بقلم: صديق البادي
اللقاء الذي تم في يوغندا بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ونتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، كان مفاجئاً للجميع ووجد اهتماماً إعلامياً محلياً ودولياً عبر كافة الوسائط المرئية والمسموعة والمقروءة، مع انتشار واسع في الميديا ووسائل الاتصالات الحديثة. وقبل أن تعلن تفاصيل ما دار في اللقاء ودون الإلمام بأية معلومات وحقائق حدثت ردود فعل في الداخل والخارج تحركها العواطف المتأججة الجامحة، وما يختزنه العقل الجمعي الباطني من جفاء فطري وحواجز نفسية ضد إسرائيل وجواز السفر السوداني كان يكتب عليه يسمح لحامله بالتأشير له للسفر لكل بلدان العالم ما عدا إسرائيل رغم أن السودان ليس من دول المواجهة لبعده الجغرافي من إسرائيل وهو ليس من جيرانها وليس هناك منافع متبادلة بينهما أو مصالح متقاطعة، ولكن موقف السودان من القضية الفلسطينية هو الذي أوجد هذا الموقف المتشدد والاهتمام بالقضية الفلسطينية قديم وقد حمل بعض السودانيين السلاح في عام 1948م وذهبوا لفلسطين ليقاوموا الإسرائيليين ويعترضوا على قيام دولتهم ومنهم الشيخ شوقي الأسد والسيد سرور الساداتي وفي شهر أبريل عام 1969م انضم الاستاذ محمد صالح عمر لمعسكرات كتائب المجاهدين الفلسطينيين وهذه نماذج على سبيل المثال. وفتح السودان أبوابه مشرعة لدخول الفلسطينيين واحتضن من يلجأ إليه ومعاملته معاملة متميزة وكان يحتفي باستقبال ياسر عرفات أبوعمار عندما يحل بالخرطوم ويتعامل معه منذ ستينيات القرن الماضي كأنه رئيس دولة وظل السودان يدافع عن القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية والإقليمية. وإن كثيراً من الدول العربية مدت جسور الوصل مع دولة إسرائيل وحدث تبادل دبلوماسي مع بعضهم وظل السودان عدواً لدوداً لإسرائيل. ومن الطرائف المبكية غير المضحكة، أن رئيس السلطة الفلسطينية ألقى قبل حوالي ثلاثة أعوام خطاباً اختتمه بشكر بعض الدول غير العربية لمساندتها للفلسطينيين، وذكر من تلك الدول باكستان والسودان وفي هذا نكران للجميل وذلة لسان مرت مرور الكرام ولم يعرها السودانيون اهتماماً، لأن قضيتهم مع شعب شقيق له قضية وليس مع فرد.
وبعد إعلان لقاء البرهان ونتنياهو، فإن من حق أي مواطن أن يعبر بالأصالة عن نفسه عما يراه صحيحاً، ولكن الملاحظ أن عدداً من الأفراد أطلقوا لألسنتهم العنان وأدلوا بتصريحات نارية فورية باسم أحزابهم وكياناتهم السياسية دون أن يرجعوا لزملائهم ويستشيروا الآخرين ويأخذوا ويردوا معهم. والاتفاق على رؤية تجيزها أجهزة أحزابهم المختصة لئلا تعلو الذاتية والأنا المضخمة على المؤسسية.
وقد انعقد اللقاء قبل أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات في إسرائيل وبادر مكتب رئيس الوزراء لإعلانها، وكذلك فعل نتنياهو وأحدث هذا الإعلان دوياً إعلامياً صاخباً يرجو منه نتنياهو كسباً سياسياً وانتخابياً. وبحسابات الربح والخسارة، فإن نتنياهو حتى الآن هو الكاسب. ويبقى التساؤل عما سيكسبه السودان بعد هذا اللقاء وهو الآن في وضع اقتصادي مأزوم ويعاني من اختناقات وأزمات يأخذ بعضها بخناق بعض، ولا زالت العلاقات السودانية الإسرائيلية حتى الآن تقف في النقطة صفر وهو رقم محايد ليس فيه زائد أو ناقص، وهو قابل لكليهما. والحديث عن تقارب واعتراف وتبادل دبلوماسي ليس في الحسبان الآن، وبين ذلك مفازات وعرة ومساحات شاسعة وبيد دونها بيد. ولكن من ناحية واقعية وعملية ودون تعنت وتصلب، يمكن أن تتم مواءمة بين تحقيق مصالح السودان وبين الالتزام الأخلاقي تجاه القضية الفلسطينية. ويمكن الوصول لاتفاق يقضي بالسماح للطيران الإسرائيلي بالمرور بالأجواء السودانية ويندرج هذا في المصالح الاقتصادية (التي لا تمس العقيدة والدين) لقاء أن يأخذ السودان حقه عاجلاً غير آجل وهذا اختبار أولي فإما أن تجتازه الحكومة الإسرائيلية بنجاح وإما أن يقبر غير مأسوف عليه. وقد درج الخواجات على الخداع والكذب وعدم الالتزام بعهودهم ووعودهم والأمثلة على ذلك لا تُحصى. والتعامل ينبغي أن يكون بطريقة (أمسك لي وأقطع ليك).
وشهد العهد السابق تسامحاً دينياً لا مثيل له ولم تحدث حادثة فردية واحدة فيها اعتداء على مواطن شمالي أو جنوبي بسبب الدين إذا لم يكن مسلماً وشهدت الكنائس ازدهاراً في العمارة والبناء. وعندما زار بابا الفاتيكان السودان استقبل في العاصمة استقبالاً خرافياً واستقبله المسيحيون الجنوبيون وهم في أزهى حللهم وابتهجوا وفجروا شلالات من الفرح وكانوا في يوم عيد سعيد. وأقيمت في مجلس الصداقة العالمية الشعبية صلوات اشترك فيها مسلمون وقساوسة مسيحيون وحاخامات من اليهود ومع ذلك ظل الخواجات يرددون أن في السودان اضطهاد ديني وأكثروا من الحديث عن ضرورة فصل الدين عن الدولة وهذا بالنسبة لهم مجرد غطاء وحديث من(الطوق ولي فوق)، وهو أمر يتخذونه مجرد ذريعة وهدفهم واهتمامهم وتركيزهم على موارد السودان وكنوزه وثرواته وهم يدركون أنه مؤهل ليكون من أهم سلال العالم ومارداً اقتصادياً، فهم يلهونه بالحروب والصراعات. والمؤسف أن النظام الانتقالي الحالي جعل جُل أو كل همه هو إرضاء الخواجات بالسعي لفرض العلمانية وما إليها والخواجات لا تهمهم العلمانية أو غير العلمانية وهمهم هو الموارد والسعي لتقسيم السودان ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً. والسودان الآن في وضع اقتصادي ومعيشي لا يُحسد عليه ولم يقدم الخواجات للحكومة أية مساعدات لقاء هذا التهافت. والوحدة الوطنية وترك الروح الانتقامية والعمل والإنتاج واستغلال الموارد هو الحل وما حك جلدك مثل ظفرك.
The post لقاء البرهان ونتنياهو appeared first on الانتباهة أون لاين.