اخبار السودان لحظة بلحظة

(الكيباه) اليهودية في الخرطوم!!

تقرير: المثنى عبدالقادر

بعد أكثر من (40) عاماً من التوتر في العلاقات بين اسرائيل والسودان اتخذ مجلس السيادة بقيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان أشجع قرار لمصلحة السودان العليا بفتح العلاقة مع اسرائيل وانهاء عقود من التوتر على المستوى على الاقليمي والدولي، خاصة بعد ان تمكنت اسرائيل من التطبيع مع كافة دول جوار السودان، ولعل الخطوة تثبت للمجتمع الدولي ان التغيير وقع فعلاً في السودان بعد الثورة، وان مجلس السيادة السوداني ليست له علاقة بالنظام السابق كما يزعم البعض. وفي جانب آخر فإن تطور العلاقات بين السودان واسرائيل سوف يغلق العديد من المهددات الاقليمية والدولية خاصة الحدودية على السودان والتى كانت لاكثر من عشرات السنوات بؤرة صراع تهدد الدولة وتستنزف، هذا غير ان اللقاء التاريخي بين الفريق اول عبد الفتاح البرهان مع بنيامين نتنياهو برعاية الرئيس يوري موسيفيني في كمبالا سوف يفتح الباب أمام قضايا السودان الكبرى الاقتصادية، خاصة ان الطريق الى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبيت الابيض والمجتمع الدولي يمر بإسرائيل اولاً، هذا غير ان انضمام السودان لكل من مصر والاردن باقامة علاقات مع اسرائيل سوف يسهم في حل المشكلة الفلسطينية وليس تعقيدها كما يتصور البعض، لأن البرهان نفسه أكد في سبتمبر من العام الماضي ان السودان ماضٍ في بناء علاقات خارجية متوازنة، مؤكداً عدم المساومة بالقضية الفلسطينية، مع التأكيد على حق اليهود السودانيين في العودة لبلادهم.

الكيباه في الخرطوم
بعد اعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انه اتفق مع رئيس مجلس السيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان، في يوغندا، على بدء تعاون يقود نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، بات من المتوقع ان يرى السودانيون لاول مرة (الكيباه) اليهودية في السودان، وهي القبعة التى يرتديها اليهود، في شوراع الخرطوم ومدن السودان بعد ان غادر اليهود السودان منذ سنوات طويلة وتبقت بعض الاسر اليهودية التى تزاوجت مع بعض العلائات السودانية منذ عهود بعيدة، واصبحت سودانية بالكامل لكن من اصول يهودية على المستوى الاجتماعي.
العلاقات السياسية
على المستوى السياسي كانت العلاقات بين السودان واسرائيل مقطوعة، حيث انضم السودان الى معسكر الحرب ضد اسرائيل عام 1948م بالاضافة الى حرب 1967م، وهو ما دفع اسرائيل بعد انتهاء الحرب لدعم متمردي جنوب السودان ضد الخرطوم في الحربين الأهليتين السودانيتين الأولى و‌الثانية التى ادت الى انفصال جنوب السودان عام 2011م عن السودان الام، ولم تتوقف اسرائيل عن ذلك بعد ان اتجهت الى دارفور وجنوب كردفان وبدأت بالترويج لفصل تلك الاقاليم، ومع الحصار الدولي على السودان الاقتصادي بالعقوبات طرح وزير الخارجية السابق بروفيسور ابراهيم غندور التطبيع مع اسرائيل مقابل رفع العقوبات الامريكية، وهو ما وجد عاصفة من المعارضة الداخلية خاصة انها جاءت بعد نتيجة مؤتمر الحوار الوطني آنذاك رغم موافقة البعض على التطبيع مع اسرائيل، لكن المقترح تم تحجيمه في النهاية مع مخرجات المؤتمر التى لم تنفذ، وعلى المستوى السياسي بدأت العلاقات بين السودان واسرائيل في يونيو 1954 عندما أرسل حزب الامة وفداً إلى لندن للحصول على الدّعم البريطاني لاستقلال السودان، وفي أثناء مكوثه في لندن، أوعزت المخابرات البريطانيّة (أم آي 6) لوفد حزب الأمّة ليطلب المساعدة من إسرائيل، وفي 17 يونيو 1954 اجتمع الوفد الذي ضمّ سيد الصديق المهدي، الابن الأكبر للمهدي، ومحمد أحمد عمر نائب الأمين العام لحزب الامة في لندن مع المسؤولين الاسرائيليين من السفارة الإسرائيلية في العاصمة البريطانية، واتّفق الطرفان في ذلك الاجتماع على مواصلة اللقاءات والاجتماعات باستمرار على ارضية المصالح المشتركة، واتفقا على أن يكون محمد أحمد عمر رجل الاتصال الدائم بين حزب الامة وإسرائيل، وتعززت العلاقة لمرحلة المصالح التجارية بدخول رجل أعمال يهودي بريطاني كان يعمل مديراً في شركة (Lewis and Peat) لفحص إمكان قيامه بشراء القطن الذي تنتجه مزارع المهدي ودفع ثمنه مقدماً وتواصلت العلاقة، اما في جنوب السودان فقد بدأت العلاقة بين اسرائيل ومتمردي جنوب السودان آنذاك في عام 1963م حيث اجتمعوا في السفارات الإسرائيلية في يوغندا وإثيوبيا وتشاد والكونغو وكينيا، وقد تعزّزت هذه الاتصالات والعلاقات وتعمقت حيث تزامنت مع حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، لكن القائد الجنوبي الشهير جوزيف لاقو كشف سابقاً ابعاد تلك العلاقة وكيف التقى بسفير اسرائيل في كمبالا وسلمه رسالة الى رئيس الوزراء الاسرائيلي ليفي اشكول آنذاك عام 1969م، وبعدها بدأت اسرائيل بدعم حركة جوزيف لاقو بالسلاح لشن هجوم على جيش الخرطوم، واستمر الدعم حتى 1972م حتى تغير النظام في يوغندا وانقطعت العلاقات مع اسرائيل، وهو ما دفع الاخيرة لاستمرار الدعم عبر كينيا حتى توقيع اتفاق السلام بين الخرطوم مع جوزيف لاقو، وهو ما اعتبره الاسرائيليون خيانة من لاقو وقطعوا العلاقة معه.
وفي مرحلة الرئيس جعفر النميري بدأت العلاقات عبر رجل الاعمال السعودي عدنان خاشقجي الذي تمكن من جمع النميري مع خمسة اسرائيليين من مخضرمي الأجهزة الامنية الإسرائيلية بعد دعوتهم الخرطوم للقاء النميري هم (يعقوب نمرودي ودافيد كيمحي وآل شفايمر ورحافيه فاردي وهانك غرينسبان)، وفور وصولهم إلى الخرطوم من نيروبي، اجتمعوا مع الرئيس جعفر النميري، وكان الهدف من هذه الزيارة إقامة علاقات اقتصاديّة بين إسرائيل والسودان، وبعدها تطورت العلاقة الى ان التقى نميري نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية يغال يدين في (نيويورك)، وتم فيه وضع الأسس للتعاون بين إسرائيل والسودان في المستقبل، وانتقلت العلاقة لاحقاً الى اجتماع النميري وشارون الشهير الذي اتفق خلاله على هجرة اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان، بالاضافة تخزين سلاح إسرائيلي في السودان لمصلحة قوى إيرانية كانت تخطّط، بمساعدة إسرائيل وعدنان خاشقجي، للقيام بعمليات عسكرية ضد نظام الخميني في إيران، ووافق النميري أيضاً على السماح لإسرائيل بتدريب هذه القوة الإيرانية على الأراضي السودانية، بيد ان مشروع شارون المشترك مع خاشقجي لم ينفذ لخلافات إسرائيلية داخلية بين شارون وفئات مناوئة له في أجهزة الأمن الإسرائيلية والحكومة.
التطبيع مع النظام السابق
في عام 2018م تصدرت بقوة العلاقات السودانية الإسرائيلية المشهد السياسي في السودان، وعاد الجدل مرة أخرى حول اتجاه النظام في الخرطوم نحو التطبيع مع تل أبيب، خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الماضي أن شركات الطيران الإسرائيلي ستتمكن من التحليق فوق الأجواء السودانية في طريقها إلى أمريكا الجنوبية، وذكرت مصادر أن هناك تيارات داخل الخرطوم والحكومة السابقة اقترحت في وقت سابق السماح للطيران الإسرائيلي بالعبور عبر الأجواء السودانية للاستفادة من الخطوة اقتصادياً باعتبار أنها ستسهم في المساعدة على اجتياز الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ورأت هذه المصادر أن الخطوة لن تنال من موقف الخرطوم المتشدد تجاه تل أبيب، وذكرت أن واشنطون سبق أن عرضت على السودان منح إسرائيل إذن العبور، ويأتي ذلك على خلفية فشل مشروع أمريكي كان قبل عشرة أعوام في ابتداع ممرات جوية تتحاشى المجال الجوي السوداني من جنوب إفريقيا وكينيا عبوراً بتشاد وليبيا وإيطاليا بسبب ضعف الخدمات الملاحية في بعض الدول، فضلاً عن التكلفة الاقتصادية والميزات التفضيلية للممر السوداني باعتباره الأفضل بين دول آسيا وأميركا الجنوبية، وكان آخر محاولات اسرائيل التطبيع مع السودان مع النظام السابق بواسطة الرئيس التشادي ادريس دبيي الذي حاول مع الرئيس المخلوع عمر البشير تطبيع العلاقات لما فيه من مصالح بين الجانبين، لكن ديبي فشل فيها حتى سقط النظام لاحقاً في ابريل الماضي.
رد فعل عربي
حالة من الغضب والجدل الواسع شهدتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، عقب كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن لقائه برئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان في يوغندا، لكن لم يصدر سوى موقف رسمي عربي واحد عبر أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات الذي اعتبر اللقاء طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني وخروجاً صارخاً عن مبادرة السلام العربية، في وقت تحاول فيه إدارة الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي تصفية القضية الفلسطينية.
كما استنكرت حركة حماس على لسان الناطق باسمها حازم قاسم لقاء البرهان مع نتنياهو، وأكد أن هذه اللقاءات التي وصفها بـ (التطبيعية) تشجع الاحتلال على مواصلة الجرائم والعدوان ضد الشعب الفلسطيني، بينما لم تصدر اية دولة عربية بما في ذلك منظمة الجامعة العربية رد فعل بشأن اللقاء.
قبل كمبالا
كشفت وسائل الاعلام الاسرائيلية أن لقاء الرئيس بنيامين نتنياهو مع رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان في يوغندا لم يكن وليد الساعة، وانما سبقته لقاءات تنسيقية بين مستشار الامن القومي الاسرائيلي مئير بن شبات مع مسؤولين سودانيين رفيعي المستوى من اجل الاتفاق على الخطوات اللاحقة، وخصوصا في ما يتعلق بتوسط نتنياهو لدى الامريكيين لرفع العقوبات عن الخرطوم، وذكرت القناة (11) الاسرائيلية ان الموضوع الاول على جدول العلاقات مع السودان هو ابعاد اللاجئين من اصل سوداني الى بلادهم، والنقطة الاخرى هي تقليص مسافة السفر بين اسرائيل وجنوب أميركا عبر السماح للطائرات الاسرائيلية بالمرور فوق السودان، وفي المقابل ستكون اسرائيل محطة عبور السودان الى الولايات المتحدة، حيث يطلب السودان من اسرائيل العمل لدى الادارة الامريكية لرفع العقوبات عنه، وبدورها اشارت المختصة في العلوم السياسية في جامعة بار ايلان يهوديت رونين إلى ان هذا مسار للبحث عن المساعدة المباشرة وغير المباشرة بواسطة اسرائيل، فالسودانيون مثل الكثيرين في العالم العربي يعتقدون أن لدى اسرائيل النفوذ في واشنطون، وهم بحاجة للدعم الاقتصادي والتكنولوجي. اما المحلل العسكري الاسرائيلي مؤأف فاردي فرأى أن السودان كان حليفاً لايران، وقد هاجمت اسرائيل في السابق قوافل سلاح اتت من ايران الى حماس عبر السودان، فالسودان الآن غير مساره، وترك التحالف مع ايران، وانتقل الى المحور السني المعتدل بسبب الضغوط التي مارستها واشنطون والسعودية، وهذه اخبار ممتازة لإسرائيل.

The post (الكيباه) اليهودية في الخرطوم!! appeared first on الانتباهة أون لاين.

اترك رد