بقلم: د. محمد خليفة صديق
ظل موضوع الحج والعمرة يشكل هاجساً للمواطن والمسؤول في السودان، حيث يسود جدل عظيم كلما طُرح موضوع الحج والعمرة، ويتبارى الجميع في تحميل المسؤوليات وتوزيع التبعات والاخفاقات للجهات المختلفة، وما حدث ذلك إلا لأن هذا الأمر ظل يُدار بقرارات مؤقتة، ويتم تنازع صلاحياته بين المركز والولايات، ويتملص كل طرف من مسؤولياته، ولا يدرى المواطن المسكين والحاج السوداني أين الصواب وأين الحقيقة؟
وضمن شواغل الحكومة الانتقالية ذات الصلة بما ذكرنا، أجاز مجلس الوزراء في اجتماعه الدوري الأخير برئاسة د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء عدداً من مشروعات القوانين مع إجراء بعض التعديلات عليها، حيث سيقوم وزير العدل بإجراء هذه التعديلات وعرضها على الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء لاجازتها في صورتها النهائية، منها مشروع قانون انشاء المجلس الأعلى للحج والعمرة الذي قدمه الأستاذ نصر الدين مفرح وزير الشؤون الدينية والأوقاف، وهذه الإجازة لقانون انشاء المجلس الأعلى للحج والعمرة تدشن مرحلة جديدة لأمر الحج والعمرة بالبلاد، حيث ظلت فريضة الحج وتوابعها تُدار بواسطة الإدارة العامة للحج والعمرة التابعة لوزارة الاوقاف بعد حل الهيئة العامة للحج والعمرة فى عام 2012م، وظلت الإدارة العامة بعد حل الهيئة تقوم بأمر الحج، دون أن تُمنح الشخصية الاعتبارية التي كانت تتعامل بها في زمن الهيئة العامة، وهو ما نرجو أن يكون سهلاً ميسوراً بعد قيام المجلس الأعلى للحج والعمرة.
ومعلوم أن أمر خدمات الحج ودور الدولة فيه ظل محل نقاش وجدل، سعياً للتجويد وتقديم أفضل الخدمات للحاج السوداني، مما يقتضي ضرورة الوصول لحل نهائي يستلهم تجارب الدول المماثلة ويستقرئ الآراء لتقديم رؤية مناسبة تسهم فى تقديم الحلول وتجويد الأداء والتعظيم لهذه الشعيرة والركن المهم من أركان الإسلام، وهو ما نظن أن قيام المجلس الأعلى للحج والعمرة سيساهم فيه؛ فقيام الدولة بالشأن الذى يلى المؤسسات السيادية الدولية أمر لا بد منه، ولكن يمكن أن يكون للقطاع الخاص دور مهم فى تقديم خدمات متميزة فى النقل والإقامة وخدمات الإطعام، وهو ما يحدث فعلاً، حيث يقوم عدد من وكالات السفر والسياحة بتقديم خدمات الحج بواسطة القطاع الخاص، مما يسهم في تقليل أعمال الدولة المباشرة فى هذا الشأن، رغم أن تجربة حج الوكالات مازالت تحتاج لتقويم وتقييم دقيق، ودراسات مستفيضة حتى نحكم بنجاحها من عدمه.
ونرجو أن يكون قيام المجلس الأعلى للحج والعمرة نهاية للتردد والضبابية التي كانت تسود في أروقة دولاب صنع القرار في الدولة، حيث كان الاتجاه السائد عند النظام السابق هو خصخصة خدمات الحج، وكان هذا الاتجاه مرتجلاً وقائماً على عواطف مجردة لا معلومات؛ فالجميع يعلم أن خدمات العمرة بكاملها قد تمت خصخصتها وآلت للقطاع الخاص، وللدولة فقط الدور الإشرافي الرقابي، والوكالات تتعامل مباشرة مع الشركات السعودية، ولكن يبقى هذا الدور الاشرافي الرقابي غائباً، رغم أن الادارة العامة للحج والعمرة كانت تشرف على توثيق العقود، وتأخذ خطاب الضمان لمتابعة أي خلل يحدث من الوكالات. وخلاصة القول في هذا الصدد أن التجربة العملية لوكالات السفر والسياحة في الحج والعمرة أثبتت أن عليها ملاحظات كبيرة، لذا فإن أية خصخصة كاملة لأعمال الحج بدون دراسة علمية متأنية ستؤدي لكارثة محققة.
وعموماً ورغم أننا لم نطلع على تفاصيل مشروع قانون المجلس الأعلى للحج والعمرة، لكننا نرجو أن يقدم إجابات شافية حول إحكام التنسيق بين الأجهزة المختصة بشؤون الحج والعمرة بالمركز والولايات في إطار الوثيقة الدستورية والقوانين ذات الصلة، لأهمية ذلك في تكامل الأدوار وتطوير خدمات الحج، وتحديد اختصاصات المجلس الأعلى في التخطيط العام لأعمال الحج بما يضمن انسياب أعمال الحج وييسر على الحجاج والمعتمرين حجهم واعتمارهم، بجانب العلاقات الخارجية المتعلقة بالحج والعمرة، ووضع المعايير الخاصة بالجهات العاملة في تنفيذ شعيرتي الحج والعمرة، وتنظيم العلاقة مع وزارة الداخلية وبنك السودان المركزي ووزارة الخارجية وسلطة الطيران المدني وهيئة الموانئ البحرية وغيرها، والاختصاص بتوزيع حصة السودان من الحجيج على الولايات، ووضع خطة الإرشاد والإعلام للحجاج ومنهجيتها، والرقابة على الجهات العاملة في الحج والعمرة، والتنسيق مع الجهات المعنية في الولايات والوزارات والقطاعات في ما يلي منح التراخيص لوكالات السفر والسياحة، والإشراف والرقابة والخطة العامة للإسكان والنقل وغيرها.
كما نرجو أن يفلح مشروع القانون الجديد في حل المشكلات العالقة بملف الحج والعمرة، والآن موسم حج 1441ه على وشك البدء، بعد أن عاد وفد السودان المفاوض من المملكة وترأسه وزير الشؤون الدينية والأوقاف أمير حجاح السودان، وجرت أعمال التفاوض مع سلطات وزارة الحج السعودية كما هو مخطط لها، وتم تحديد حصة السودان، ويفترض أن تبدأ الإجراءات الداخلية لبدء الموسم الحالي من توزيع للحصة، وبعد عقد الورش التقويمية لحج العام الماضي في المركز والولايات والتي حددت ايجابيات وسلبيات الموسم الماضي لوضع حلول لها وتحديد للتكلفة وتحديد بدء التقديم، وغيرها من الاجراءات المعتادة، ولذا نتطلع الى أن يفلح مشروع القانون الجديد في حسم الكثير من الأمور التي كانت معلقة، فقد كانت وزارة الأوقاف تطالب بقوة قبل مدة بضرورة تعزيز ولاية الوزارة على الشأن الديني (الفتوى والخطاب الدعوي) وهو ما تم فعلاً بتبعية مجمع الفقه الإسلامي لوزارة الشؤون الدينية.
وبقيام المجلس الأعلى للحج والعمرة سيصبح شأن الحج مركزياً، حيث كان البعض يرى أن توزيع صلاحيات وزارة الشؤون الدينية على الولايات يعمل على ضرب الأمن الفكري للبلاد ويسهم في ظهور نزعات الغلو والتطرف وأنشطة التنصير وغيرها، حيث أن الكثير من الولايات بها مناطق ضعف دعوي مستهدفة من الفرق الضالة وأنشطة التطرف والغلو، وتعجز تلك الولايات عن محاربة ومواجهة تلك التحديات. وبالتالي ستقوم وزارة الشؤون الدينية ممثلة في المجلس الأعلى للحج والعمرة بالإشراف والإرشاد والتفاوض مع السلطات السعودية والتنسيق مع الجهات ذات الصلة مثل الجوازات والصحة والتقديم الالكتروني والاشراف والتنظيم الاداري للبعثة، وكل ما يتعلق بشؤون الحج والعمرة.
ونتطلع للمجلس الأعلى للحج والعمرة بعد إجازة قانونه أن يولي البحث العلمي والتطوير في خدمات الحج والعمرة اهتماماً خاصاً، عبر مركز أبحاث الحج والعمرة، وهو مركز للبحوث يعنى بتطوير أعمال الحج، له مجلس استشاري وهيكل يجب أن يغذى بالباحثين من كل التخصصات ذات الصلة بشأن الحج والعمرة، ونتطلع أن نرى للمجلس عملاً كبيراً خلال الفترة القادمة في مجال الاسترشاد بالبحث العلمي والدراسات المعمقة لايجاد حلول لكل المشكلات العالقة في ملف الحج والعمرة، وطباعة الكتب والرسائل في مجال الحج والعمرة، والتنسيق مع الجامعات والجهات البحثية، والتعاون وتبادل الخبرات مع المراكز البحثية الداخلية والخارجية في مجال الحج والعمرة وغيرها من الأنشطة المهمة والاستراتيجية.
ونرجو أن يبدأ مركز أبحاث الحج والعمرة بإجراء بحوث ذات أهمية، مثل إجراء دراسة علمية حول تغير تكلفة الحج وفقاً لفترة وجود الحاج بالاراضي المقدسة، ودراسة مشروع صندوق مدخرات الحاج الذي سيسهم في زيادة هامش الاستطاعة، وتمكين كثير من السودانيين من أداء فريضة الحج.
The post هوامش على القانون الجديد للمجلس الأعلى للحج والعمرة appeared first on الانتباهة أون لاين.