] لسنا في عافية والله العظيم، ولن نكون عندما ينصرف بعض مثقفينا ونخبنا من السياسيين والكتاب الصحفيين عن قضية خرق رأس الدولة للدستور أو سمه الوثيقة الدستورية التي نصبته في موقعه الرفيع، بل ويرحبون بذلك الفعل الأخرق ويكتبون متغزلين في (شجاعته) بدلاً من أن يطالبوه بالتنحي جراء الخطيئة الكبرى التي أقدم عليها!
] لست متفائلاً بأننا جديرون بإقامة دولة محترمة تنعم بالحريات والديمقراطية والسلام والعدالة فمن يتجاهلون حتى الثوابت الكبرى ويتصرفون كالقطيع ويدمرون ثورتهم بممالاة بل وصناعة الطغاة الجدد والانحناء لهم ليمتطوا ظهورهم، يحتاجون الى تغيير كبير في انفسهم حتى يغير الله ما بهم وببلادهم الشقية بأمثالهم.
] ما حيرني ليس فقط (احتقار) البرهان للوثيقة التي نصبته حاكماً على السودان او اخفاءه ذلك الامر الجلل عن شعبه الى ان خرج به رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو الى العلن، وكذلك ليس فقط اعترافه بالواقعة بعد ان ركب الموجة التي دفع بها نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكي بومبيو الى بحر الاعلام المتلاطم الامواج ، وقوله بانه بدأ اتصالاته بنتنياهو قبل ثلاثة اشهر ، إنما حيرني كذلك وفقع مرارتي وفرى كبدي *(زوغان وكذب)* رئيس الوزراء حمدوك الذي انكر أن البرهان ابلغه قبل يومين من الواقعة بانه سيلتقي نتنياهو وجاء رد حمدوك للبرهان بالعبارة التالية :(Go ahead)!
] نعم، فقد انكر حمدوك، عندما اجتمع مع مجلس وزرائه لمناقشة الأمر، أن البرهان ابلغه باعتزامه لقاء نتنياهو واحتدم الجدل بعد ذلك حول اي الرجلين (كذب) في قوله ولكني لم اشك البتة في صحة قول البرهان لسبب بسيط جداً هو ذلك التصريح الذي اصدره حمدوك وقال من خلاله :(نرحب بالتعميم الصحفي لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان حول اجتماعه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، ونظل ملتزمين بالمضي قدماً من أجل إنجاز مستحقات المرحلة الانتقالية المهمة وتجاوز التحديات الماثلة أمامنا)!
] تأكدت رواية البرهان بعد ذلك بشهادة القيادي الشيوعي الشفيع خضر الذي اكد- رغم صداقته لحمدوك- علم حمدوك بنية البرهان مقابلة نتنياهو!
] التصرف الطبيعي المتوقع من حمدوك، لو لم يكن على علم مسبق باللقاء، أن يموت كمداً ويغضب ويتقدم باستقالته احتجاجاً ورفضاً لما اقدم عليه البرهان من تعد على اختصاصاته وتجاوز وانتهاك خطير للوثيقة الدستورية، ولكن!
] هذا هو حمدوك الذي يثبت كل يوم ما ظللت اردده منذ تسنمه منصبه انه نقطة الضعف الاكبر في الحكومة الانتقالية ولو كانت قحت التي (خوزقت) به البلاد والعباد على قدر التحدي لما ابقته شهراً واحداً، أما مجلس وزرائه من (الكفوات) فقد تجرعوا الاهانة وسكتوا (انتصاراً) للمخصصات ولعاعة الدنيا التافهة التي ينعمون بها الآن، حال الذليل الكسير، فمن يهن يسهل الهوان عليه، ما لجرح بميت ايلام.. اما نحن شعب السودان المغلوب على أمره فلا اجد في مواعين اللغة العربية ما اعبر به عن حالنا، فيا حسرتاه!
] معلوم أن البرهان كان في البداية خجلاً من اللقاء واراد أن يخفيه بدليل سكوته عنه وعدم تصويره او صدور بيان حوله حتى يبقى طي الكتمان، ولو الى حين، على غرار لقاء الرئيس نميري في مايو 1982 بوزير الدفاع الصهيوني اريل شارون، الذي اصبح فيما بعد رئيساً للوزراء ..لكن البرهان اضطر الى ركوب الموجة بعد افتضاح الأمر وتفشي الخبر حيث ابدل حالة الخجل التي بدت في بيانه الاول بحالة اخرى بتشجيع من جهات كثيرة داخلية وخارجية، قرر بعدها ان (يندعر) ويندفع فيها بكل قوته ويفرضها على الجميع محولاً لها من خطيئة كبرى يستحي من فعلها الى انجاز تاريخي عظيم مستخدماً ومورطاً في ذلك آليتين مهمتين هما الاعلام والجيش!
] لذلك لم يكن غريباً أن يقول في حملته لتسويق لقائه (المخجل)، وفق التغطية الخبرية التي قدمها الاخ الهندي عزالدين ما يلي :(البعض في السودان ما يزال يعيش في عام 1948 و1967 و 1973 بينما العالم يتقدم ويتجاوز هذه المحطات القديمة في التعامل مع القضية الفلسطينية وزاد (لو قعدنا في الكلام القديم ده ما ح نخدم قضيتنا ولا ح نمشي قدام)!
] بالله عليكم اي غرور واي استبداد واي صلف وطغيان وأي عنجهية تلك التي مارسها الرجل (ومرمط) بها الوثيقة الدستورية التي نصبته حاكماً على السودان، ومارسها على مجلس الوزراء وعلى (الحزب الحاكم) قحت بل وعلى السودان وقواه السياسية والمجتمعية وعلى شعبه الذي عومل كالقطعان الضالة، بذات الاسلوب الذي مارسه فرعون مصر وطاغيتها وهو يقول لشعبه المضطهد :(مَا أُرِیكُم إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهدِیكُم إِلَّا سَبِیلَ ٱلرَّشَادِ)؟!
] إذن فإن البرهان تحول فجاة بفعل (صناع الطواغيت) من الاعلاميين وغيرهم الى كائن آخر ،فقد امتشق حسامه ليحاكم كل تاريخ السودان قديمه وحديثه بما في ذلك *(قمة اللاءات الثلاث)* التي جمعت كل الملوك والرؤساء العرب في الخرطوم بعد هزيمة حزيران 1967 والتي قادها عملاق الاستقلال محمد احمد محجوب الذي جاء منتخباً وليس على ظهر دبابة وصالح بها الملك فيصل وعبدالناصر!
] بالله عليكم من الذي منح البرهان، الحاكم الانتقالي الاضطراري، ذلك الحق (الالهي) ليقرر (لوحده) بالنيابة عن السودان وشعبه، مما لم يمنح لرسول الله صلى الله عليه وسلم الموحى اليه من ربه والذي كان يقول لاصحابه : (اشيروا علي ايها الناس) والذي نزل عليه قرآن ربنا يأمره بقوله : (وشاورهم في الأمر)؟!
] خبرونا بالله عليكم كيف نثق في البرهان مرة أخرى الا يكرر ما فعله بنا وبالدستور الذي نصبه اضطراراً لمهمة انتقالية محدودة سيما بعد ان بات يفاخر أن ما اقدم عليه هو الحق المطلق، بالرغم من علمه انه استبداد وطغيان وخرق للوثيقة الدستورية؟! ما الذي بل ومن الذي حوله من تلك الحالة الاعتذارية الخجلة الى حالة التباهي والتفاخر والانتفاش التي جهل بها كل سابقيه ومعاصريه!!!
] ثم كانت الطامة الكبرى التي تذكرني بالحالة (السيساوية) فقد حزنت والله العظيم ان يرضخ الجيش السوداني العريق بتضحياته وبطولاته النادرة لقائده العام ويبيع شرفه وتاريخه في نصرة القضية الفلسطينية بثمن بخس بل ويخالف الدستور امتثالاً للبرهان وحزنت بذات القدر ان يخرج الجيش رغم انف الدستور ويخوض في السياسة متناسياً أنه جيش الشعب بكل مكوناته وليس جيش قائده العام الذي سخره لخدمة اجندته ومواقفه وطموحاته السياسية الخرقاء!
] لم اتعرض في هذا المقال للموقف من القضية الفلسطينية فذلك ما ساتعرض له في مقال آخر باذن الله.
The post السودان: الطيب مصطفى يكتب: البرهان وصناعة الطواغيت appeared first on الانتباهة أون لاين.