تقرير: هنادي النور
اشعل لقاء رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفاتح البرهان وسائل التواصل الاجتماعي حول توقعات التطبيع مع دولة اسرائيل، والتي حدثت بشكل سريع ومفاجئ لدى المجمتع المحلي، وحذر خبراء ومحللون للشأن الاقتصادي من تداعيات هذه الخطوة التي وصفها البعض بأنها ليست ذات جدوى اقتصادية، وانما هي سياسة في اتجاه العلاقات مع امريكا لرفع اسم السودان من الدول الراعية للارهاب، بينما لها تأثيرها السلبي على المجتمع، الامر الذي ادى انقسام شبه متساوٍ بين الرافضين والمؤيدين والرأي الآخر من منطق المحاذير التي تعمل بها اسرائيل بالتطبيع مع الدول لاعتبارات عديدة منها اجتماعية ودينية, ونتساءل هل اسرائيل كدولة اقتصادياً ماذا يمكن ان يستفيد منها السودان في التعامل السياسي وهل نربح ام نخسر؟
وتنظر إسرائيل الى الدول الافريقية اقتصادياً لما تمتلكه العديد من دولها من كميات كبيرة من النفط والمواد الخام، فقد كانت إسرائيل تهدف بشكل كبير إلى توسيع حجم التجارة مع شرق إفريقيا، وكانت هناك أهداف استراتيجية وأيديولوجية، حيث تقع إثيوبيا وإريتريا على ساحل البحر الأحمر وباب المندب، بالإضافة إلى وقوع إثيوبيا ويوغندا وكينيا على الحدود مع الدول العربية. وقد ركزت إسرائيل على استغلال العامل الإنساني في علاقتها مع الدول الإفريقية، حيث تضاعفت التجارة مع افريقيا في الفترة من 1973 ــ 1978 وبلغت 45,8 مليون دولار ثم الى 104,3 مليون دولار، فيما شكل اجمالي المهاجرين اليهود من افريقيا الي اسرائيل نسبة 20%.
تكنولوجيا:
في عام 2006م احتلت إسرائيل المرتبة (15) بين دول العالم بما يبلغُ 1725 طلباً لبراءات الاختراع، وهي بذلك تكون ثالث أعلى زيادةٍ في العالم. وفي عام 2009م تصاعد عدد الشركات الصهيونية المُسجّلة في مؤشّر الصناعات التكنولوجية الأمريكي ناسداك –NASDAC إلى حوالى (65) شركة، وهو أعلى عددٍ للشركات الأجنبية في المؤشّر بالمقارنة مع حوالى (45) شركةٍ كنديةٍ وستّ شركاتٍ يابانيةٍ وخمس شركاتٍ بريطانيةٍ وثلاثٌ أخرى هنديةٍ، والشركاتُ الصهيونية المُدرَجة على مؤشّر «ناسداك» أكثرُ من كلّ شركات القارة الأوروبية المُدرجة فيه.
وأظهر تقريرٌ صادرٌ عن مؤسّسة غرانت ثورنتون الدولية في عام 2013م ان اسرائيل احتلّت المرتبة الثانية عالمياً في صناعة التكنولوجيا العالية والفائقة التطوُّر بعد كوريا الجنوبية التي تصدّرت الترتيب منذ عام 2009، والتي تشكّلُ فيها صناعة التكنولوجيا ما نسبته 40% من الناتج المحلي. وتقدّمت إسرائيل مرتبةً واحدةً، بعد أن كانت تحتلُّ الترتيب الثالث العام الماضي، مُتقدّمةً على فنلندا ثالثاً، والسويد رابعاً، واليابان خامساً، عطفاً على ما ذُكِر آنفاً كون إسرائيل ذات أكبر عددٍ من الشركات، فيبلغُ عدد العاملين فيها حالياً حوالى 12,805 مصانع وشركات تكنولوجيةً نحو 1100 شركةٍ تكنولوجيا عاليةٍ، منها 150 شركةٌ متعدّدةُ الجنسيات، ومن بين هذه الـ150 شركةٍ تشغّل حوالى 100 شركةٍ أفرعاً رئيسيةً لها وهناك 11 50 شركة تكنولوجية كبرى منها مايكرفسوت وقوقل وابل.
وحسب ما ورد في التقارير الصادرة عن سلطة الابتكار الإسرائيلية فإنّ اسرائيل تمتلكُ أعلى عددٍ للشركات الناشئة، إذ أُطلِقت فيها ما يقارب 2000 شركةٍ ناشئةٍ خلال العقد الأخير، كما تتّخذُ 3000 شركةٍ تكنولوجيةٍ، سواء كانت ناشئةً أم لا، ومن الحجم المتوسط أو الصغير من «إسرائيل» مقرّاً لها، بالإضافة إلى 30 شركةٍ ناميةٍ و300 مركزٍ للبحث والتطوير تابعة لشركاتٍ مُتعدّدةِ القوميات في إسرائيل الثانية بعد سويسرا حسب فئة الابتكارية، وفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول التنافسية والعالمية لعامي 2016-2017، وقد صُنّف التقرير دول العالم ضمن 12 فئةً، ومنها الابتكارية والاستعداد التكنولوجي، والذكاء التجاري والثقافة الجامعية، حتّى في المنافسة الشاملة أيضاً احتلّت المرتبة الثانية بعد سويسرا، مُتقدِّمةً على فنلندا والولايات المتحدة وألمانيا والسويد واليابان
لا جدوى:
واوضح استاذ مساعد بكلية الاقتصاد جامعة وادي النيل د. عمر يس محمد ان التطبيع مع اسرائيل معناه إعادة العلاقات الى طبيعتها وليست لدينا علاقة طبيعية لإرجاعها الى طبيعتها، واعتبر هذه الخطوة سياسية ومن ناحية اقتصادية ليست ذات جدوى، بدليل ان كل الدول التي طبعت معها لم تستفد منها اقتصاديا، وقال: على سبيل المثال اريتريا واثيوبيا، وان شعوبهما تعيش على التهريب من السودان. وبالنسبة لاستفادة السودان اقتصادياً منها قال: اعتقد انه لا توجد في العالم سلع اسرائيلية لها سمعة اقتصادية. وفي تقديري ان الخطوة طبعها سياسي، وربما تكون في اتجاه العلاقات مع امريكا لرفع اسم السودان من الدول الراعية للارهاب، واشار عمر الى ان دولة اسرائيل ليست لديها اية منتجات اقتصادية وانما لديها مراكز بحوث متقدمة، وتعتمد على استيراد الغاز من مصر والبترول من دول الخليج.
وقطع عمر بأن هذه الخطوة لديها ردة فعل داخل المجتمع السوداني، لجهة ان معظم السودانيين يعتبرون ان اسرائيل العدو الاكبر والمهدد الاكبر للاسلام والمسلمين في المنطقة عبر عمليات التجسس الاخبارية، وقال ان هذه الخطوة احدثت انشقاقاً في الرأي العام في كيفية قبول المجتمع، وربما تؤدي الى انقسامات سياسية, وبالتالي اقتصادياً لا جدوى منها. واستدرك قائلاً: ان اسرائيل تحلم بانها ستكون الكبرى من النيل الى الفرات.
تنديد خافت:
وقال المحلل السياسي د. الفاتح محجوب ان إسرائيل دولة متقدمة جداً في مجالات الحاسوب والزراعة والطب والتقنيات العسكرية والمجوهرات خاصة صناعة صقل الماس الذي يدر عليها بضعة مليارات من الدولارات, ومع ذلك يصعب ان يستفيد السودان بشكل مباشر من التطبيع مع اسرائيل، لكن مكاسبه الحقيقية هي فتح الباب امام تحسين العلاقات مع امريكا لتسرع في انهاء وضعية السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب، وهي العقبة الكبرى التي تحول دون اعفاء ديون السودان، ودون التعامل مع الشبكة المصرفية والدولية، وتحول ايضاً دون الاستثمارات الاجنبية الكبرى بالسودان.
واشار الفاتح الى أن مطالب إسرائيل من السودان أيضاً بسيطة جداً، اذ تتلخص في السماح للطيران الإسرائيلي المدني المتجه الى أمريكا الجنوبية بعبور أجواء السودان، وتسهيل عودة السودانيين المقيمين في إسرائيل الى بلدهم السودان.
أما أمريكا فهي ترحب كثيراً باللقاء لأنه يأتي بعد صفقة القرن، وبالتالي هو اختراق كبير لجدار رفض إسرائيل في توقيت مهم لأمريكا، ولذلك قدمت فوراً دعوة للبرهان لزيارة امريكا. وبما ان موضوع إنهاء وضعية السودان في قائمة الإرهاب الأمريكية كان الجند الرئيس في مطالب السودان من إسرائيل للمساعدة في ذلك بحكم العلاقة الوطيدة بين إسرائيل والسلطات الأمريكية.
إذن هذا اللقاء لم يتطرق للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وفق ما رشح عنه، بل ركز على القضايا ذات الاهتمام المشترك وما يهم المصالح المباشرة للدولتين، أما تداعيات اللقاء فهي تنديد خافت من الفلسطينيين، واندهاش غريب من الحكومة الانتقالية في شقها المدني الذي قدم تصريحاً سيئاً جداً من وزير الإعلام لا يصح ان يصدر منه في حق رئيس المجلس السيادي، ويدل على غضب البعض في مجلس الوزراء من كونه تم تغييبهم عن لقاء بهذا القدر من الأهمية والحساسية، أما غالب النقاش بين السودانيين حول اللقاء في الوسائط الاجتماعية، فهو يدل على انقسام شبه متساوٍ بين الرافضين والمؤيدين.
The post التطبيع مع إسرائيل اقتصادياً.. بين الربح والخسارة appeared first on الانتباهة أون لاين.