تفحصتُ جيداً ما جاء في طلب رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك إلى الأمين العام للأمم المتحدة بوضع كل البلاد السودانية تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وقرأتُ ما بين سطور طلبه محاولاً تفهُم ما جاء فيه والظروف المحيطة به والتي ربما فات علينا فهمهما، حاولتُ إيجاد مبررات لطلب رئيس الوزراء بعيداً عن الإثارة التي يشعلُ أوارها الشانئون الذين ما فتئوا يتربصون بحكومة الثورة ويضعون أمامها العراقيل ويرسلون الشائعات صباح مساء للنيل منها، أقول حاولت إيجاد مبررات ذلك الطلب فوجدتُ بعض المبررات لكثير من المطالب , بينما استعصى علي فهم ومغذى بعضها، فأيقنتُ أن أخطر ما في الخطاب ثلاثة أمور أراها بمنزلة الكارثة … تعالوا أولاً نقرأ النص أدناه:
(إن مهام البعثة الأممية يشمل دعم الوثيقة الدستورية ومفاوضات السلام والدعم التقني في وضع الدستور وتقديم المساعدات الإنسانية والمساعدات الإنمائية في دارفور، بسط سلطة الدولة مع زيادة التركيز في جنوب كردفان والنيل الأزرق وإعادة النازحين واللاجئين، العدالة الانتقائية، وحماية المدنيين وبناء قدرات الشرطة.) وجاء في البيان التوضيحي الصادر عن مكتب رئيس الوزراء أيضاً: (واشتمل طلب رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك على دعم تنفيذ الوثيقة الدستورية، وبسط سلطة الدولة، وإعادة النازحين واللاجئين، العدالة الانتقائية، وحماية المدنيين وبناء قدرات الشرطة).
بقراءة النصين أعلاه أرى أن أخطر ما اشتمل عليه طلب حمدوك ثلاثة أمور لا أستطيع تقبلها مهما كانت المبررات ومهما استهنتُ بقدراتي الذهنية، الأول: بسط سُلطة الدولة، والثاني : تنفيذ الوثيقة الدستورية، والثالث: العدالة الانتقائية.. وبغض النظر عن تباين وجهات النظر القانونية والسياسية حول تفسير مواد البند السادس والظروف المحيطة به، فإنّ الاستعانة بأية قوى أجنبية لبسط سيادة الدولة تعني انتقاص سيادتها الوطنية تماماً لأن بسط سلطة الدولة وهيبتها هي مهام سيادية بحتة وإذا قامت بها أية جهة أخرى يعني عملياً أن هذه الجهة هي الحاكم الفعلي، وبسط سلطة الدولة تعني بسط هيبتها، وهيبة الدولة لا تكون إلا بتطبيق القوانين، وإذا احتاجت أية دولة لمن ينفِّذ لها قوانينها التي أجازتها مؤسساتها الوطنية، فإن هذه الدولة ليست جديرة بأية سيادة على أرضها وبالتالي فإنها تصبح دولة فاشلة ومنهارة ومنقوصة السيادة تماماً، وهذا الوضع بهذه الكيفية لا يختلف كثيراً في ظني عن حكومة كرازاي في أفغانستان بعد أن اجتاحتها القوات الأمريكية في مطلع الألفية الثالثة، ولا عن حكومة علاوي في العراق بعد سقوط صدام حسين.. وما يقال عن طلب بسط سلطة الدولة يقال أيضاً عن طلب تنفيذ أو دعم العدالة الانتقالية، لأن ذلك يشير أيضاً إلى عدم قدرة القضاء السوداني، وسلطة القضاء أيضاً سيادية، وأما مطلب تنفيذ الوثيقة الدستورية يعني تماماً انعدام الإرادة السياسية لطرفيها، أو أن حمدوك يخشى انقلاب المكوِّن العسكري على الوثيقة وبالتالي يطلب حماية دولية لها من اختراق «الشركاء» ، وطبعاً هذا أمر غير مستبعد بعد لقاء «عنتبي»… على أية حال أرى أن المطالب الثلاثة التي سبقت الإشارة إليها لهي أخطر ما جاء في خطاب حمدوك للأمم المتحدة.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين.
The post كرازاي السودان appeared first on الانتباهة أون لاين.