<
p style=”text-align: justify;”>
صديق رمضان
لم يأتِ تعليق التفاوض في مسار شرق السودان في منبر جوبا لثلاثة أسابيع مفاجئاً، فالشواهد ومُعطيات الواقع كانت تذهب في هذا الاتجاه، الذي ورغم أن طريقه كانت محفوفة بالمخاطر إلا أن طرفي التفاوض والوسيط لم يجدوا غير المضي قدماً فيها، انطلاقاً من القاعدة الراسخة التي تشير إلى أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع.
ومسار الشرق في مفاوضات منبر عاصمة جنوب السودان، جاء كنتاج طبيعي لوجود عدد من مكونات الإقليم بالجبهة الثورية وعلى رأسها الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة، ومؤتمر البجا المعارض، ومؤتمر البجا المسلح، بالإضافة إلى مؤتمر البجا التصحيحي الذي ينضوي تحت لواء الحركة الشعبية شمال جناح عبدالعزيز الحلو، والمكونات السياسية الأربعة كان يفترض بها أن تنوب عن أهل الشرق في مفاوضات جوبا مثلما فعلت جبهة الشرق في العقد الأول من هذه الألفية، حينما وقعت اتفاق سلام مع حكومة العهد المباد في أسمرا عام 2006، غير أن المتغيرات التي شهدها الإقليم جاءت على عكس ما يشتهي رفاق أسامة سعيد، والأمين داؤود وفكي، الذين كانوا يأملون في تحقيق مكتسبات لهذا الجزء من البلاد الذي اشتهر بثالوث الفقر، والجهل والمرض الناتج من التهميش منذ الاستقلال -كما يؤكد أهله- والذين طرقوا مبكراً أبواب المركز ودفعوا في العام 1958 بمذكرة ضافية عبر رفاق الدكتور بلية من المؤسسين لمؤتمر البجا، توضح التهميش الذي يعاني منه الشرق، غير أن القوة التي تمثل الإقليم في مفاوضات جوبا لم تتوقع أن تأتي الرياح بما لا تشتهي.
فعديد من مكونات الشرق كان له رأي في الذين يتفاوضون باسمهم في جوبا ووضح هذا جلياً خلال زيارة رئيس الجبهة الشعبية المتحدة الأمين داؤود إلى بورتسودان في نوفمبر والتي صاحبتها أحداث دامية أودت بحياة تسعة مواطنين في المدينة، وكانت تلك الحادثة مؤشراً على أن أهل الشرق ليسوا على قلب رجل واحد مثلما كانوا في أسمرا، ليتسارع إيقاع الأحداث بظهور تيارين أحدهما مؤيد لمسار الشرق وداعم للذين يفاوضون باسم الإقليم وكان على رأسهم رجل الدين الشيخ سليمان بيتاي، وعلى الضفة الأخرى من النهر وقف الرافضون لمنبر جوبا والمدافعون عن اتفاقية الشرق وتقدمهم ناظر الهدندوة محمد الأمين تِرك، كلاهما تحدث لـ(الانتباهة) في حوارين منفصلين كل منهما ذهب في اتجاه مغاير للآخر.
ومع اقتراب بداية التفاوض بجوبا على مسار الشرق منتصف هذا الشهر، تباينت الآراء بشدة بين مؤيد ومعارض ليحدث استقطاب حاد اعقبه اصطفاف قبلي غير مسبوق، افرز عن تبلور تيارين مع وضد الذين يفاوضون باسم الشرق في جوبا، وحيال هذا الاحتقان الذي كان يُنذر بشر مستطير لم تجد الحكومة الانتقالية التي تدرك عمق المُهدِّدات بالشرق، غير إعمال مبدأ الحكمة الذي تمثل في إرجاء التفاوض في هذا المسار الى حين عقد مؤتمر تشاوري في النصف الأول من يناير المقبل، يتواضع عليه أهل الشرق على القضايا التي يريدون وضعها على طاولة التفاوض بالإضافة إلى اختيار من يمثلهم، وفي مؤتمرين صحفيين بـ(سونا) فإن المؤيدين لمسار الشرق أكدوا على دعمهم المطلق لمن يمثل الشرق، فيما رحب المعارضون للمسار بقرار تعليق التفاوض، غير أن الطرفين اتفقا على أن تشرف الحكومة على المؤتمر التشاوري المزمع عقده في يناير.
وقبل حلول شهر يناير فإن المراقبين يتخوفون من أن يكون للاصطفاف القبلي انعكاسات سالبة على المؤتمر التشاوري من واقع أن رجال الإدارة الأهلية باتوا هم الأعلى صوتاً، بعد أن توارى قادة سبعة عشر حزباً شرقياً عن المشهد وتركوا الملعب للشعبيين الذين يرفضون اتهامهم باختطاف القضية ويؤكدون على أن تدخلهم جاء نتاج طبيعي لحرصهم على النسيج الاجتماعي من التشرذم والتباعد، ونوهوا خلال المؤتمرين الصحفيين اللذين شهدتهما العاصمة الخرطوم، الى أن الإدارة الأهلية تمتلك حقاً أصيلاً في المشاركة السياسية، فيما يعتقد آخرون أن القضية انحرفت عن مسارها وتحولت من صراع سياسي الى قبلي، ويؤكدون أن هذا ليس من مصلحة الإقليم، وبين هذا الرأي وذاك يقف في المنتصف أصحاب الرأي الذي يعتبر أن حالة السيولة التي يعاني منها الشرق من إفرازات التغيير السياسي الذي شهدته البلاد في أبريل، وهؤلاء يعتقدون بأن الموضوعية مطلوبة في التعاطي مع هكذا قضايا، لجهة ان الادارة الاهلية في الشرق لا يزال لها تأثير على مجريات الأحداث وان تجاوزها واقصاءها أمر صعب التحقيق في الوقت الراهن، ويطالب أصحاب هذا الرأي بضرورة أن تعمل كل الأطراف من أجل قيام المؤتمر التشاوري حتى يكون مخرجاً للشرق من مشكلاته السياسية والقبلية، وسبباً في توحيد مكوناته حول قضية مركزية واحدة.
The post في انتظار المؤتمر التشاوري.. مفاوضات الشرق الاصطفاف والتنازع القبلي appeared first on الانتباهة او لاين.