اخبار السودان اليوم

الترتيبات الأمنية وتحديات فترة الانتقال

مقدمة

اذا كان السلام يعتبر العامل الرئيس لتحقيق الاستقرار الوطني الذي تؤسس عليه التنمية والبناء، فيمكننا القول بان نجاح اتفاقية الترتيبات الامنية التي يتحقق عبرها ضمان نجاح اتفاق السلام يمثل اكبر التحديات التي تواجه هذا السلام، في اطار مطلوبات الامن والاستقرار، سواء كان ذلك عند فترة الانتقال للسلطة الحاكمة الآن، او لفترة السلطة التي تاتي بعدها انتخابا، انتقالا كاملا من حالة الحرب الي حالة السلام، خروجا من دائرة الاضطراب الوطني الذي لازم الدولة السودانية طوال فترات الحكم الوطني، فارضا حالة التخلف التي لازمت السودان، وجعله دولة هشة، وقابلة للتمزق.

من الجانب الآخر فان نجاح واستمرارية السلام الوطني يحتم اهمية تحديد الفكرة المحورية الوطنية الاستراتيجية المستخلصة من العبر والدروس التي انتجتها الممارسة السياسية السودانية حكما منذ الاستقلال، وبما يحقق عامل الاستقرار والقوة، والتي احصرها تحديدا في الهدف الاستراتيجي الوطني الاول الا وهو (تحقيق الوحدة الوطنية) والتي دونها سيظل الفشل ملازما للدولة السودانية التي تعاني الحياة هشاشة في كل مجالاتها من اجتماعية وسياسية واقتصادية وامنية ، وذلك ما يتطلب في ذات الوقت وبادراك عميق ضرورة البناء الوطني، العلمي السليم للقوات المسلحة وساعديها (قوت الشرطة وجهاز المخابرات العامة) تحقيقا وحفاظا على الامن القومي وصونا للسلام والوحدة الوطنية تكاملا مع قوى الدولة الشاملة الاخرى، وقد واتت الان سانحة تحقيق ذلك، اذا تم النجاح توفيقا في تجاوز عقبات الترتيبات الامنية.

ان الفشل في تجاوز تحدي عقبات تحقيق السلام من خلال اتفاقية الترتيبات الامنية من قبل سلطة الانتقال الحاكمة الان وحركات الكفاح المسلح، يعني مباشرة عودة الدولة السودانية الي اسوأ من الحال السابق تدحرجا نحو الهاوية حيث التفكك الوطني وذلك مايتطلب الاعتبار لمجموعة من الاعتبارات المبدئية والاجرائية التي من المفترض ان تكون المرشد والهادي السياسي الوطني التي يتطلب النجاح العمل وفقها فهما وادراكا من كافة اطراف اتفاق السلام، ليتم عبر ذلك تجاوز كافة العقبات التي سوف تواجه مسار السلام عبر تنفيذ اتفاقية الترتيبات الامنية ، هذا مع ضرورة بناء عامل الثقة المسنود بقوة العزيمة والارادة الوطنية، والمؤمن تخطيطا وتنسيقا بين كافة اجهزة الدولة المركزية والولائية وقيادة حركات الكفاح المسلح والمسنود بقوة الدستور والقانون واللوائح والاجهزة الرقابية وبما يؤكد الضمانات الكافية لمسار اتفاقية الترتيبات الامنية وصولا الي برها الآمن.

القصد

تقديم ورقة دراسية عن الترتيبات الامنية وكيفية تجاوز تحديات فترة الانتقال.

الاعتبارات التي يتم الاخذ بها لتجاوز تحديات فترة الانتقال لتحقيق النجاح خروجا امنا من عقبات تنفيذ اتفاقية الترتيبات الامنية لابد من ان يستوعب الفاعلين فيها من اطراف سلطة الانتقال وحركات الكفاح المسلح من ان يكونوا وحدة في المفاهيم من خلال الاعتبارات التالية:

متطلبات الترتيبات الامنية خلال الفترة التمهيدية يقصد بالفترة التمهيدية تلك الفترة التي تبدأ مباشرة بعد اجازة الخطة الاستراتيجية للسلام والتي تكون موضوعاتها محددة في هذه الخطة والتي تستمر عملا الي يحين التوقيع النهائي على اتفاق السلام بين اطراف المفاوضات واعتماده من قبل الهيئة التشريعية للدولة، وللحركات المسلحة اذا كانت لديها هيئة تشريعية وهي فترة تحضيرية يعتمد عليها نجاح اتفاقية الترتيبات الامنية كثيرا وتتضمن الاعداد والتهيؤ الاداري والفتي والاجرائي وبما يؤمن النجاح المطلوب تجاوزا للتقصير جدية في التنفيذ، وبما يحقق عامل الثقة من قبل حركات المسلحة تجاه الجدية وعلى رأسها المجلس الاعلى للسلام ومفوضيته والذي يمثل في ذات الوقتأعلى سلطة في الدولة سيادة وتنفيذا مسنودا بالمؤسسات ذات العلاقة المباشرة باتفاقية الترتيبات الامنية والممثلة في وزارة الدفاع حيث القوات المسلحة ووزارة الداخلية حيث قوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة، حيث مجلس الوزراء، واي اطراف اخرى ذات علاقة، هذا دون التركيز على ما هو مطلوب القيام به من قبل الحركات المسلحة في ذات الفترة بحسبان ان ما ستقوم به مرتبط بمدى رؤيتها للسلام وتتمثل اهم الترتيبات المطلوب اعدادها والعمل لاجل جاهزيتها في الاتي:

أ. هيكلة وتنظيم مؤسسات الدفاع والأمن وفقا لمطلوبات المرحلة القادمة.

ب. تحديد الاحجام المطلوبة لهذه المؤسسات وفقا لمهددات الامن القومي والمهام التي سوف تقوم بها دستورا وقانونا عند مرحلة مابعد السلام، ودون اغفال التهيوء الدائم للحرب. على ان يتم تجزئة خطة البناء التنظيمي الي مديات زمنية (قريبة ومتوسطة وبعيدة) مع اعتبار المنهج العلمي المتبع في البناء التنظيمي خاصة على مستوى القوات المسلحة بالاضافة لمؤثرات البناء المعروفة من حجم سكاني ومساحة جغرافية ومهددات امنية وقدرات اقتصادية وعلمية ولعل المطلوب ادراكه هنا من حركات الكفاح المسلح ان تعلم كافة مقاتليها ان احجام القوة البشرية التي سوف يتم استيعابها بالقوات المسلحة وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة مخصوم منها الاعداد التي سوف يتم دمجها في المجتمع وفقا لخطة التسريح مع اعتبارية عامل التوازن المعياري لن تكون بذات حجم كافة قوة المقاتلين لهذه الحركات الذين ايضا ستطبق فيهم ايضا المبادئ المعيارية للاستيعاب مع اعتبار شروط الانتساب لهذه المؤسسات (يمكن ان يتم التجاوز في هذه الشروط بمقدار ويحسب مايتم الاتفاق عليه في الاتفاقية) وهذه مايعني ان هنالك اعداد من المقاتلين سوف يتم استيعابهم دمجا في المؤسسات المدنية الاخرى والمشروعات الاقتصادية التي سيتم توفيرها لهم. وهو مايحتاج لتهيئة نفسية وذهنية مبكرا.

جـ. وضع خطة الفتح الاستراتيجي (الانتشار) المستقبلية وفقا لمتطلبات الاستيعاب والسلام مقرونة بمهددات الامن القومي.

أ. تحديد حجم القوة التي سوف يتم تسريحها وفقا لاتفاقية الترتيبات الامنية.

ب. القيام باعداد خطة الاستيعاب الجديدة للقوات المسلحة وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة والتي سوف تعتمد في اطار مفهوم دولة المواطنة وقومية القوات المسلحة، آخذه بمعايير الكثافة السكانية والجغرافيا معا او بالاثنين معا كضروروات وطنية يصعب تجاوزها بحسب الواقع المتصارع الان هدفا لأن تساعد في تجاوز حالات الاحتقان الوطني والمجتمعي الذي يتحدث عن التقسيم غير العادل او المتوازن نسبيا للسلطة في كافة المؤسسات تاثيرا على قوميتها ولدرجة ان يطالب البعض بان يتم الاستيعاب لهذه المؤسسات نزولا حتى بطون القبائل كواقع لايمكن اهماله، وهذا ما ينعكس على الموجود الان من القوة البشرية على مستوى القوات المسلحة وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة لتكون المعالجة العلمية الاحصائية في هذا آنيا اعداداً لاستيعاب مقاتلي حركات الكفاح المسلح وبذات المفهوم مع ارتباط ذلك بالخطة الاستراتيجية لبناء القوات المسلحة وما تم ذكره سابقا عن اسس البناء التنظيمي التي ياتي في مقدمتها بالقدرات الاقتصادية للدولة.

جـ. البدء في اعداد الوحدات التي سوف تنفتح في مراكز الايواء والاستيعاب التي سيتم فيها تجميع مقاتلي حركات الكافح المسلح بعد تجميعهم الابتدائي بمعسكرات هذه الحركات عقب توقيع اتفاق السلام هذا مع ضرورة مراعاة حسن الاختيار للقادة من ذوي القدوة والسلوك الحسن والكفاءة وبعد النظر مع الادراك الكامل لاهمية المرحلة في ابعادها الوطنية والخاصة بالقوات المسلحة والشرطة والمخابرات العامة وبما يمكنها من بناء الثقة وتثبيتها سلوكا يؤدي لقناعات ايجابية تترسخ في عقول ونفوس مقاتلي الحركات المسلحة خلال فترة الاستيعاب والتدريب تحولا الي التأقلم ثم الاندماج في الجسد الوطني الواحد.

د. بناء القدرات للوحدات التي سوف تكون مشاركة لمقاتلي حركات الكفاح المسلح خلال فترة التعارف والتدريب مع تامين مطلوبات هذه الخطة من قدرات بشرية علمية وخبرات في المجالات العسكرية الامنية القانونية السياسية الاجتماعية الثقافية النفسية الاعلامية لتحقيق تأهيل وبناء هذه الوحدات/ القوات اعدادا لها لاهم مراحل تنفيذ الاتفاقية الامنية على ان تكون هذه القدرات البشرية محايدة اللهم الا في الشأن الوطني، مع امكانية الاستفادة والاستعانة باي مؤسسات ذات علاقة في هذا الشأن داخليا ، واقليميا، ودوليا.

هـ. تكوين اللجان المشتركة (الحكومة الانتقالية) من كافة الجهات ذات العلاقة باتفاقية الترتيبات الامنية للمتابعة والمراقبة والمحاسبة عند اي خطأ خاصة اذا اكدت المعلومات ان فاعله يهدف من ورائه لا عاقة مسيرة اتفاقية الترتيبات الامنية، وهو مايعني استهداف السلام في ذاته. (تتم اضافة منسوبي الحركات المسلحة لهذه اللجان لاحقا).

و. اعداد القوانين واللوائح التي تحكم مسار اتفاقية الترتيبات الامنية وبما يضعف ان لم يكن يوقف احتمالات الاخطاء المؤسسية والفردية لكل الجهات والافراد الذين سوف يتعاملون مع اتفاقية الترتيبات الامنية، وكذلك الاوامر المستديمة وسياقات العمل الثابتة.

ز. الحفاظ انضباطا وتنفيذا واجراءات على وقف اطلاق النار عند الفترة التمهيدية ومايتبعها من فترات لاحقة حتى مرحلة التجميع لمقاتلي الحركات المسلحة الابتدائية في معسكرات الحركات بعد التوقيع النهائي لاتفاق السلام، وان يكون ذلك مضبوطا بالاوامر العملياتية التي تحدد فيها كافة الاجراءات المطلوب تنفيذها من قبل الوحدات ذات العلاقة والتي من بين اهمية ضبط التحركات عبر الاجراءات التي تتم حتى مرحلة التصديق مع التصديق النهائي، مسافة ومناطق الامان مابين معسكرات التجميع الاولي لمقاتلي الحركات المسحلة والقوات المسلحة ، حجم القوات التي يسمح بتحركها مجمعة نوع السلاح وعياره الذي مسموح بحمله اثناء هذه التحركات من عدمه، الاجراءات التي سيتم القيام بها من قبل الاطراف خاصة قوات السلطة الحاكمة عند حدوث اي اختراق من قبل وحداتها. ويبرز هنا دور اللجان آنفة الذكر.

يتم وفي فترة لاحقة. اي حين تبدأ الاجراءات النهائية لمفاوضات السلام بين اطراف النزاع اخطار قادة الحركات المسلحة خاصة من يتم اختيارهم لهذه المفاوضات بهذه المتطلبات التمهيدية والطلب بضرورة اعتبارها والاخذ بها بل والاخذ بتلك التي سوف تفيد بشأن الاستعدادات الابتدائية لهذه الحركات بشأن السلام والتي عليها في ذات الوقت ولدعم عملية التفاوض ان تؤسس في داخلها لذات الاجراءات عملا متقدما يمكن من تحقيق سلامة الاجراءات وقتا وتنفيذا وتهيئة ذهنية ونفسية لمقاتليها مع تاكيد للجدية بشأن تحقيق السلام.

الترتيبات التي على حركات الكفاح المسلح القيام بها في ما بين الفترة التمهيدية وفترة مفاوضات السلام.

أعمال ما بعد توقيع اتفاق السلام

تعتبر هذه الفترة او المرحلة من اهم واخطر مسار مفاوضات السلام والتي تتكامل فيها الرؤى والمستويات وتتوحد فيها المفاهيم بين اطراف المفاوضات وحدة في كافة قضايا السلام والتي تاتي على رأسها كيفية تنفيذ اتفاقية الترتيبات الامنية تخطيطا وعملا مشتركا تقوية كل المطلوبات والترتيبات التي سبق الاعداد لها والتي يمكن الا تقل مدتها عن ستة شهور، وان يتم فيها القيام بالاتي:

أ. ان التنسيب ثم التوزيع لهذه المؤسسات سوف يكون قوميا ووفق خطة البناء التنظيمي ومراحلها وبحسب الاعداد المحددة لكل مرحلة.

ب. ان التوزيع سوف يتجاوز المناطقية في بعده القومي ، وبحيث تتم التنقلات لكافة ارجاء السودان وفق خطة انفتاح (انتشار) القوات المسلحة وقوات الشرطة والمخابرات العامة مع ضرورة ان يحدد المبدأ العام لذلك في اتفاقية الترتيبات الامنية.

جـ. بيان الشروط التي يتم عبرها الانتساب لكل من القوات المسلحة وقوات الشرطة والمخابرات العامة والتي يحكمها القانون واللوائح.

د. تقوم قيادة مقاتلي حركات الكفاح المسلح بتحديد الاقدمية العسكرية لهذه القوات مع اعداد كشوفات مفصلة بذلك، يتم تسليمها للجان المشتركة بين الاطراف لتصنيفها ومن ثم تحديد الاقدمية الكلية.(ضباط ورتب اخرى) داخل كشوفات الاقدمية لرصفائهم بالقوات المسلحة وقوات الشرطة والمخابرات العامة في مايعرف بالكشف العام الموحد.

مرحلة تطبيق اتفاقية الترتيبات الامنية

تمثل هذه المرحلة قمة ماهو مطلوب الوصول اليه تطبيقا لاتفاقية الترتيبات الامنية من خلال ماسبق ذكره من اعتبارات واجراءات واعداد للخطط خلال الفترات التي حددت كمسار لاتفاقية الترتيبات الامنية والانتقال والتي تتطلب مع ماحددته الخطط والترتيبات المطلوبة الاتية:

 

خاتمة

اذا كان السلام وبتحدياته التي تكاد تكون عصية مما جعله يفرض نفسه كهدف استراتيجي اول لحكومة الفترة الانتقالية فلا شك ان اتفاقية الترتيبات الامنية وبتعقيداتها الشائكة سوف تكون عامل النجاح الاول لهذا السلام تحقيقا للاستقرار الوطني التام انطلاقا نحو البناء والتنمية لدولة الحداثة والنهضة (السودان الجديد) اذا احسن التخطيط العلمي والتدبير المتقن وقويت العزيمة والارادة ،وكانت كافة الاعمال موقوتة ودون ذلك فلن يتم التغلب والانتصار على تحديات فترة الانتقال لهذه الاتفاقية لتكون العاقبة فشلا لاشك سيؤدي لانهيار السلام فتكون الكارثة انهيار وسقوط وطن بكامله.

ان ما اوردته الدراسة بيانا لمطلوبات تحديات الترتيبات الامنية بفتراتها الزمنية المحددة، يتطلب عملا دؤوبا ياخذ بالاعتبارات التي تم ذكرها مع اعتبار عامل الزمن والواجبات الموقوتة تعاونا وتنسيقا عند أداء الواجبات التي يحددها المجلس الاعلى للسلام، ومفوضيته بالقوانين واللوائح والتوجيهات مع مشاركة حقيقية من كافة مؤسسات الدولة المركزية ، والولايات وفوق ذلك تنسيقا متعاونا ومسئولا تكاملا مع قيادات حركات الكفاح المسلح والذي لا شك ان تم احكامه وضوحا في الهدف وادراكا للمسئوليات مع الدقة تنفيذا وتجويدافسوف يتم قطف الثمار تجاوزا للتحديات ليكون نجاحا تحقق من خلاله الجذابة ثم القبول رضاء وسلاما ينعم به سودان المستقبل المسالم، استقرارا وسلاما.

والسلام.

Exit mobile version