اخبار السودان لحظة بلحظة

دار أندوكا.. تفاصيل أسبوع عاصف

الجنينة ــ الخرطوم: صديق رمضان
في اثناء انعقاد اجتماع ضم رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس المجلس السيادي بامراء القبائل بغرب دارفور في القصر الرئاسي بحي الجبل بمدينة الجنينة، كان عدد من الوفود تنتظر سانحة الجلوس الى الضيوف رفيعي المستوى القادمين من المركز لنزع فتيل الازمة التي تشهدها مدينة الجنينة، وفي احدى القاعات جلس القادة الشعبيون للقبائل العربية، وفجاة أطل سلطان المساليت سعد عبد الرحمن بحر الدين الذي توقع من كانوا حضوراً ان يتوجه الى القاعة التي تضم وفد قبيلته، غير انه توجه نحو وفد الطرف الآخر للنزاع الذين ما ان شاهد افراده حفيد اشهر سلاطين دارفور الا ووقفوا لالقاء التحية عليه بحميمة، وموقفه هذا اثار حيرة الذين لا يعرفون طبيعة التركيبة الاجتماعية بغرب دارفور التي ظلت من مصدات الانزلاق الامني طوال امد الازمة الدارفورية، ويعول عليها كثيرون لأن تكون معبراً لنزع فتيل الازمة الطارئة التي حولت هدوء واستقرار دار اندوكا الى خوف ورعب عقب ما حدث في معسكر كريندق للنازحين.
الأحوال تتبدل
طوال فترة الازمة الدارفورية فإن الجنينة التي زرتها اكثر من خمس مرات احتفظت بطابعها الذي اشتهرت به، وهو متانة العلاقة بين مكوناتها الاجتماعية التي رفضت ان تكون طرفاً في الصراع الدموي الذي حول اخضر الاقليم الثري الى قفر يباب، غير ان هذا الواقع شهد جداره شرخاً غير متوقع ومفاجئ، فكل الذين تحدثت اليهم من طرفاي النزاع اكدوا عليى انه لم تكن توجد نذر مواجهة تلوح في الافق، وان الولاية كانت تمر بافضل حالاتها الاقتصادية عقب موسم زراعي ناجح واستقرار امني لافت، وهنا السؤال الذي يتبادر الى الاذهان، ماذا حدث في الجنينة وكيف تفجرت الاوضاع؟ الاجابة تأتي بين ثنايا شهادات عدد كبير من المواطنين والمراقبين تؤكد على ان حادثة بسيطة بالسوق الشعبي كانت بمثابة الشرارة التي جعلت النار تنتشر بين اجزاء المدينة الآمنة، تفاصيل الشجار لا ترقى الى مستوى العنف اللفظي دع عنك الموت والدمار والخراب، ورغم ان ما حدث بين مواطن ومواطنة يمكن ان يحدث في اي مكان في السودان، ولكن التعامل معه جاء متسقاً مع مسببات الاقتتال القبلي بدارفور، حيث تم الباسه الثوب القبلي ليتطور الامر ويلقي بظلاله السالبة على الاجواء بالمدينة، وفي مساء يوم السبت وفي سوق رقوقو الشعبي الذي يقع بالقرب من معسكر كريندق انطلقت رصاصة مجهولة المصدر لتصيب احد الشباب القادمين تواً من نيالا في مقتل، والي هنا كان ايضاً من الممكن احتواء الامر، غير ان هذا لم يحدث، ففي اليوم الثاني كان الحريق الاكبر حينما دخل طرفا الصراع في اقتتال شرس استعملت فيه الاسلحة النارية الفتاكة ليسقط اكثر من خمسين شهيداً من الطرفين، لتدخل دار اندوكا في امتحان عسير تكابد للخروج منه غير ان آثاره وتداعياته مازالت شاخصة .
الجنينة وحصاد الهشيم
ما حدث في معسكر كريندق الذي يقع وسط المدينة وعلى مقربة من امانة الحكومة القى سريعاً بظلاله السالبة على الاوضاع العامة بالولاية والجنينة، فرغم التهدئة التي جنح اليها طرفا النزاع غير ان الاوضاع وبشهادة كثيرين تحدثوا لـ (الانتباهة) لم تعد الى طبيعتها، فالوصول الى المدينة او الخروج منها شبه متوقف، وهو بحسب السائق آدم عبد الرحمن اقرب الى المغامرة غير مضمونة العواقب، وحديثه هذا يستند الى اغلاق مواطنين الطريق الرابط بين الجنينة وزالنجي حاضرة ولاية وسط دارفور التي تعتبر بوابة غرب دارفور الى اجزاء البلاد الاخرى، فالمواطنون الذين يشير البعض الى انهم من النازحين اقاموا متاريس بمنطقة مورني التي تبعد ثمانين كيلومتراً جنوب الجنينة، وكذلك في منطقة سيسي (30 كيلومتراً جنوب الجنينة)، وهذا الواقع جعل السيارات السفرية والخاصة تتكدس باعداد كبيرة في زالنجي حيث تقطعت بالمئات منهم السبل وقد اختار بعضهم العودة الى نيالا.
شح في المواد الغذائية
اغلاق الشريان المغذي للجنينة كانت له انعكاسات سالبة على الاوضاع بصفة عامة خاصة الاقتصادية، وما فاقم اكثر معاناة المواطنين ان سوق المدينة ظل مغلق الابواب منذ بداية الاحداث، وهذا بدوره جعل المواد الغذائية في المحال التجارية الموجودة بالاحياء تنفد، وهذا ما يؤكده التاجر بحي التضامن آدم الذي قال ان مواده الغذائية انتهت بسبب الاقبال عليها، ولكنه لا يمكنه الذهاب الى السوق الكبير لانه مغلق، والوصول اليه ايضاً يعد مخاطرة ربما تعرض صاحبها لفقدان روحه، ويقول معلم المرحلة الثانوية حامد الذي يقطن حي العامرية ان المواطنين وبسبب اغلاق المحال التجارية لجأوا الى الاشتراك في شراء ماشية وذبحها لاقتسام لحومها، وشكا من اغلاق طواحين الحبوب ابوابها وكذلك عدد من المخابز.
النازحون يستقرون في مقار الوزارات
ومن مشاهد الازمة الاخيرة التي تبدو واضحة للعيان ان سكان معسكر كريندق تقطعت بهم السبل بعد ان تعرضت مساكنهم البائسة الى الحريق، خاصة تلك المشيدة من الجوالات الفارغة والحطب، وفي شتاء قارس وبغريزة البقاء لم يجدوا غير اللجوء اولاً الى محيط منزل السلطان بحر الدين بحي التضامن، وكذلك توزعوا على المرافق الحكومية مثل المدارس والمساجد باحياء ام دوم والعامرية والثورة، بل حتى احياء شمال المدينة التي لم تتأثر بالاحداث مثل النسيم والرياض فتحت الكثير من المنازل ابوابها امام النازحين، ولان اعدادهم كبيرة لم يجدوا غير التوجه ايضاً الى المرافق الحكومية بوسط المدينة ممثلة في الوزارات ومحلية زالنجي، وهذا قاد الى توقف دولاب العمل الذي تباشره حكومة الولاية من مبنى الامانة العامة.
صعوبة الحركة
والملمح الآخر لظلال الازمة الاخيرة ان معظم الطرق الرئيسة بالجنينة تم اغلاقها بالمتاريس، وهذا جعل دار اندوكا تبدو اقرب الى مدينة اشباح حيث تقل فيها حركة المركبات العامة والخاصة، وهذا دعا خالد الذي هاتفته يشير الى انه لم يسبق للجنينة وفي خضم الازمة الدارفورية ان توقفت فيها الحياة مثلما حدث خلال الايام الماضية، وقال ان اصحاب المركبات الذين تجبرهم الظروف على مغادرة منازلهم لا يجدون امامهم غير اختيار طرق لا توجد بها متاريس حتي لا يتعرضوا الى ما لا تحمد عقباه، معتبراً ان الشباب مطالبون بفتح الطرق تقديراً لظروف المواطنين الذين اكدوا كامل تضامنهم مع الضحايا من الطرفين، وينوه اسعد وهو من الشباب الناشطين بان عدداً من المبادرات انطلقت عبر وسائط التواصل لمساعدة المتأثرين، غير ان اغلاق الطرق يقف حجر عثرة امام تحركهم, وقال ان المجتمع تفاعل مع هذه الحادثة ويريد ان يكون له اسهام، بيد انه يعتقد ان حالة الاحتقان التي بدأت في التراجع تحول بينهم وبين التواصل مع طرفي الازمة .
السلطان يستقيل
يبدو ان الحملة الشعواء التي تعرض لها اجبرته على تقديم استقالته، فامس الاول رشحت أنباء قوية من مصادر مؤكدة ان سلطان المساليت سعد عبد الرحمن بحر الدين قد تقدم باستقالته التي بررها بعدم احترام حديثه من قبل افراد بالقبيلة، وان النازحين لم يعدوا يثقون فيه بالاضافة الى رؤيته المتمثلة في ان وجوده في هذا التوقيت على رأس القبيلة العريقة من شأنه التأثير سلباً على حل الازمة، غير ان ردود الافعال على استقالة الرجل جاءت سريعة حيث رفضها عدد كبير من مكونات الولاية التي تعتقد ان بحر الدين الذي ظل عشرين عاماً على رأس ادارة قبيلة المساليت بات يتمتع بخبرة كبيرة في حل النزاعات الاهلية، وان وجوده في هذا التوقيت المفصلي ضرورة، واشار شاب يدعى نصر الدين من قبيلة المساليت الى انه ورغم الخلاف حول اداء واستمرارية السلطان سعد الا ان التوقيت غير ملائم لاستقالته، ويعتقد بضرورة ان يعدل عنها الى حين انجلاء الاوضاع.
حمدوك وحميدتي وصعوبة المهمة
وازاء ذلك يبدو ان المركز ادرك جيداً ان هذه الازمة اذا لم يتحرك سريعا لاحتوائها فإن العواقب ستكون وخيمة على البلاد، لذا فقد ظل الثنائي حمدوك وحميدتي يقيمان بصفة مستديمة لليوم الرابع على التوالي بحي الجبل، حيث القصر الرئاسي، وينتقلان ايضاً الى امانة الحكومة، حيث دخلا في لقاءات مكثفة مع وفود شعبية وجهات حكومية ونظامية، وقد التقيا وفداً من قبائل الولاية، ولم يكن المساليت والعرب حضوراً في هذا اللقاء، وايضاً جلس رئيس الوزراء ونائب رئيس المجلس السيادي الى شباب المساليت والعرب كل على حدة، وذات الشيء مع قادة قبيلتيهما في لقاء منفصل، واستمع الثنائي الذي بدأ منسجماً ومصمماً على انهاء هذه الازمة في اجتماعات اخرى مع الحرية والتغيير بغرب دارفور، ومن خلال هذه اللقاءات فإن المسافات بدأت في التقارب، ويبدو ان اتفاق الطرفين غير بعيد، الا ان ثمة عقبات بحسب شباب تحدثت اليهم تعتري طريق اتفاق الصلح النهائي، وتتمثل في الرأي السالب للطرفين في عدد من القوات النظامية التي يؤكدون على ان تعاطيها مع الازمة لم يأتِ مهنياً، وان هذا يحتم ضرورة حل هذه المشكلة جذرياً بالاستعاضة عنها بقوات محايدة، ويشيرون الى ان التحركات التي بذلها الثنائي حمدوك وحميدتي وجدت تجاوباً منقطع النظير من طرفي الصراع، بالاضافة الى ان مجتمع الولاية ينظر اليها بحالة رضاء ويعول عليها كثيراً في ان تقود الى صلح يبعد الولاية من خطر عودة الاقتتال القبلي، واشادوا بنهج عدم دفع الديات وان يكون القضاء هو الفيصل في محاسبة الضالعين في هذه الجريمة، واعتبروا ان هذا يؤسس للدولة المدنية الحقيقية.
حزن بسبب الطائرة
وقبل ان تفوق الجنينة من صدمة احداث معسكر كريندق الدامية، شهدت منطقة كرك التي تبعد خمس دقائق بالسيارة الى الشرق من مطار الشهيد صبيرة بالجنينة، سقوط طائرة عسكرية كانت تقل مستشارين قانونيين ومواطنين، بالاضافة الى طاقمها المكون من سبعة ملاحين عسكريين، وقابل المواطنون كما اشار حامد عبد الرحمن الحدث بحزن بالغ، وقال انهم شهداء سلام لانهم حضروا الى الجنينة من اجل الاسهام في حل النزاع الاخير، وامس تناول خطباء مساجد الجنينة في خطبة صلاة الجمعة الاحداث الاخيرة، ودعوا الى الجنوح للسلم، مذكرين بحرمة دماء المسلمين، كما ترحموا على شهداء الطائرة.
ترقب وحذر
سألت المراقب والمحلل السياسي محيي الدين زكريا عن رؤيته الى سير اتجاه الاحداث، فقال لـ (الإنتباهة) ان حضور رئيس الوزراء ونائب رئيس المجلس العسكري اسهم في توقف الاقتتال وتهدئة الاوضاع بعض الشيء، ويلفت الى انهما دخلا في اجتماعات مكثفة لتقريب وجهات النظر، غير ان محيي الدين يعتقد ان الاستقالة التي تقدم بها السلطان سعد بحر الدين من شأنها تعقيد الاوضاع، ويفسر قوله هذا بالاشارة الى صعوبة انعقاد مؤتمر للمساليت في هذه الاجواء الحرجة لاختيار سلطان جديد.
وقال ان الاحوال العامة مازالت متوترة رغم تلاشي شبح المواجهات المسلحة مجدداً، ويعتقد ان الحل يمر عبر التسامي على المرارات والاسراع في عقد مؤتمر صلح بوجود الادارة الاهلية بدارفور، معتقداً ان الغاء الديات يسهم ايجاباً في تسريع وتيرة الحل، بالاضافة الى انه يكون كابحاً للصراعات المسلحة، منوهاً بأن الشباب هم الذين يتولون ادارة المعركة، وان المطلوب منهم عدم الانفعال والنظر بعين ثاقبة الى ضرورة الصلح للحيلولة دون سفك مزيد من الدماء، مؤكداً على ان طرفاً ثالثاً يسعى لتأجيج نيران الفتنة بنشره صوراً مدبلجة في وسائط التواصل لاعلاقة لها باحداث الجنينة، ورأى ان هذا الطرف المجهول الذي يصدر البيانات بأسماء القبائل وينشر الصور وكافة أشكال التحريض، يمثل أكبر خطر على الأوضاع في الولاية.

The post دار أندوكا.. تفاصيل أسبوع عاصف appeared first on الانتباهة او لاين.

اترك رد