوة السلاح فهل تم تجديد شكوى السودان ضد مصر حول حلايب وقد تقدمت بهذا السؤال عدة مرات ولم أتلق الإجابة من وزارة الخارجية السودانية وهذا هو الدور الذي يمكن للأمم المتحدة أن تلعبه وهو تسوية النزاعات بين السودان والدول الأخرى وهو دور محدود وبناءً على ميثاق الأمم المتحدة نفسها فكيف تتحكم الأمم المتحدة في السودان باسم السلام وهناك مفاوضات بين الأمم المتحدة والسودان بخروج قوات اليونميد من دارفور قبل سقوط النظام السابق وذلك لإنتفاء وجود اليوناميد في دارفور بعد حالة الاستقرار والسلام التي تشهدها دارفور بشهادة المجتمع الدولي ولم يبق إلا الصوت العالي لحركات التمرد التي تجوب العواصم الأجنبية وتعلن عن وجودها الإعلامي وتستمد شرعيتها من حكومة الفترة الانتقالية التي أعلن رئيس وزرائها أنه ذاهب للسلام من غير سقف ونسي أن المتمردين ليس لهم سقف ولا قناعة بالسلام مهما فرش لهم من ورود بإضعاف الجيش السوداني وقوات الأمن والشرطة. وبين يدي كل هذه الحقائق التاريخية والموضوعية والسياسية فإن خطوة رئيس الوزراء تجاه الأمم المتحدة الغرض منها مخاطبة المكون العسكري من الحكومة الانتقالية والاستقواء عليه بالأمم المتحدة لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية بتسليم الرئيس المعزول إلى المحكمة الجنائية الدولية وإعادة هيكلة الجيش السوداني بإدخال قوات الحركات التي تحمل السلاح خاصة وأن هذه الحركات جميعها ليست بعيدة عن هذا التفكير الذي يجعل السودان موعوداً بعهد جديد وواقع جديد لا يقل عن ما يجري في العراق واليمن وليبيا إن لم يتم تدارك الأمر وتصحيح المسار كي لا نبلغ درجة ليبيا التي تعترف الأمم المتحدة فيها بحكومة السراج وتتماهى مع حفتر لتأخذ الدول والحكومات التي تتربص باستقرار ليبيا بالشمال ما أعطته المنظمة الدولية باليمين وهذه مسؤولية القوى السياسية السودانية والمجتمع السوداني ألا يرضى إلا أن يكون السودان وطناً واحداً مستقلاً له جيش واحد وحكومة واحدة انتقالية أو منتخبة من شعبه في نهاية الفترة الانتقالية.الولاية الأممية على السودان
د. حسن محمد صالح
طارت الأسافير ووسائل التواصل الاجتماعي بالطلب الذي تقدم به الدكتور عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان بتاريخ 27 يناير من العام الجاري لمجلس الأمن الدولي ويطلب فيه من البعثة الدائمة لمجلس الأمن والأمم المتحدة بنيويورك دعم السلام بموجب الفصل السادس في أقرب وقت ممكن في شكل بعثة سياسية خاصة تضم عنصراً قوياً لبناء السلام على أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان. ومن أهم الملاحظات على خطاب رئيس الوزراء للأمم المتحدة أنه قد اتسم بالسرية فقد أرسل رئيس الوزراء الخطاب دون مشورة الحكومة الانتقالية بشقيها السياسي والعسكري. وجاء الخطاب في ظل تطمينات من رئيس الوزراء وحكومته ووفود التفاوض مع حركات الكفاح المسلح كما أطلق عليها الدكتور حمدوك نفسه بجوبا بأنهم على مقربة من الوصول إلى السلام وفق المسارات الكثيرة وهي شرق السودان ودارفور والمنطقتين بالإضافة للخرطوم والقضارف ووسط السودان في وقت كان هناك وساطة قطرية تعرف باتفاقية الدوحة ووساطة إفريقية أو ما يعرف بمنبر أديس أبابا يقودها الاتحاد الإفريقي وقد أربكت المسارات الكثيرة للسلام المشهد للعام للسلام الذي صار تقليعات كما يقول السودانيون من خمر هوى السلام وجوبا آخرها إعلان عضو المجلس السيادي محمد الحسن التعايشي بأنهم اتفقوا مع الحركات المسلحة على تسليم المتمهين للمحكمة الجنائية الدولية وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير. أما السلام فقد صار رهيناً لهذه الخطوة المختلف عليها بين السودانيين وبين أركان السلطة الانتقالية حيث عبر أعضاء المجلس العسكري في أول مؤتمر صحافي عقب الإطاحة بالنظام السابق أنهم لن يسلموا الرئيس البشير للمحكمة الجنائية الدولية، بل أنهم لن يسلموا أي مواطن سوداني مع الموافقة على محاكمة الرئيس السابق أمام القضاء السوداني ولم يعد الأمر مستحيلاً بعد الإدانة التي وجدها البشير بتهمة حيازة النقد الأجنبي المعروفة، مما يدل على أن القضاء السوداني راغب وقادر على محاكمة أي متهم ولا كبير على العدالة وتطبيق القانون . والملاحظة الأخطر في هذه الدعوة من جانب رئيس الوزراء أنها هي المرة الأولى في تاريخ السودان أن يتوجه مسؤول بقامة رئيس الوزراء أو أقل منه إلى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن بأن تكون له ولاية على السودان وهو دولة مستقلة كاملة السيادة وكما قال الزعيم إسماعيل الأزهري(أبو الاستقلال): (إن السودان حقق استقلالاً تاماً لا فيه شق ولا فيه طق نظيف مثل صحن الصيني) ولم يقل الأزهري ذلك القول الذي صار من أيقونات وعلامات الاستقلال البارزة إلا بعد أن تأكد تماماً من خروج القوات الأجنبية من الأراضي السودانية حتى آخر جندي في عام الجلاء الذي أطلقه على ابنته المناضلة جلاء إسماعيل الأزهري ثم نزع الأزهري اعتراف دولتي الحكم الثنائي باستقلال السودان وأنزل العلم البريطاني من السارية وسلمه للحاكم العام ورفع مكانه العلم السوداني وأعلنت الأمم المتحدة ومجلس الأمن السودان دولة مستقلة كاملة السيادة. فهل ينزع مجلس الأمن اعترافه باستقلال السودان في العام 1956م ويعيده من جديد تحت الفصل السادس وهو فصل لم يتم تطبيقه في النزاع بين السودان ودولة جنوب السودان حول أبيي ولم يتم تطبيقه في حالة احتلال مصر لمثلث حلايب وقد تقدم السودان بشكوى ضد مصر لاحتلالها حلايب يتم تجديدها كل سنة حتى لا تسقط ويضيع حق السودان في أرضه التي تحتلها مصر بقوة السلاح فهل تم تجديد شكوى السودان ضد مصر حول حلايب وقد تقدمت بهذا السؤال عدة مرات ولم أتلق الإجابة من وزارة الخارجية السودانية وهذا هو الدور الذي يمكن للأمم المتحدة أن تلعبه وهو تسوية النزاعات بين السودان والدول الأخرى وهو دور محدود وبناءً على ميثاق الأمم المتحدة نفسها فكيف تتحكم الأمم المتحدة في السودان باسم السلام وهناك مفاوضات بين الأمم المتحدة والسودان بخروج قوات اليونميد من دارفور قبل سقوط النظام السابق وذلك لإنتفاء وجود اليوناميد في دارفور بعد حالة الاستقرار والسلام التي تشهدها دارفور بشهادة المجتمع الدولي ولم يبق إلا الصوت العالي لحركات التمرد التي تجوب العواصم الأجنبية وتعلن عن وجودها الإعلامي وتستمد شرعيتها من حكومة الفترة الانتقالية التي أعلن رئيس وزرائها أنه ذاهب للسلام من غير سقف ونسي أن المتمردين ليس لهم سقف ولا قناعة بالسلام مهما فرش لهم من ورود بإضعاف الجيش السوداني وقوات الأمن والشرطة. وبين يدي كل هذه الحقائق التاريخية والموضوعية والسياسية فإن خطوة رئيس الوزراء تجاه الأمم المتحدة الغرض منها مخاطبة المكون العسكري من الحكومة الانتقالية والاستقواء عليه بالأمم المتحدة لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية بتسليم الرئيس المعزول إلى المحكمة الجنائية الدولية وإعادة هيكلة الجيش السوداني بإدخال قوات الحركات التي تحمل السلاح خاصة وأن هذه الحركات جميعها ليست بعيدة عن هذا التفكير الذي يجعل السودان موعوداً بعهد جديد وواقع جديد لا يقل عن ما يجري في العراق واليمن وليبيا إن لم يتم تدارك الأمر وتصحيح المسار كي لا نبلغ درجة ليبيا التي تعترف الأمم المتحدة فيها بحكومة السراج وتتماهى مع حفتر لتأخذ الدول والحكومات التي تتربص باستقرار ليبيا بالشمال ما أعطته المنظمة الدولية باليمين وهذه مسؤولية القوى السياسية السودانية والمجتمع السوداني ألا يرضى إلا أن يكون السودان وطناً واحداً مستقلاً له جيش واحد وحكومة واحدة انتقالية أو منتخبة من شعبه في نهاية الفترة الانتقالية.

The post الولاية الأممية على السودان appeared first on الانتباهة أون لاين.

Exit mobile version