يقول أحد الحكماء : (التاريخ مركبة يقودها العظماء من الرجال) وأود أن أدلل على تلك الحكمة بشواهد ماثلة أعظمها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي غيّر وجه البشرية إلى يوم القيامة وأحدث أكبر تحوّل في التاريخ، ثم بشاهد آخر يتمثل في الزعيم النازي أدولف هتلر الذي لو لم يحكم ألمانيا لما قامت الحرب العالمية الثانية ولما أصبح العالم على النحو الذي نراه اليوم.
في السودان لو لم يولد رجل يسمى محمد أحمد المهدي لما كان السودان الحالي وهكذا هو التاريخ ، رجال (مفتاحيون) يصنعونه ويغيّرون مساراته.
أقول هذا بين يدي التغيير الذي يقوده رئيس الوزراء الجديد معتز موسى هذه الأيام في مسار الأداء الحكومي المتعثر فبالرغم من أن الرجل في بداياته فإنه يتمتع بأسلوب متميّز ومُدهش ومُختلف ليس أقله استخدامه تطبيق (تويتر) الإلكتروني في التفاعل مع المواطنين مما يؤكد تعاظم دور المُمسكين بأعنة الأمور ممن في مقدورهم أن يفتحوا الأبواب ويغلقوها في وجه التغيير، فبمثلما كان معتز ينتظر دوره من بين ركام (الخرمجة) التي أمسكت بخناق البلاد خلال الفترة البؤس الماضية ، ليقود التغيير الذي نشهده هذه الأيام كان د.عبدالوهاب عثمان (ابوشلوخ) يغادر موقعه ويزاح من وزارة المالية بعد نجاح كبير استجابة لمراكز القوى التي فعلت ولا تزال بالسودان الأفاعيل.
رغم تفاؤلي بمعتز فإنني لا أضمن نجاحه المطلق لأن للنجاح مطلوبات تتجاوز الشخصية المحورية إلى الظروف المحيطة والتي كثيراً ما تكون أقوى منه، ولكن دعونا ندعو له الله القوي أن يكف عنه مراكز القوى والحفّارين!
أعود لأكرر القول عن تعاظم دور الكبار في اختيار صناع التغيير فقد رأيت نماذج من عاطلي الموهبة ممن عاصرتهم خلال العمل السياسي الموبوء بنماذج طفيلية من (الوصوليين) الذين احتلوا مواقع دستورية عليا رغم أنهم لا يستحقون غير الانزواء في أركان النسيان وأجزم أنه لا فرق بين وجود هؤلاء وعدمهم سوى العبء الذي يشكلونه على مسيرة التاريخ وعلى الموارد الشحيحة للدولة.
اكتفي بهذه المقدمة لأعبر عن استغربي لأسلوب خبط العشواء الذي يتم به اختيار الأفراد للمواقع القيادية والذي لا يحفل كثيراً بالكفاءة التي ينبغي أن تكون هي المعيار الأوحد لشغل المناصب الدستورية.
أقفز من هذه الخواطر لأقول إنه قد أعجبني في هذا الصدد مقترح مفيد دفع به الصحفي يوسف عبدالمنان لإجراء تبديل لموقعي الأخوين المحترمين د.عثمان البشير الكباشي والطيب حسن بدوي بحيث يشغل الكباشي موقع (مدير مركز دراسات المستقبل) الذي يتناسب مع مؤهلاته وقدراته واهتماماته ويعود الطيب إلى موقع رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة الذي كان قد شغله كوزير قبل سنوات بنجاح تام في ولاية الخرطوم.
يكتسب الاقتراح مشروعيته من خلفية أن شخصية الطيب الذي وصفته في مقال سابق بأنه (يمشي جارياً) كناية عن حيويته ونشاطه الجم تتناسب مع العمل في المجال الرياضي كما أن عثمان الكباشي أبدى زهداً في تولي رئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة الذي لا يلائم اهتماماته ولا علاقة له بشخصيته المولعة بمجالات الثقافة والفكر والبحث العلمي، ومعلوم عن الكباشي أنه يتمتع بفصاحة ولسان طلق ربما هو الذي أهله قديما لتولي رئاسة اتحاد طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم ثم رئاسة الاتحاد العام للطلاب السودانيين، لكن ماذا نعمل مع ترشيحات خبط العشواء التي كثيراً ما (يقطعها) الحزب الحاكم (من رأسه)؟!
أثق أن عثمان الكباشي ، لو تم التغيير ، سيمنح ذلك المركز البحثي شيئاً من أنفاسه ليفيد في تقديم البدائل ورسم الاستراتيجيات التي تسهم في تحديد مسار الدولة السودانية سيما وقد أضحت تلك المراكز مواقع فارغة ينعق فيها البوم ولا يشغلها إلا من تسعى الحكومة إلى استرضائهم.
لا أزال أضرب كفاً بكف تعجباً من إعلان نائب رئيس المؤتمر الوطني أسماء من اختيروا لشغل المناصب الوزارية بدلاً من أن يعلن ذلك رئيس الوزراء الذي يفترض أنه هو الذي يختار من يعملون معه.
لم أقصد بهذا المقال الطيب والكباشي فحسب بقدر ما قصدت أن اشير إلى أن أسلوب (شختك بختك) هو الذي يسود فعلنا السياسي بالرغم مما يجره ذلك من آثار كارثية كان من الممكن تجنبها لو أحسنّا تدبير الأمور في بلاد تعاني من ضائقة اقتصادية تستدعي نمطاً آخر من التفكير .