اخبار السودان لحظة بلحظة

مفوضية العون الإنساني..إصلاح ما أفسده دهـر (الكــيزان)

الخرطوم: صديق رمضان
من المفارقات الغريبة أن الثوار الذين اعتصموا أمام القيادة العامة لخمسة وخمسين يوما اتخذوا جدران مقر مفوضية العون الإنساني مكانا لتوثيق أبرز مشاهد الحراك الثوري الضخم، لتمر الأيام ويستلهم من هم داخل هذا المقر روح الثورة ويعملون على إنزال أهدافها على ارض الواقع وأبرزها مكافحة الفساد الذي استشرى خلال العهد البائد، وكثيرة هي الملفات التي غطاها غبار الفساد في المفوضية ، بعض منها متعلق بالمنظمات واخرى داخل بيت المرفق الذي يفترض به ان يكون إنسانيا وليس مستعمرة لصالح أفراد او تنظيم.

(كشة جماعية)
لم يتوقف سيل القرارات الذي يصدر من مكتب المسجل العام للمنظمات ، منى عوض حسن ، التي لم تكتف برفع الستار عن المخالفات التي ارتكبتها عديد منظمات يمتلكها أفراد في النظام السابق أو جهات ، بل مضت في خواتيم العام الماضي على ذات الطريق حينما أصدرت في الرابع والعشرين من أكتوبر قرارا قضى بإلغاء تسجيل وحجز أصول وممتلكات وأرصدة وحسابات اثنتين من المنظمات، وهما المؤسسة الأفريقية للتعليم ومؤسسة الشهيدة سعاد طمبل للتنمية الاجتماعية، وبهذا القرار الجريء الذي وجد ارتياحا في الشارع فإن عدد المنظمات التي طالتها رياح الثورة الداخلية بالمفوضية ثلاثون، ومن بين تلك المنظمات المحظورة (سند الخيرية) والتي كانت تديرها وداد بابكر زوجة الرئيس المخلوع عمر البشير ومنظمة (البر والتواصل) المملوكة لزوجة علي عثمان طه القيادي البارز في المؤتمر الوطني، إضافة الى الاتحاد الوطني للشباب، اتحاد المرأة، الاتحاد العام للطلاب السودانيين، منظمة حسن أحمد البشير الخيرية (شقيق الرئيس البشير)، منظمة السالكين، مؤسسة صلاح ونسي، جمعية بنت البلد الخيرية،البر والتواصل ،أنا السودان، مجذوب الخليفة ،تنميات الإنسانية ، الغيث، ام معبد، ربيكان ، الاتحاد الوطني للشباب ،اتحاد المرأة ، مؤسسة معراج ، دراسات المرأة ،مبادرون ، تلاويت، الاتحاد العام للطلاب السودانيين ، بت البلد ، صلاح ونسي ، السالكين، الإصلاح والمساواة ،النزيل، وكانت الوثيقة الدستورية قد نصت في الفقرة 15/8 من الفصل الثاني على تفكيك بنية التمكين لنظام الإنقاذ المباد.
منظمات أخرى
اضافة لذلك فقد طالت الإلغاءات منظمة الشهيد التي يعتبر كثيرون انها كانت دولة داخل دولة من واقع الإمكانيات الضخمة التي كانت تتمتع بها وهذه المنظمة تعتبر أول جهة طالتها متغيرات الثورة حينما تم حلها ثم إلحاقها بالقوات المسلحة الى ان صدر القرار أخيرا بإلغاء تصديقها، وطال القرار ايضا منظمة المشكاة التي يتولى عبدالحي يوسف رئاسة مجلسها الاستشاري وهو الذي ظل يناصب الثورة العداء منذ اندلاعها وتحوم حوله شبهات الفساد على خلفية حديث الرئيس المخلوع الذي أكد في جلسات محاكمته تسليمه مبلغ خمسة ملايين دولار اضافة الى حديث علي عثمان محمد طه في الفيلم الذي بثته قناة العربية عن الحركة الإسلامية وتمتلك المنظمة مؤسسات إعلامية ودعوية، ومن المنظمات التي شملها قرار الحل منظمة ذي النورين الخيرية التي يشير البعض الى انها تتبع للدكتور محمد عبدالكريم الذي يعتبر -حسب البعض – من المعارضين للثورة والمؤيدين للنظام المباد.
ارتياح
قرار حل المنظمات وجد ارتياحا كبيرا لدى قطاع واسع من أنصار الثورة خاصة على وسائط التواصل الاجتماعي وكتب مدون يدعى نزار قائلا:(هذا واحد من أفضل قرارات حكومة حمدوك لان هذه المنظمات كانت تمتص دم الشعب السوداني ولا تقدم اليه شيئا). فيما اعتبر آخرون ان القرار أسهم في تجفيف منابع دعم الإخوان المسلمون ، وفي هذا الإطار فان وزيرة العمل والتنمية الاجتماعية لينا الشيخ رأت أن قرار إغلاق المنظمات يأتي في اطار برنامج الحكومة الانتقالية وإعمالا لمبدأ الشفافية وسيادة حكم القانون، وأكدت وجود مخالفات في تسجيل هذه المنظمات وفي الاستقطاب وتلقي المنح من الجهات الأجنبية ووقوعها في مخالفات في الاتفاقية الفنية بينها والحكومة.
مراجعة
القرارات التي اتخذتها مفوضية العون الإنساني لم تأت بحسب مراقبين خبط عشواء، ولكن استنادا الى المخالفات التي ارتكبتها عدد من المنظمات التي اتجهت بعضها الى الاستثمار مثل انشاء المستشفيات والمدارس وتعدين الذهب اضافة الى الاستيراد والتصدير والاستثمار في الزراعة وكل هذه الأعمال تعد مخالفة للتصديق الرسمي الذي يحدد مجالات عمل هذه المنظمات ، ورغم إلغاء تصديق ثلاثين منظمة إلا ان عددها لا يزال كبيرا وهذا ما كشفته تقارير رسمية أوضحت من قبل ان عدد المنظمات الطوعية في البلاد يبلغ أربعة آلاف وخمسمائة منظمة وان الفاعلة منها لا تتجاوز حاجز الثلاثمائة أما الأخرى فإنها تحظى بدعم داخلي وخارجي، ولكن ليس لها عمل ملموس وان الكثير من المنظمات عبارة عن (شنط) متحركة في يد أفراد ولا مقار لها.
ولا حتى برامج على ارض الواقع ، وتوقع مصدر بالمفوضية صدور قرارات اخرى بإيقاف عدد كبير من المنظمات الخاملة أو تلك التي تتبع للنظام البائد، ويقدر خبراء كمية الأموال التي حصلت عليها المنظمات الطوعية خلال عشرة أعوام بثلاثة مليارات دولار وان عددا مقدرا من المنظمات كانت تحظى بدعم مباشر من خزانة الدولة خاصة تلك التابعة لواجهات سياسية لتنظيم الإخوان المسلمين أو نافذين تابعين له.
الفساد الداخلي
ويبدو أن المفوض العام لمفوضية العون الإنساني عباس فضل المولى علي رأى ان محاربة الفساد يجب أن تكون شاملة وألا تكون حصرية على المنظمات التي تم إلغاء تصاديقها ،فقد عكف ايضا على ترتيب وتنظيف البيت الداخلي للمفوضية الذي ظلت أحاديث كثيرة تدور عن ان الفساد (عشعش) فيه ، فكان أن اتخذ عدد من القرارات القوية ومنها ذلك المتعلق بتسليم العربات الإدارية من الموظفين الذين تم تمليكهم سيارات حكومة ،فقد أصدر في التاسع من ديسمبر المنصرم قرارا وصفه موظفون بالمفوضية بالصائب وقضى بإرجاع وتسليم جميع العربات الإدارية من كافة الموظفين الذين تم تمليكهم سيارات بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 48 لسنة 2009 والخاص بتمليك عربات للعاملين من الدرجة الثامنة فما فوق شريطة أن تستعمل في ترحيلهم من والى مكان عملهم .
قرار صائب
ويشير مصدر بالمفوضية الى أن هذا القرار يعتبر صائبا وقد جاء في توقيته الملائم ، ويقول : للأسف فان الفترة الماضية من عمر المفوضية وخاصة في عهد الإنقاذ حدثت تجاوزات كثيرة وكان التعامل مع المال العام يتم بعدم مبالاة وكثيرا ما تحول الى منفعة أشخاص ينتمون للنظام المباد ، وموضوع تمليك العربات يوضح هذه الحقيقة لأن البعض تم تمليكهم عربات بنصف سعرها ورغم ذلك كانوا ينالون نثرية بدل ميل وهذا يعني أنهم يسددون مقابلها من أموال الدولة (من دقنو وافتلو)،ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل البعض باع هذه العربات وآخرون استثمروها ورغم ذلك حصلوا على عربات إدارية من المفوضية للاستفادة منها في الترحيل ذهابا وإيابا الى العمل، وتظل مع بعضهم حتى في الإجازات، وهذا يعني بوضوح ان الواحد منهم حصل على العربة الأولى واستفاد منها ماديا وجاء مجددا وحاز على عربة إدارية وهذا يعني انتفاء سبب تمليكه العربة الحكومية التي يفترض بعدها ألا يحوز على عربة مرة اخرى، علما ان السيارات الإدارية التي تم إرجاعها تتجاوز العشرين وتفوق قيمتها الثمانين مليون جنيه.
ترقيات بالزانة
كثيرة هي الملفات التي تم فتحها في المفوضية خاصة تلك المتعلقة بشبهات الفساد ومنها المتعلق بالترقيات التي حصل عليها عدد من الموظفين ،فهذا الملف كان مثار تعليق عدد مقدر من الموظفين  الذين كانت الدهشة تتملكهم حينما تتم ترقية موظف من الدرجة الثامنة الى الخامسة او أن يقفز أحدهم بالزانة من الدرجة التاسعة الى الرابعة والأمثلة على حدوث تجاوزات في الترقيات يؤكدها عدد من الموظفين الذين تحدثوا لـ(الإنتباهة)، وأشاروا الى ان معيار الترفيع من درجة دنيا الى أعلى كان معياره الأساس خلال عهد الإنقاذ الانتماء للمؤتمر الوطني أو ان تكون التوصية من جهاز الأمن، وأشاروا الى ان بالمفوضية عددا كبيرا من الموظفين الذين تعرضوا لظلم واضح بعد ترقيتهم رغم استحقاقهم ذلك لأنهم ظلوا يجأرون بالشكوى من التجاوزات والممارسات الإدارية الخاطئة، وكشف موظف عن تكوين لجنة لهذا الغرض لمراجعة كل الترقيات التي حدثت في الفترة الماضية هل جاءت مستوفية للاشتراطات القانونية أم انها لأسباب لا علاقة لها بالمهنية ، وكذلك من الملفات التي أشار اليها الموظفون تلك المتمثلة بوجود تزوير في شهادات العمر لعدد من الموظفين الذين عمدوا الى إحضار شهادات لا تثبت أعمارهم الحقيقية ،وايضا من الملفات التي تحوز على اهتمام المفوض ممتلكات عدد كبير من المنظمات التي تم إلغاء تصديقها خلال السنوات الماضية والتي كان يفترض ان تؤول الى المنظمات التي تنفذ برامج مشابهة لها غير أنها آلت للمفوضية، ويؤكد موظف – فضل حجب اسمه- أن مفوضية العون الإنساني تحتاج الى جراحة مؤلمة تبعد كل المفسدين من منسوبي النظام البائد الذين اكد أن بعضا منهم كان يخدم مصالحه ومصلحة تنظيمه اكثر من اهتمامه بالعمل الذي يتقاضى من أجله مخصصات من الحكومة، مؤكدا أن المفوض العام يمضي بخطوات جيدة وشجاعة في إصلاح ما أفسده دهر الكيزان.

The post مفوضية العون الإنساني..إصلاح ما أفسده دهـر (الكــيزان) appeared first on الانتباهة او لاين.

اترك رد