
الخرطوم: إيمان كمال الدين
عقب أحداث تمرد أفراد هيئة العلمليات في الـ14 من يناير الماضي وتمكن السلطات من السيطرة على مقار الهيئة بالخرطوم والولايات، ومع اتساع وتعدد خيوط الرواية، سعت “باج نيوز” للقاء أحد المشاركين في ذلك اليوم، لم يساعد وضعه الصحي وقتها على الحديث.
أمس اقتحمت “باج نيوز” إحدى مستشفيات العاصمة واخترقت الطوق الأمني وصولًا إلى المشارك في تلك الأحداث “م،ن”، الذي أصيب بطلقٍ ناري وجروح متفرقة في أنحاء جسده، مع صعوبة بالغة في الحديث، دقائق قليلة قضتها “باج” بمعيته لجهة المناوبة المستمرة من قبل الممرضين، الحراسة، وحقن المصاب بالحقن المهدئة.
البداية
الأحداث بدأت بالتزامن في ثلاثة مواقع بالعاصمة الخرطوم ومدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، احتجاجًا على المستحقات المالية عقب قرار حل الهيئة وتسريح عناصرها، كما قال منسوبها، فيما اعتبرتهُ السلطات الرسمية تمردًا واضحًا على السلطة وبتنسيق من جهاتٍ أُخرى، إذ لم يكن الاحتجاج عبر ضرب النار بالأمر المبرر.
وعلى الرغم من الوضع الصحي لـ(م،ن) الذي حال دون طرح العديد من الأسئلة، إلا أن “باج استنطقتهُ حول أحداث ذلك اليوم في محاولة للوقوف على بعض التفاصيل.
الأحداث
يقول “م،ن”، عن بداية الأحداث التي بدأت بعطبرة، حينما نما لعلهم ضعف المستحقات: عندما وجدنا أن مستحقاتنا قليلة ولم يتم حساب “حق المتحركات”، التي يكون حسابها الـ6 شهور بـ(عام) ، عندما وجدنا ذلك، “الناس زعلت” وبدأت تحتج وبدأنا في ضرب الذخيرة في الهواء لم نقصد إيذاء أحد، وهذه هي طريقة احتجاجنا واحتجاج “الجيش، والشرطة”، نحن لا نخرج في مظاهرات ولا نحمل لافتات، من مكاننا “نضرب ذخيرة” رسالتنا نوصلها بهذه الطريقة.
الهيئة بسوبا
يقول (م-ن) أنهُ كان من ضمن الأفراد بسوبا وقاموا بإغلاق الأبواب عليهم، وإغلاق الشارع دراءًا لأيّ مخاطر ومنعًا من دخول أيّ أحد، مشيرًا إلى أنهُ كان متواجدًا بالفرع بسوبا وأن عدد من حملوا السلاح كان 23، موضحًا أن عدد من أفراد الهيئة كانوا رافضين للخطوة قائلين أن هناك ضباط مسؤولين عنهم يمكن أن يتم تقديم الاحتجاج لهم.
وحول دوافع “م-ن” يقول: نحن أصابنا اليأس، تم الاستغناء عنا، مستحقات قليلة، مستقبلي، زوجتي؟ عندما نظرت لمستقبلي الذي تدمر، المستحقات التي تبلغ 36 مليون، وأنا قضيت 6 سنوات من عمري لم أكن أرى أُسرتي أقضيها في “الخلاء”، مشيرًا إلى أنهُ يجب حساب سنين “المتحركات”.
ترتيب مسبق
عندما اندلعت الأحداث في مقار هيئة العمليات بالخرطوم والولايات ووصفت السلطات ما حدث بالتمرد فيما وجه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان “حميدتي” أصابع الاتهام وراء الأحداث لمدير جهاز المحابرات الأسبق صلاح قوش، إلى جانب التحليلات التي مضت للجزم بأن ما حدث كان مرتبًا لهُ إلى جانب الحديث عن وجود جهات أُخرى تقف خلف ما حدث.
(م-ن) حول ذلك قال في حديثه لـ(باج نيوز): لم يكن هناك ترتيب مسبق مُنذ أن علمت الناس بالخبر عندما بدأت الأحداث في الأبيض واتصلوا وأخبرونا عن المستحقات ، غضبنا ، لم يكن أمرًا مرتب له وليس تمردًا، هل يتمرد أحد وهو موجود داخل “بيته”، ولو كان “رموا علينا، بمبان” ، كان لينتهي الأمر.
أحداث الـ14 من يناير راح ضحيتها عدد من المواطنيين وضباط من الجيش، ويقول (م-ن): لم نطلق الرصاص تجاه أيّ أحد بل في الهواء، لم نقصد أيّ أحد، لا يعقل أن نضرب رصاص بهذا القدر ويموت شخص أو اثنان، وحتى عندما تم ضربنا وكنا في الأبراج لو أردنا أن نضرب، عربات الجيش والدعم السريع كانت أمامنا، لو ضربنا “آر بي جي”، واحد كان يمكن أن نفجر عددًا من العربات.
وأضاف: لم نكن نقصد التمرد، لو أردنا ذلك كان استخدمنا عرباتنا في الشارع، ولا يستطيع حد ضربنا، وكان بمقدرونا الاختباء وسط المواطنيين، وهم قالوا أن السلاح الذي لدينا ليس لدى الجيش فلماذا لم نستخدمه؟ حتى انتي في حديثك معي تقولين تمرد؟ هذه من أكثر الأشياء التي ضايقتنا، ناهيك عن الضرب الذي حدث واستشهاد اخوتي قربي، وأن يصفنا عضو في مجلس السيادة بالمتمردين وفي يوم من لأيام حملنا معه السلاح في الخلا “ونمنا” في خندقٍ واحد.
حمل السلاح
ويعود “م-ن” ليبرر السلوك الذي انتهجوه بقوله: أنا “عسكري” لا يمكن أن أحمل لافتة أو اتظاهر، قبل وقت فعل الدعم السريع ذات الشيء في الجيلي، وبالنسبة لنا لم تكن المرة الأولى “في الخلا” عندما تنقطع المرتبات نحتج بهذه الطريقة، إلا أن الناس قصدت أن تضعنا في وش المدفع والمضي للقول بأننا من فض الاعتصام، رغم علمهم أننا لم نفعل ذلك.
وأضاف: حتى فض المظاهرات كانت هناك قوات من الشرطة لم يكن أحدٌ منا ليفرح أنهُ ذاهب لفض المظاهرات، وعسكري الجيش لو أتتهُ تعليمات لفضها فسيفعل ذلك وليس حبًا في الأمر، جميعنا كان متضررًا من الوضع الاقتصادي و”أمي” لو وقفت في صف العيش لن يقال “أدوها” عيش عشان ولدها في الجهاز.
وفي محاولة لنفي صفة التمرد عن ما حدث يشير “م-ن” إلى أنهُ لو كان هناك تنسيق، لكان عدد المحتجين ليكون أكبر من قطاع كامل به قرابة الـ4 ألف، وأضاف: عدد مقدر رفض هذه الطريقة، ونحن “خاننا” عقلنا.
تسليم السلاح
لاحتواء الموقف وقتها أرسلت السلطات وفدًا لإثناء أفراد الهيئة “المتمردين”، الذين رفضوا التجاوب مع السلطات الأمنية وتسليم السلاح.
وبسؤال “م-ن” عن عدم استسلامهم والمضي قدمًا في خيار المواجهة قال: لم نكن نعلم مصدر إطلاق النار، حتى قادة الجيش والدعم السريع جلسوا معنا ،”تونسوا”، لم تكن هناك نية لإطلاق الرصاص قائلين لنا: أنتو عساكر وأخوانا.
وأضاف: أفراد الهيئة في مقر الرياض سلموا سلاحهم وعندما شرعنا في تسليم أسلحتنا بدأ الضرب ولا ندري كيف حدث ذلك؟
لم يأت اليوم الذي نرفع فيه السلاح على ضابط من الجيش كنت أدفن أخوه في “الخلا” وهو يدفن “أخوي” في الخلا.
عدد المتمردين
وحول عدد المتمردين من أفراد الهيئة في قطاع سوبا يقول “م-ن” أنهم كانوا 23 من أصل 1600، مشيرًا إلى أنه عمل في الحدود، حراسة طرمبات الوقود، مواقف المواصلات، متابعة حصص الوقود، وشارك في المتحركات، وفي جبل مرة، قولو، زالنجي، نرتتي وبليلة.
“م-ن” الذي قضى 8 سنوات في الخدمة بسؤاله عن سبب رفضهم للانضمام للجيش أو الدعم السريع واختيار التسريح يقول: وجدناها فرصة، فبعد سقوط النظام، الصغار في المنزل يسيئوا لك ولأهلك، تسمع والديك غلطتهم أنهم قاموا بتربيتك، ويسيء لك من تقابلهُ في الشارع.
وأضاف: فترة العمل بالسنبة لنا انتهت، الناس تقول أن “الشيطان” أحسن منا، وبعد كل ما رأيناه انعدمت الرغبة في العمل بالمجال العسكري، لماذا أضيع عمري في الخلا وحراسة الحدود؟ مشيرًا إلى أن العامل النفسي كان السبب في رفضهم الانضمام لأيّ قوات.