اخبار السودان لحظة بلحظة

هزيمة السوق الموازي واجب وطني

كلما أتمعن في التحرّكات الدؤوبة والمبادرات الجريئة والمتتالية التي دفع بها رئيس الوزراء معتز موسى لإصلاح الشأن الاقتصادي، أتساءل لماذا تأخّر قرار التغيير طوال فترة العجز والجمود التي جثمت على البلاد بكلكلها خلال الأشهر القليلة الماضية، وأوشكت أن تُرديها قتيلة؟!

أقولها من خلال رصد (عشوائي) سريع إن تفاعل المواطنين مع قرارات وتحرّكات معتز وتغريداته عبر الوسائط يتصاعد بوتيرة عالية، كما أن الآمال تشرئب بعنقها إلى السماء مُمَنِّية المواطنين المتفائلين – بعد صبر جميل – باقتراب الفرج ونزول المن والسلوى عليهم، الأمر الذي يقتضي أن تتفاعل كل أجهزة الدولة لإنجاح التغيير، وإزاحة كل المُعيقات عن طريقه الممتلئ بالحفر والألغام.

ذلك يقتضي أن نخرج من (الصندوق التقليدي)، لنفكّر بنهج إداري جديد لا يُجدي غيره في بلاد لا تتعامل مع النظم الإدارية المُتعارف عليها في العالم، فنظام تفويض الصلاحيات مثلاًDelegation of powers لا يجدي في السودان في كل الأحوال، خاصة عند عجز المفوّض عن إنجاز مهمته، وقد عانيتُ كثيراً من ذلك خلال فترة عملي الإداري الطويل، لذلك أنصح معتز بأن يتعامل مباشرة مع الأمن الاقتصادي أو خلية مختارة منه، وأخرى من الإعلام لمساعدته في إنجاح الحرب على تجّار السوق الموازي الذين خبروا عبر عقود من الزمان وسائل إفشال كل المحاولات الإصلاحية.

في وقت سابق، عندما كان الفرق شاسعاً بين السعر الرسمي والسعر الموازي، لم يكن هناك مُبرّر كافٍ لتجريم تهريب الذهب أو بيعه خارج بنك السودان، كما لم تكُن هناك حُجة مقنعة للمغترب لبيع عملته الحرة من دولار وريال ودرهم وغيرها بالقنوات الرسمية، أما الآن وقد حُرّر السعر وتجاوز السوق الأسود الموازي، فإن من حق الدولة أن تُجرّم وتعاقب وتُضيّق الخناق على من يتجاوز القنوات الرسمية.

هناك صنفان من المتعاملين بالعملة الحرة، أولهما المغتربون الذين أعلم أن معظمهم متعلمون ومثقّفون يعلمون قيمة وطنهم الذي يريدونه شامخاً مُحلّقاً فوق الثريا، كما يعلمون قيمة أهليهم ومواطنيهم الذين يعانون ويكابدون، لذلك فإنهم هم الأجدر بأن يذكروا ببيت أمير الشعراء أحمد شوقي :

وللأوطان في دم كل حرٍّ

يد سلفت ودين مستحق

فلوطنهم عليهم حق ودين آن الآوان لأن يسددوه، سيما وقد أخذ الأمل ينسرب إلى قلوبنا وعقولنا ومشاعرنا جراء السياسات الجديدة المُنصِفة للمغتربين، ولا أظن أن الجاليات الأخرى كالمصرية والإثيوبية أكثر حرصاً على مصلحة أوطانها من أبناء السودان، وليت تنظيمات الجالية السودانية في السعودية والخليج خاصة تلعب دوراً بارزاً في التصدّي لتجارة العملة خارج القنوات الرسمية، ورصد أولئك التجّار الخارجين على القانون والمُحاربين لأوطانهم وشعبهم في بلاد المهجر، كما يُرجى من جهاز المغتربين التعجيل بتطبيق حزم الإعفاءات والتسهيلات المقرّرة لمن يتعامل مع القنوات الرسمية، وقد سمعتُ عن تلك الحِزم أكثر من مرة من أمين جهاز المغتربين د. كرار التهامي، فهي مع الأسعار الجديدة للعملة ستُزهِّد المغتربين في التعامل مع تجار العملة الذين يعمل بعضهم في الخارج، حيث يقبضون من المغترب ويسلم مندوبوهم في الداخل أهله وغيرهم المقابل بالسعر الموازي.

سبق أن ذكرتُ أن هذه السياسة نجحت منذ عقد سبعينات وثمانينات القرن الماضي، حين كُنا مغتربين في الخليج.

نحتاج إلى إعمال القانون في التعامُل مع تجار الدولار سواء (الحايمين في برندات السوق العربي) أو محركيهم من القطط السمان المعلومين للدولة وبعض هؤلاء يُحصّنون أنفسهم بالتبرع لأجهزة الدولة وبأعمال (الخير) التي يحرصون على الإعلان عنها بشتى الوسائل، ويجب ألا تُستغفَل الدولة بهذه العطايا الملغومة.

أنقل لكم نصاً أخذته من مقال للأخ ضياء الدين بلال، مما ينص عليه القانون المصري في التعامل مع تجار العملة: (يُعاقَب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وبغرامة تساوي المبلغ محل الجريمة كل من يتعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك المعتمدة أو الجهات المُرخّص لها بذلك، كما تنص على أن يُحكَم في جميع الأحوال بمصادرة المبلغ محل الجريمة).

نحتاج إلى التعجيل باستصدار تشريعات حازمة وصارمة للتعامل مع هؤلاء التجار الذين لطالما خرّبوا اقتصاد البلاد ولا مجال للسماح بتكرار الأزمة الاقتصادية التي لم يشهد السودان وشعبه لها مثيلاً في تاريخه الطويل.

اترك رد