حكى لي أحد القراء أنه ذات مرة ضغط عن طريق الخطأ على أحد الأزرار الخاصة بـ “الريموت” وهو يبحث عن إحدى القنوات الإخبارية على شاشة التلفاز، وبينما هو كذلك وجد نفسه قد أحدث خللاً كبيراً في البرمجة وضبط القنوات و”طفّش” الإشارة و”صاط” الدنيا كلها واستعصى عليه الرجوع إلى الوضع السابق، وبينما هو حائر مرتبك لا يستطيع أن يفعل شيئاً دخل عليه حفيده الصغير وأمسك منه “الريموت”، وبدأ يحاول بهدوء معالجة المشكلة التي تسبب فيها “جده” ، وبينما الحفيد مستغرق في البحث لمعالجة المشكلة كان الجد يتأفف ويزجر الحفيد: (يا ولد ما تستعجل تصلحو ياخ، يا ولد مالك تأخرت، إنت ذاتك بليد ما بتعرف أي حاجة ياخ) حينها ابتسم الحفيد وقال لجده : (والله يا جدي إنت زي ناس “الإنقاذ” هم خربوا البلد وبقوا يهاجموا في ناس حمدوك ويقولو ليهم ما حليتوا المشكلة حتى الآن مالكم وناسين إنهم هم سبب المشكلة)…
في رأيي أن هذا الحفيد “الشِّفِتْ” لخّص “قوة عين” “الكيزان” تماماً، وكفانا عناء الاسترسال في وصف حالتهم بعد زوال ملكهم وأمجادهم فهم الآن وبدون خجل لا يكُفّون عن انتقاد الضائقة المعيشية والغلاء وتحريض الشارع ومهاجمة حكومة حمدوك وتأخرها في حل مشاكل الخبز والوقود وتصاعد أسعار الدولار وانفلات السوق، ويرفعون عقيرتهم بالنقد والضجر من سوء الأحوال وكأنما هذه الأزمات ولدت بعد الحادي عشر من أبريل، أو كأنهم كانوا يُنزلون علينا المنَّ والسلوى.
فقد كان كبيرهم “أسد أفريقيا” يُدغدغ مشاعر الناس ويستدر عواطفهم الدينية ويُخدرهم بكلمات حفظها الناس من فُرطِ ما رددها على مسامعهم في كل خطاب جماهيري، وأمام كل حشد مصنوع كلما ضاق الحال بالناس وهو يقول: ( إن طريقنا هذا هو طريق الأنبياء والابتلاءات والصبر والاحتساب على المكاره، والعالم كلو حاصرنا عشان نحنا ماسكين في الله وشريعة النبي)، أوَ قد نسيتم كل هذا ، ونسيتم حتى شعاركم (الإسلام قبل القُوت)، فهل أصبح الآن القوت قبل الإسلام وللا كيف؟!!!…
عموماً من حق أي “سادن” “مترف” أو يعيش الضيق حقاً أن يجأر بصوته وينتقد ويستعجل الحلول ولا قُدسية لحاكم ، ولكن عليه أن يتذكّر أولاً أن هذه الضائقات والنائبات كلها أوقعنا فيها نظامهم الذي أمسك بـ”الريموت” و”صاط” الدنيا كلها و”طفّش” الإشارة، و”بوّظ” البرمجة وهو المسؤول عن كل ذلك ، وليس من جاء للإصلاح و”الضبط”، وإذا كان الناس قد صبروا على “الصواطة” ثلاثين عاماً فمن باب أولى أن يصبروا على الإصلاح بضعة أشهر، وكم ردّدنا أن الوقت ما زال مبكراً للحكم على حكومة حمدوك بالفشل أو النجاح وما زال هناك متسع من الوقت أمامها، ولكن يجب أن تتذكّر دائماً أن للصبر حدود ولا يغريها نُبل الصبر على الإصلاح..
وجدتُ نفسي بحاجة إلى تناول هذا الموضوع فقط لنُذكر أنصار النظام المخلوع الذين أسرفوا في نقد الأوضاع الحالية ورفعوا وتيرة الضجر، ويستعجلون الحلول وكأنهم أبرياء مما حدث ويحدث كما فعل صاحبهم بـ”الشاشة” وهو يُمسك بـ “الريموت” دون خبرة… اللهم هذا قسمي فيما املك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.
The post “الإسلام قبل القوت” appeared first on الانتباهة أون لاين.