تقرير: سناء الباقر
تكليف أمناء حكومات الولايات بمهام الولاة، أهي خطوة تكتيكية لاحتواء غضب لجان المقاومة أم استباق لمفاوضات السلام؟ «.. سؤال كبير يطرحه أكثر من مراقب سياسي، من خلال هذا التقرير نحاول تلمس الإجابة عن السؤال عاليه.. ففي سبتمبر من العام الماضي اندلعت بعض الأحداث بولاية جنوب دارفور كان ظاهرها الخبز والوقود، ولكن اتجهت المطالبات منحى آخر بإقالة الولاة العسكريين وسارت الهتافات في هذا الجانب مما حدا ببعض المراقبين للميل إلى أن الغرض الأساسي كان من هذه المظاهرات الضغط على الحكومة بإقالة والي جنوب دارفور وكل الولاة العسكريين الذين تم تعيينهم مؤخراً، ويبدو أن هذه الهتافات قد استفزت أغلب الولاة العسكريين مما جعلهم يبادرون ويطلبون من رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، إعفاءهم وتعيين ولاة مدنيين وأن يعودوا هم لثُكناتهم العسكرية كما أن الولاة رأوا أن فترة تكليفهم للولايات قد طال أمدها، وأشاروا في مطلبهم إلى أن الفراغ الدستوري الذي تعيشه الولايات ليس في صالحها ولا صالح الدولة، وعقدوا اجتماعاً بهذا الخصوص بديوان الحكم الاتحادي، أكدوا خلاله أنه حان الوقت لاختيار ولاة مدنيين بعد أن تم تشكيل الحكومة الانتقالية.
وشددوا خلال اجتماعهم على أن تكليفهم القى بظلال سالبة على قواعدهم العسكرية , وكان اعتماد هؤلاء الولاة في البدء من قبل المجلس العسكري الانتقالي واحلالهم محل ولاة عسكريين كانوا قد سبقوهم بقرار رئاسي من قبل الرئيس المخلوع ابان اعلان حالة الطوارئ في فبراير من العام 2018.
لم يكن هذا المطلب مطلب الولاة فقط في ذلك الوقت حتى قوى الحرية والتغيير اجتهدت لاستبدالهم بولاة مدنيين، الا ان المفاوضات التي تجري حالياً بجوبا وقفت حجر عثرة امام هذا المطلب لاصرار الجبهة الثورية على ألا يتم تعيين ولاة او تشكيل مجلس تشريعي قبل الاتفاق على السلام. ويبدو ان استبدال الولاة بالمديرين العامين في هذا الوقت يعتبر حلاً وسطاً ما بين مطالب الثورية وبين المطالب في الاتجاه الاخر باقالة الولاة العسكريين .
لحقت هذه المطالبات من قبل الولاة اجتماعات للمجلس السيادي لسحب هؤلاء الولاة من جميع الولايات بما فيها الولايات التي تشهد اضطرابات امنية كولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق وتبديلهم بمدنيين .
وتجددت المظاهرات بالامس بولاية النيل الابيض بمدينة كوستي وربك وبمدينة عطبرة احتجاجاً على عدم الاستجابة لمطالب لجان المقاومة باقالة والي الولاية وسيطرت جموع المحتجين من لجان المقاومة والطلاب على مدخل جسر يربط مدينة ربك بكوستي واغلاقه لساعات للضغط فيما يبدو للاستجابة لمطالبهم باقالة الوالي العسكري .
في الاثناء وجهت القيادة العسكرية جميع الولاة العسكريين المكلفين بتسليم مقاليد الحكم الى امناءالحكومات، فيما يبدو انه قرار في اتجاه اعفاء الولاة العسكريين وابقائهم كقادة للحاميات العسكرية بالولايات المعنية كل في ولايته، وكشف قيادي بالحرية والتغيير لـ(الانتباهة) بالامس ان تحالفهم فرغ من تسمية الولاة باستثناء ثلاث ولايات وسيتم اعلانهم لاحقاً . وكان القيادي بالحرية والتغيير وجدي صالح قد قال سابقاً للصحيفة ان الوضع الطبيعي هو تعيين ولاة مدنيين ويرى انهم الافضل ليشعر الشعب بالتغيير الحقيقي وحتى تكتمل الملامح العامة للثورة بغرض تحقيق اهدافها، واضاف ان تعيين الولاة العسكريين تم وفقاً لما كان من انهم هم قادة الوحدات العسكرية في ولاياتهم حين التغيير ولم يكن لدى المجلس العسكري خيار اخر .
وأكد الفريق محمد بشير سليمان انه على الولاة العسكريين العودة الى ثكناتهم لان البيئة السياسية الحالية غير مهيأة ولا مستوعبة للمطلوبات التي يحتاجها العسكريون، معتبراً عجز المركز عن حلحلة القضايا الاساسية كتوفير الوقود والمحروقات والخبز سينعكس سلباً على ادائهم .
فهل سيؤدي تغيير الولاة والاستعاضة عنهم بالامناء العامين، الى تحسن اوضاع الولايات وايقاف نزف الشارع بحلحلة القضايا المعيشية والاساسية؟ ام هي ابر تخدير الى حين الاتفاق في مفاوضات السلام ؟ والى اي مدى يمكن ان تؤدي هذه التغييرات الى تعقيدات او تسهيلات في مفاوضات السلام الحالية ؟
المحلل الفاتح محجوب يرى ان هذا القرار ربما جاء نتيجة للمظاهرات والاحتجاجات التي عمت مدناً مثل عطبرة وكوستي وربك. كما اشار الى ان التعيينات جاءت كاجراءات استباقية لمفاوضات جوبا لفرض ولاة وتعيينهم، لان الولايات قد تكون من نصيب الحركات المسلحة، ووصف محجوب الاجراء بانه حكيم وقصد به نزع فتيل الازمة على الاقل وسط جماهير قوى التغيير وفي نفس الوقت المحافظة على كلمة الاتفاق بارجاء تعيين الولاة الى ما بعد السلام وفي ذات الوقت انتفت الحجة بانهم ولاة عسكريون وان التعامل سيكون مع اداريين فقط، وقال ان الولاة العسكريين من الاصل لا يرغبون في تقلد مناصب الولاة . ولكنه عاد وقال انه ليس حلاً لمن يطمعون في اختراق المفاوضات .
لكن في حقيقته الموضوع ليس له علاقة بانهم عساكر بل القصد استباق المظاهرات لفرض مرشحين، لكن بالنسبة لهم الاجراء كان حكيماً بان نزع الحجة من جماهيرهم وطلابهم في الشوارع, ولكن بالنسبة لهم ظلت القضية كما هي ان تعيين الولاة لن يتم الا بعد توقيع الاتفاق وبهذا ضمنوا خروجهم من الضغط الكبير، واضاف ان هذا التكليف نزل برداً وسلاماً على الولاة العساكر لان اجواء العمل غير مناسبة من ندرة في المواد الاساسية من دقيق ووقود وغيرها، وان الاولوية طبعاً دائماً للمركز، فالافضل لهم العودة الى مناطقهم بمخصصاتهم التي لا تقل عن مخصصات الوالي، بدلاً من ان يكونوا في واجهة الاحداث وليس لديهم ما يفعلونه خاصة وان الوثيقة الدستورية قد قلصت سلطات الولايات.
واضاف محجوب انه لا جديد يذكر من تكليف امناء الولايات، خاصة في ظل الازمات الموجودة وكل من يتم تكليفه في ظل هذه الظروف لن ينجح فيما لم تنجح فيه الحكومة المركزية .
The post تكليف «الأمناء» بمهام الولاة.. امتصاص غضب الشارع appeared first on الانتباهة أون لاين.