د.غازي صلاح الدين العتباني
سواءٌ أكان المرء مشتغلا بالسياسة أو التجارة أو الحرب، لابد له من غريزة مرهفة للتوقيت السليم، الشيء الذي يعني أنه في هذه المجالات إذا ضاعت الفرصة بسبب سوءالتوقيت فربما لن تعود أبداً. قانون آخر ذوأهمية كبيرة في تحقيق النجاح أو التفوق هو التموضع، أي اختيار الموضع المناسب من الأرض التي تجري فيها الأحداث (سوق، أرض معركة، ميدان منافسات).
صن تسو، جنرال صيني عاش في حوالي ٥٠٠ قبل الميلاد وضع مبادئ الإستراتيجية العسكرية في كتابه الدرّة ‘فن الحرب’. قال تسو إن أول مبدأ تقوم عليه الإستراتيجية العسكرية هو “اعرف نفسك”. وتعني أن تختبر مقدراتك ومهاراتك وتموينك لمدى قريب وبعيد، اختبارا دقيقا، وأن تدرس وتعرف نقاط القوة والضعف لديك. المبدأ الثاني: اعرف خصمك، أي: تحقق بنفس الطريقة أعلاه من نفس نقاط القوة والضعف لديه. المبدأ الثالث: تعرف إلى قوة حلفائك، وقارنها بقوة حلفائه فإن قوة الدولة من قوة حلفائها، وكذلك قوة الجنرال، أو رجل الأعمال، أو رجل الصناعة، أو القائد النقابي هي من قوة حلفائه. المبدأ الرابع: أدرس طوبوغرافيا أرض المعركة جيدا فإن التموضع في الأرض الحاكمة هو نصف الطريق إلى النصر.
ملايين البشر قرأوا لصن تسو، وتأثر بتعاليمه آلاف القادة والجنرالات، واستعيرت محاضراته للتطبيق في مجالات التجارة والصناعة والأعمال الحرة وحتى الرياضة.
السودان يمر بظرف دقيق لا يختلف في ذلك اثنان. ظرف يستحق أن نطبق عليه أساليب صن تسو في فن المدافعة السياسية، دون مبالغة في تقدير الخطر، وبلا تهويل في وصف التحديات. وأول مبدأ نعجل باستدعائه هو مبدأ التوقيت الحاسم، فاللحظة حرجة والتوقيت ناضج، والفرق بين الوقوع في الهاوية والاستقرار في الأرض المستوية فرق شعرة.
أما تحت عنوان اعرف نفسك ودخلك وتموينك، فيجب أن نعي أن نضالات حمدوك في واشنطن كانت عملا جريئا حقّا، لكنها لم تحقق سوى إبداء النوايا الطيبة. الوضع الاقتصادي متدهور كما هو، وكارثة رفع الدعم قادمة كما هي، ولا يجرؤ عاقل أن يطمئن الناس على عافية الاقتصاد بمحض مزاعم ممعنة في التفاؤل.
الأوضاع الأمنية مزعجة، وأحداث الجنينة ترسل إشارات مرعبة، يعرفها فقط الذين جربوا ورأوا نتائج التفرعات والامتدادات الإقليمية لمشاكل السودان.
أزمات الأمن والمعاش تدفع الشباب دفعاً للخروج من البلاد إلى أي مكان به أكسجين وماء.
العمليات السياسية، بمعنى الحوار المتواصل مع كل القوى السياسية، بما فيها الحاملة للسلاح شبه متوقفة، ومحادثات جوبا لا يتوقع منها حل نموذجي يحقق السلام بضربة عصا.
القوى السياسية المتحدة مثل قحت ومكوناتها، وتنظيم المهنيين، وحزب الأمة ليسوا موحدين وجدانيا حول مشروع سياسي مستدام.
القوات المسلحة، زائدا قوات الدعم السريع، زائدا الحلفاء الإقليميين (السعودية، مصر، الإمارات) زائدا قحت: بينهم خطوط تصدع عميقة.
الانسحاب المرجح من حرب اليمن وآثاره الأمنية والسياسية على القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وعلى جميع دول المنطقة لا يسهل حصره وتدوين تجربته دعك من حساب تبعاته خاصة على السعودية ومصر.
وأول من أمس حدث ما كانت تتوقى منه دبلوماسيات العالم أربعين سنة وهو المواجهة الأمريكية الإيرانية المباشرة في الخليج وما حوت من عذابات الدنيا خاصة على البلاد الفقيرة المأزومة التي ستنشفط بالضرورة إلى مركز الأزمة.
هذه قائمة تبضع طويلة ومتشعبة وكفيلة بأن تجعل أي فارس شجاع يبرك على قدميه، مطأطأ رأسه وطالباً الرحمة.
هذه ليست كلمات جوفاء شامتة في لحظة تسام وترفع، فالشماتة في أي وقت جاءت، وبأي دثار تدثرت ليست من أعمال المروءة.
وليست هذه دعوة للقوات المسلحة للقيام بإنقلاب، بالعكس تماما فلن يعقد الأوضاع شيء مثل ما سيعقدها الإنقلاب العسكري، ونحن برآء منه ابتداء لأنه سيؤدي إلى مزيد من انقسام الجبهة ىالداخلية. نحن مع مدنيوووا قلباً وقالباً، لكننا مع مدنيوووا تحرسها وتحميها عسكريوووا قوية وعزيزة ورادعة، وفخورة بنفسها وبتاريخها، إذا هدرت سكت العالم وأنصت وترقب. ولابد أن يظهر هذا الهدف الرئيس -قوة الدولة وقوة مؤسساتها- في أي ترتيبات تتعلق بالاصلاح في القوات المسلحة.
لو كنّا مستعيري حكمة من عقل جبار لجنرال فذ مثل صن تسو، لانتقينا عبارته المشهورة: “القائد الحقيقي ينتصر وهو في بيته، ثم بعد ذلك يذهب إلى أرض المعركة”. وصن تسونفسه عمل في إطار دولة مدنية إمرته فيها لدى الإمبراطور ضامن سر الدولة وحامي كينونتها والمدافع عن حدودها.
منتهى هدفنا الذي ندعوا إليه عاجلا هو اجماع وطني، حول كيان وطني، لصياغة مشروع وطني ، يضمّن في دستور وطني. كيف يتوصل إلى ذلك؟ عن طريق تصفير العداد. وماذا يعني ذلك؟ يعني إعادة ترتيب الأولويات الوطنية. مممم يعني؟ يعني إيجاد تفاهم مشترك حول الأولويات الوطنية ومن ثم تخصيص أضخم حملة لا تستبقي كفاءة وطنية في لعب دورها الذي تجيده. الأحزاب والقوى السياسية لن تقبل؟ هذه معركة فوق الأحزاب والقوى السياسية، ومن نكص فقد عزل نفسه وبالطبع لن ينال زغرودة على موقفه. يعني هل هذه دعوة لإعادة تشكيل مؤسسات الحكم؟ الكلام ده ياهو البعرفوا الساسة كويس خلوه ليهم، انتو أقطعوا الخشب وهم بنجروا، فقط ليعلم الكل أن المزايدات والانتهازية ممنوعة في مثل هذه المواطن، يعني الوسطاء والسماسرة والكمسنجية يمتنعون. الوثيقة الجامعة الحقيقية هي المشروع السياسي الوطني المتفق عليه. لكن المبادرة ستظل في يد الحاكمين، وسيظل ما نقوله مثل هذيان المحموم ما لم يتبعه عمل؟ مبروك..وصلت!
أيها السادة: اللوحة التي رسمها الشعب ولوّنها الشهداء بدمائهم توشك أن تتهاوى ويتناثر أجزاؤها، وأخشى أن يأتي يوم بعد ستين عاماً يقف فيه شخص أمام اللوحة ويقول:”فيم قتل هؤلاء؟”.
وصلة:
قبل عصر الركشات…كنا نستغيث: دفرة..ياخوانا..دفرة…فإذا انطلقت زغرودة تكأكأ الرجال أقدامهم على رؤوسهم….فأعيدوا إلى الزغاريد مجدها.
رئيس الجبهه الوطنيه للتغيير ،رئيس حركه الاصلاح الآن
6 يناير 2020.