اخبار السودان لحظة بلحظة

إيمان كمال الدين- صدى الذكريات

أنت على خطأ في قولك إن الآخرين تعافوا من الصدمة، هم خبّأوها وحسب في مكانٍ بعيدٍ لا يقصدونه أبداً

باولو كويلو

غدوت كالأسطورة متأرجحًا بين الحقيقةِ والخيال، كأنك كنت واقعًا لا مناص منه وتاريخًا دلّ على وجودي ذات يوم، ثم أسطورةُ لم تتجاوز كونها حكاية تُزجي بها الأوقات ليلًا حين يغيب كل شيء، يرتدي المكانُ ثوب الحداد، ولا صوت إلا صدى الحكاية.

في إحدى ليالي يونيو الساخنة أجلسُ على مقعدٍ متخمٍ بالذكريات وكانت تلك خطيئتي الأولى، لا يدركُ المرء متى يسقط في براثن الآخر، لا الزمان ولا المكان، إنها لحظةٌ فقط، اللحظةُ التي أتكأتُ فيها على النافذةِ أرقبُ الحقيقة، وتعيد الحقيقة وضع الألم في نصابه لأحياه، قيل يا سيدي “يصعبُ جدًا أن نكتشف ما يُمكن أن يكون عليه قلبٌ لم يتحُ لهُ أن ينسى”.

قال أحدهم مواسيًا: لا تؤجلي معارككِ في الحياة، إخلعي ثوب الحزن، قسماتهُ على وجهك، أخبرتهُ أني أمرأةٌ أعلن هزيمتي وأحتفل بانتصاراتي سرًا.

الثلاثون من يونيو آثار الحريق بداخلي تمتد إلى كفيّ، وكان بوسعي أن أشتم رائحة الموت وإني أتساءل إن كان بوسع المرء منا أن يدرك أنهُ على آخر عتبةً من عتبات الحياة، هزائمي استحالت إلى تجاعيدٍ وخصلاتٍ بيضاء لتكسبني أرقامًا في دفتر العمر لم أخطُ نحوها بعد، الندبةُ على وجهي ويدي ستبقى لتذكرني بأعظم خيباتي، وأنسى أحيانًا أن الحياة خيبةٌ كبرى.

أمرُ بغرباء في الطريق يُخبروني أن وجهي مألوف أتدثر بالصمت وأتساءل إن كانت خيباتنا مرئيةً إلى ذلك الحد، ما زلتُ حتى اليوم أنتظرُ أن يسدل الليل أستاره فأمضي في طريقي.

ليت للقلب باب أغلقهُ، لكن قلوبنا بلا أبواب، فما أقسى أن نصنع للقلبِ بابًا من آلامنا وذكرياتنا نحصن بها القلب من عابرين يتخذون أرواحنا معابر للحظات شوقٍ غابرة.

فأحلامنا باتت صورةً أخرى لما نعجز عن مواجهته في الحياة، الأنفاسُ متلاحقة، الخُطى ثقيلة، نترك آثارنا على الأرض لا بفعل أعمالنا، بل بثقل ما تحملهُ أنفسنا، جريحٌ يتكيء على أعرج، آهاتٌ مكتومةٌ تخرج من الصدور، ظهورٌ حنتها ضربات الحياة، الدمعُ أثخن من المعتاد،  يتساقط متبخرًا في الهواء، ثم غيمةً تهطل بأحزاننا مجددًا، نغتسل من أحزاننا بدموعنا، خيباتٌ لا تفاضل فيها، لا خيارٌ من خيار، هناك من يواجه خيبة الأب، الأم، العائلة، الصديق، الحبيب، والكلٌ يبحث عن كتفٍ يتكيء عليه، ويذهل المرء حين تسقطُ تلك الكتف، فيتوالى السقوط، الكلُ يئن، ولكلِ أنين صوت.

اترك رد