بورتسودان:صديق رمضان
بخطوات متثاقلة، ينهض أحمد ابن الاربعة عشر عاماً من مرقده، فالحماس الذي كان يملأ جوانحه عند بداية العام الدراسي، بدأ في التلاشي رويداً رويداً، وقبل شروق الشمس يخرج من منزل أسرته بقرية التر والترار والسلامات بمحلية الدالي والمزموم بولاية سنار بخطى متكاسلة وتبدو حقيبته كمن يضع في ظهره ما تنوء بحمله الجبال.
زهد اليافع في الدراسة، ليس لضعف مستواه الاكاديمي، بل لأنه مطلوب منه أن يقطع أربعة وعشرون كيلو ذهاباً وإياباً مشياً على الأقدام، وصولاً الى مدرسة ابوعريف المختلطة. وحظ أحمد رغم معاناته يبدو أفضل حالاً من عائشة التي رفض أهلها التحاقها بالمدرسة الثانوية رغم نجاحها الباهر في شهادة الأساس بدعوة اختلاط المدرسة .
معاناة ومكابدة
الصغير أحمد مثل غيره من طلاب هذا الجزء من البلاد وتحديداً منطقة ابوعريف التي تُعد إحدى المحليات الحدودية بولاية سنار، حيث تقع على تخوم دولة جنوب السودان. فالذي يريد إكمال مشواره التعليمي، عليه أن يقطع مشواراً مرهقاً يومياً من قريته وصولاً الى المدرسة بأبي عريف، وهذا بحسب محمد وهو من قرية جبل بنا يمثل لهم هاجساً مؤرقاً ومزعجاً، خاصة في فصل الخريف. ويكشف عن أن المدرسة تبعد عن منطقته خمسة عشر كيلو، وأنه مع زملائه يعانون كثيراً في الوصول الى مدرسة ابوعريف وأن حضورهم الحصص الأولى رهين بالحظ. ويقول «قد تأتي سيارة وتختصر علينا المشوار وربما لا تأتي. الناس هنا ظروفهم المادية صعبة ولايمكنهم توفير ترحيل بانتظام للطلاب «. أما زميله عثمان، فإنه يعتبر نفسه أفضل ويقول ضاحكاً الحمد لله امتلك دراجة هوائية أتحرك بها يومياً بين قريتي وابوعريف. ورغم أجواء الخريف والشتاء التي تجعل قيادتها أمراً قاسياً، إلا أنها تضمن لي الوصول في وقت مبكر لحضور الحصص الأولى .
جهد شعبي
منطقة ابوعريف والقرى المحيطة بها التي تبلغ ثماني قرى، ورغم ثراء مواردها خاصة على صعيد الزراعة والثروة الحيوانية، وبرغم من أهميتها الإستراتيجية، غير أنها تفتقد الى أبسط المقومات. فالناس هنا ما يزالون يعتمدون على الحفائر في توفير مياه الشرب لهم ولماشيتهم، حيث لا وجود لشبكات المياه. أما الكهرباء فهم يعتبرونها ترفاً وحلماً يبدو بعيد المنال رغم أن خزان سنار يقع على بُعد بضع كيلومترات لا تتجاوز الثمانون. وتردي الخدمات يشمل التعليم أيضاً الذي يمثل هاجساً مؤرقاً، فالمدرسة الثانوية المختلطة تأسست بالجهد الشعبي، بالإضافة الى تبرع من الوزير في العهد المباد عبد الحليم المتعافي الذي له استثمارات زراعية بالمنطقة. ففي العام 2008 تحول حلم المواطنين الى واقع حينما شيدوا المدرسة الثانوية التي أسهمت في دفع العملية التعليمية بعد أن كان طلاب المنطقة لا يجدون حظهم من التعليم، والآن يوجد في المدرسة 279 طالباً وطالبة حيث يبلغ عدد الطالبات 146 طالبة. تقول أسماء إن المدرسة ورغم أنها مختلطة، إلا أنها أسهمت في إكمالهن لمشوارهن الدراسي .
أزمة مستقبلية
توفر المدرسة لا يعني أن التعليم في هذه المنطقة يمضي كما هو مطلوب، فالواقع يوضح أن بُعد ابوعريف عن القرى المستفيدة من المدرسة ألقى بظلال سالبة على الفتيات اللواتي لايرغب أهلهن في إرسالهم الى المدرسة الثانوية بعد نجاحهن في مرحلة الأساس، وهنا يشير القيادي البارز بالحرية والتغيير بالمنطقة بكري أحمد الفكي الى أن أسباب عزوف الأسر عن إكمال فتياتهم تعليمهن في المرحلة الثانوية، يعود الى عدد من الأسباب أبرزها أن المدرسة الثانوية مختلطة، وهذا الأمر حرم فتيات القرى المجاورة من ابوعريف من الدراسة الثانوية رغم تفوقهن الباهر في المرحلة الثانوية. ويضيف بكري: الأسر هنا خاصة في القرى لاتحبذ فكرة دراسة الفتيات مع الأولاد في المرحلة الثانوية لحساسيتها، كما أن عدم وجود داخلية من الأسباب الاخرى التي تحرم فتيات القرى من مواصلة مشوارهن التعليمي.
ويلفت بكري الى أن البديل هو تزويجهن في هذه السن الباكرة. ويقول إن الطالبات معظمهن إن لم يكن جلهن من منطقة ابوعريف .
داخليات الأهالي
عثمان القادم من قرية المجمع بقدر سعادته باقترابه من إكمال المرحلة الثانوية، إلا أنه يبدو حزيناً من تسرب زملائه عن التعليم. ويقول إن عدداً من أبناء القرى ولبعد المسافة لايستطيعون إكمال مشوارهم التعليمي، بيد أن الصغير يفاخر بأخلاق وكرم أهل ابوعريف الذين يقول إنهم احتضنوا الطلاب الوافدين من القرى ووفروا لهم كل معينات النجاح ووسائل الراحة حتى يتمكنوا من إكمال تعليمهم. وما ذهب إليه الصغير عثمان، لايبدو غريباً على سكان ابوعريف الذين اشتهروا بالكرم والجود، وظلوا منذ نشأة المدرسة الثانوية يحتضنون أبناء القرى المجاورة وينزلونهم منزلة أبناءهم في التعامل.
جراحة مؤلمة
رغم تمسك أهل المنطقة بقيمهم وأخلاقهم بالمحافظة، غير أن وجود مدرسة ثانوية مختلطة يعد شائهاً ونادر الحدوث بمختلف ولايات البلاد، وهو الأمر الذي لفت نظر عضو المجلس السيادي البروفيسور صديق تاور الذي بدأ منزعجاً لهذا الواقع ومتأسفاً له في ذات الوقت، فكان أن طلب من والي سنار ضرورة فصل البنات عن الأولاد في المدرسة، وبالفعل ورغم محدودية الإمكانيات كما يقول الناشط بكري أحمد الفكي فإن إدارة المدرسة لم تجد حلاً غير فك الاختلاط عبر تخصيص يوم للطالبات وآخر للطلاب، ويقول إن هذا الحل ورغم ضرورته، إلا أنه يؤثر سلبياً على الطرفين من واقع تقلص ساعات الدراسة في الأسبوع، ويرى أن هذا له انعكاسات سالبة على نتيجة الطلاب والطالبات في الشهادة الثانوية.
أزمة مستفحلة
قرى ابوعريف تبدو خدماتها موغلة في التردي وكأنها سقطت عن حسابات الحكومة، وقد يبدو طبيعياً شرب المواطن من الحفائر رغم خطأه بيد أن الأمر الذي لم نجد له تفسيراً أن قرية كاملة وهي التروس التي تضم العائدين من دولة جنوب السودان البالغ عددهم سبعة آلاف مواطن لاتوجد بها مدرسة أساس رغم أن عدد الصغار الذين يفترض بهم أن يكونوا داخل حجرات الدراسة وعددهم سبعمائة طفل، واذا كانت المدرسة الثانوية تشكو الاختلاط، فإن هذا الأمر ظل موجوداً حتى على نطاق مدارس الأساس بابوعريف حاضرة الوحدة الإدارية وتحديداً مدرسة علي بن ابي طالب المختلطة، وعدم توفر مدارس الأساس لايقتصر على التروس فعدد من القرى تشكو من هذا الأمر وحتى التي توجد بها فإنها غير مكتملة ولايجد الصغار غير القبول بواقعهم المزري حتى يتمكنوا من إكمال مسيرتهم التعليمية .
تاور على الخط
عضو المجلس السيادي الدكتور صديق تاور، أفرد اهتماماً واسعاً لقضية وجود مدرسة ثانوية مختلطة بابوعريف ويقول في حديثه (للإنتباهة)، إن هذا الأمر يحتاج الى تدخل وعلاج سريع، لجهة أن الكثير من الأسر لاتفضل إرسال فتياتها الى مدارس مختلطة، خاصة في القرى التي تشتهر مجتمعاتها بالمحافظة على القيم. ويرى أن في هذا ظلم يقع على الصغيرات اللاتي أكد على حقهن في إكمال تعليمهن حتى الجامعة، لجهة قناعته الراسخة بأن المرأة هي نصف المجتمع وأن تعليمها يسهم في أداء رسالتها على الوجه الأكمل. وينوه تاور الى أن المطلوب في المرحلة القادمة تشييد مدرسة للبنات تحوي بخلاف الفصول والمكاتب داخلية حتى تجد فتيات القرى حظهن كاملاً من التعليم، مبدياً تفاؤله بتجاوب المجتمع مع هذه القضية ومساهمته في تشييد المدرسة وأضاف: المجتمع السوداني في مثل هذه المبادرات رائد ومعلم فهو ظل يؤدي رسالته ودوره على أكمل وجه وفي كثير من الأحيان يتقدم على الحكومة.
سرعة التنفيذ
أما والي سنار الذي مثلت له المدرسة الثانوية المختلطة هدفاً يسعى الى إيجاد حل نهائي له، فإنه لم يكتفِ بوضع هذه القضية منضدة عضو مجلس السيادة البروفيسور صديق تاور، بل عمل على إصدار توجيه بفصل البنات عن الأولاد منتصف العام الدراسي هذا، وبدأ واثقاً من استجابة المجتمع لتشييد مدرسة حديثة للفتيات حتى يتمكن من ارتيادها في العام الدراسي القادم.
مبادرة وتحركات
قذف الدكتور صديق تاور بكرت تشييد مدرسة للبنات بمنطقة ابوعريف الى ملعب المجتمع، ممثلاً في عدد من الشخصيات أبرزها الأمين الشيخ مصطفى الأمين الذي أعلن عن استعداده للتبرع السخي للإسهام في تشييد المدرسة، وبجانبه شركة تاركو للطيران، صحيفة (الإنتباهة) وعدد من شركات التأمين، فيما أعلن الناشط بكري أحمد الفكي أن مواطني ابوعريف والقرى المجاورة سيكون أيضاً لهم نصيب وافر في دعم مشروع تشييد مدرسة البنات. وقال إن الفترة تُعد كافية لتشييدها قبل بداية العام الدراسي الذي ينطلق في شهر يوليو، مشيداً بكل الجهات التي أعلنت عن مساهمتها في هذا العمل الذي يصفه بالوطني الذي يتسق مع مبادئ وأهداف ثورة ديسمبر المجيدة، لافتاً الى أن مواطني هذا الجزء من البلاد عانوا كثيراً من الظلم والتهميش خلال العهد المباد، وأن إنصافهم يجب أن يكون من أولويات المرحلة القادمة، لجهة تأثيرهم الاقتصادي وإسهامهم في رفد الخزانة العامة عبر الإنتاج الزراعي والحيواني .
The post مدرسة ابوعريف المختلطة..عضو السيادي يوجِّه.. ووالي سنار يستجيب appeared first on الانتباهة او لاين.