اخبار السودان لحظة بلحظة

(الخـبز الحافي ).. قصــة رفــع الســــــعـــر!

الخرطوم: صديق رمضان
في مخبز بلدي بحي المايقوما بالحاج يوسف، فإن إدارته وحتى تبرهن على حقيقة شبح الخسائر الذي ظل يتهدد هذه المهنة، فإنها عمدت إلى أن تحضر لي كل «الدفاتر» حتى أطلع على تكلفة الإنتاج، وذات الشيء وجدته أمس خلال جولتي على سبعة مخابز ببحري وشرق النيل والخرطوم، فالجميع يؤكدون على أن رفع سعر قطعة الخبز هو الطريق الوحيد للخروج من عنق الزجاجة أو أن توفر الحكومة المزيد من الدعم لمدخلات الإنتاج، فيما ترفض الحكومة ممثلة في وزارة التجارة القرارات الأحادية من جانب التنظيم النقابي المحلول لأصحاب المخابز الذي اتخذ قراراً برفع السعر إلى جنيهين، لتظل الأزمة تراوح مكانها دون أن تجد حلاً ينهي معاناة المواطنين الذين ظلوا لثلاثة عشر شهراً يرزحون تحت وطأة الوقوف لساعات طوال أمام المخابز للحصول على رغيف الخبز.
حقائق وأرقام
وحتى استوثق من حقيقة ارتفاع تكلفة الانتاج كان علي كما اشرت سابقاً ألا اكتفي بافادات اصحاب المخابز الذين تعاونوا معي واتاحوا لي فرصة الاطلاع على عدد من الدفاتر بالمخابز السبعة التي زرتها، والتي توضح الانتاج بكل تفاصيله وارقامه، ووجدت ان المخبز يشتري جوال الدقيق المدعوم بسعر خمسمائة وخمسين جنيهاً، والذي يحتاج لعبوة خميرة بسعر 120 جنيهاً، بالاضافة الى تكلفة العمالة في انتاجه تبلغ 400 جنيه، علاوة على الزيت والغاز بواقع مائة جنيه، عطفاً على الايجار والرسوم بواقع خمسين جنيهاً لتصبح جملة تكلفة انتاج الجوال الواحد الف وثلاثمائة وعشرون جنيهاً، ووجدت ان هذه التكلفة تزيد وتنقص بقليل من مخبز الى اخر غير ان ادناها الف ومائة وخمسون جنيهاً.
وماذا عن الإنتاج؟
ولمعرفة انتاج الجوال من الخبز فقد اطلعت ايضاً على عدد من الدفاتر التي تحوي ارقاماً يتم تدوينها عقب نهاية العمل في عجن كل جوال وادخاله للفرن الحراري ،وايضاً تتفاوت من مخبز إلى اخر، ولكن الملاحظ ان ادنى انتاج يبلغ تسعمائة وخمسين قطعة خبز، فيما كان اعلى انتاج في السبعة مخابز بواقع الف واربعمائة قطعة خبز، وهذا التفاوت جعلني اسأل اصحاب المخابز السبعة الذين اشاروا الى ان الامر له علاقة مباشرة بحجم قطعة الخبز التي يؤكدون انها تتفاوت من مخبز الى اخر، فبعضها يصنعها وفقاً لوزن خمسين جراماً ومخابز اخرى 45 جراماً فيما اعترفوا بان اصحاب بعض المخابز ولتقليل التكلفة فان وزن قطعة الخبز في مخابزهم يبلغ 35 جراماً، ووفقاً لهذه الارقام فان انتاج جوال الدقيق الذي يتراوح بين التسعمائة وخمسين الى الف ومائتين واربعين قطعة خبز لا يغطي تكلفة صناعته التي تتراوح بين الالف ومائة وخمسين جنيهاً الى الف وثلاثمائة وعشرين جنيهاً.
وكيف تعمل المخابز إذاً ؟
بالارقام وكما هو واضح فان المخابز وكما يؤكد اصحابها فانها تعمل بالخسارة، وهذا امر لا يمكن ان يصدقه العقل لانه لا يوجد من يعمل من اجل ان يخسر مهما كانت الاسباب والدوافع، اكثر من صاحب مخبز فضلوا حجب اسمائهم اشاروا بوضوح الى ان عدداً من المخابز وحتى لا تتكبد الخسائر فانها تعمل على تخصيص انتاج اكثر من ثلاثة جوالات لبيعها الى المطاعم والكافتريات بواقع جنيه وخمسمائة قرش لسعر قطعة الخبز الواحدة وفي بعض الاحيان بيعها بجنيهين، ولفتوا الى ان البيع للمطاعم والكافتريات يقلل من التكلفة ويغطي الخسائر من التي تنجم عن بيع قطعة الخبز بمبلغ واحد جنيه للمواطنين، اما الطريقة الثانية التي يتحاشى بها اصحاب المخابز الخسائر المباشرة وكما يقول احدهم فانها تتمثل للاسف في بيع جزء من حصة الدقيق بواقع الف واربعمائة جنيه للجوال المدعوم لتحقيق ربح يتراوح بين الستمائة الى التسعمائة جنيه، وان الطريقة الاكثر شيوعاً هي تقليص حجم قطعة الخبز حتى ينتج الجوال 1400 قطعة .
هل تتم زيادة أسعار الخبز؟
حسبما اعلن اتحاد المخابز المحلول، فقد كان من المفترض ان يتم تطبيق زيادة قطعة الخبز الى جنيهين ابتداءً من امس استناداً على الخسائر التي يتعرض لها اصحاب المخابز كما اشاروا، فهل تم تطبيق الزيادة، الاجابة على هذا السؤال تكشفها جولتنا الميدانية بالمخابز السبعة التي رفضت تطبيق الزيادة، وهذا ما أكده علي مكابر محمد عبدالمجيد الذي يمتلك عدداً من المخابز بامدرمان، ويكشف في حديث لـ(الانتباهة) عن رفضهم تطبيق الزيادة استناداً على انها لم تصدر من الحكومة، لافتاً الى ان الذين اصدروا قرار الزيادة هم منسوبو الاتحاد المحلول الذين قال ان 90% منهم هم وكلاء دقيق في الاصل وان مصالحهم تضررت بحل الاتحاد، ورغم رفضه زيادة اسعار الخبز الا بواسطة الحكومة الا ان علي مكابر يؤكد بان صناعة الخبز تواجه ازمة حقيقية وانه لا بد من اتخاذ الحكومة قرارات حيال هذا الامر، ويؤكد على ان اتخاذ قرار الزيادة كان خاطئاً لذا فانهم لم يعملوا على تنفيذه. وقال ان وزير الصناعة والتجارة وعد بالحل النهائي يوم الخميس القادم ، ويرى اهمية الصبر وعدم الاستعجال، دامغاً وكلاء الدقيق بالوقوف وراء اجتماع الجمعة لتضرر مصالحهم بحل الاتحاد.
تهريب ومصالح
ويمضي علي مكابر في حديثه ويلفت الى ان بيع الدقيق من قبل بعض اصحاب المخابز امر معروف على نطاق واسع منذ ثلاثين عاماً، وان هذا الامر ليس وليدة الفترة الاخيرة، كاشفاً عن معظم الوكلاء هم اس المشكلة، حيث يتفقون مع اصحاب المخابز ويبيعون لهم جوال الدقيق المدعوم بمبلغ يتراوح بين السبعمائة الى الثمانمائة جنيه، ويعود للاشارة الى الاجتماع الذي قال ان معظم الذين حضروه من اصحاب المخابز لم يكن يعلموا ان الاتحاد تم حله وانهم لم ينفذوا الزيادة رغم تعرضهم لخسائر، لادراكهم التام ان هذا قرار دولة وليس اتحاد مخابز محلول، محذراً من ازمة ارتفاع تكلفة الانتاج التي قال انها تسببت في اغلاق ستمائة مخبز بالعاصمة لابوابها حتى لا تتعرض للمزيد من الخسائر.
ما هو المصير؟
بما ان عدداً كبيراً من اصحاب المخابز رفضوا قرار الزيادة الذي اعلنه اعضاء بالاتحاد المحلول فهل سيتم تطبيقه ام لا؟، الاجابة تأتي على لسان نائب الامين العام للاتحاد المحلول، عصام عكاشة، الذي ينوه في حديث لـ(الانتباهة) الى ان اجتماع الجمعة لم يعقده الاتحاد المحلول كما اشاع البعض، ويؤكد انهم مجموعة من الاشخاص وضع اصحاب المخابز ثقتهم فيهم وانهم تحدثوا باسمهم، ويؤكد عكاشة على ان حديث وزير الصناعة والتجارة بعدم احقيتهم في تحديد اسعار الخبز سليم ولا غبار عليه، وان الحكومة هي التي تمتلك هذا الحق وليس اصحاب المخابز، غير ان عكاشة يلفت اى انهم رفعوا مذكرة الى والي الخرطوم منذ ستة اشهر اوضحوا خلالها ارتفاع تكلفة الانتاج وضرورة ايجاد حلول لها، واردف:ولكن لم نجد استجابة وفي هذه الاثناء فان تكلفة الانتاج تضاعفت ثلاث مرات وهذا وضع اصحاب المخابز في موضع صعب وخيارات محدودة، فإما التوقف عن العمل او تحمل الخسائر، ونحن ظللنا لاكثر من تسعة اشهر نتحمل الخسائر وذلك تقديراً للثورة والمواطن ودعماً للحكومة الانتقالية، وذلك لاننا جزء أصيل في التغيير الذي شهدته البلاد ولكن لا يمكننا ان نتحمل المزيد من الخسائر.
ما هو الحل؟
الاجابة تأتي على لسان عصام عكاشة الذي يؤكد انهم قرروا مبدئياً تأجيل تنفيذ زيادة اسعار الخبز، وقال ان وزير الصناعة والتجارة تسلم يوم الاربعاء الماضي التكلفة الحقيقية لانتاج الخبز، واشار الى ان الوزير قرر خلال اسبوع ان يضع حداً نهائياً لمشكلة ارتفاع التكلفة، ويرى عكاشة ان الحل يكمن في المزيد من الدعم للدقيق ومدخلات الانتاج او رفع سعر الخبز لجهة ان اصحاب المخابز ظلوا يتعرضون للخسائر التي تهدد بتوقف هذه الصناعة على المدى القريب، وختم قائلاً: نحن مواطنون سودانيون لدينا التزامات واسر ولا يمكن ان نعمل من اجل الخسارة، عموماً نؤكد ان قرار زيادة الاسعار يخص الدولة والتي وعلى لسان الوزير أكدت بانها خلال اسبوع ستصل الى الحل النهائي.
الوزارة ترفض
الجهة المعنية بهذه القضية هي وزارة الصناعة والتجارة التي رفض وزيرها مدني عباس الزيادة التي قررها اصحاب المخابز، وعلى طريقه مضى وكيل الوزارة محمد علي عبدالله الذي اكد بان ما تم الاعلان عنه من ما يسمى باتحاد المخابز بولاية الخرطوم يمثل قمة الفوضى، كاشفاً عن انه لا يوجد اتحاد شرعي بهذا المسمى بعد ان تم حل الاتحادات ،واردف» هذا الجسم غير شرعي وليس له الحق في الاجتماع وتحديد التكلفة»، مبيناً ان الحكومة هي التي تدعم الدقيق ومن تقرر تكلفة الخبز وليس اي جهة اخرى، وقال ان وزارة الصناعة والتجارة كونت لجاناً تضم كافة المختصين لدراسة تكلفة صناعة الخبز المدعوم والتجاري وانها لم تنته من اعمالها، واضاف:»لن يتم ترك تحديد الاسعار حتى يتحول الى فوضى لان لدينا ثماني عشرة ولاية»، مؤكداً ان اي اجراء يتم تطبيقه من دون موافقة الدولة فيما يتعلق بتسعير الخبز سيتم التعامل معه وفقاً للقانون، قاطعاً بان الوزارة ماضية في اجراءات ايصال الدعم لمستحقيه بالتنسيق مع لجان المقاومة والعمل الميداني التي تتولى مسؤولية المراقبة من المطاحن وحتى المخابز.
تأجيل وتعليق
رغم انقشاع سحب أزمة زيادة أسعار الخبز بتمسك الوزارة بحق الحكومة في تحديد الأسعار، وموافقة أصحاب المخابز على مهلة الأسبوع، فإن قضية ارتفاع التكلفة تظل قائمة إلى أن تجد حلولاً نهائية.

The post (الخـبز الحافي ).. قصــة رفــع الســــــعـــر! appeared first on الانتباهة أون لاين.

اترك رد