اسمحوا لي قرائي الكرام بأن أعيد نشر هذا المقال، نظرًا لأهميته ثم حتى يطلع عليه مولانا رئيس القضاء بروف حيدر دفع الله، ومولانا النائب العام عمر أحمد محمد ووزيرة التربية مشاعر الدولب، ورئيسة لجنة التعليم بالبرلمان د. انتصار أبوناجمة سيما وقد صرحت الوزيرة بأنها بصدد ابتدار حملة لمراجعة للمناهج.
آخر الفقرات في هذا المقال قصدتُ بها أن نركز في المناهج التعليمية على أولوية (بناء القناعات) لدى الأطفال خاصة في مناهج التربية الإسلامية، بعد أن ثبت لنا أن مناهجنا لم ترسّخ قيم الدين والتديّن لدى الأطفال، كما لم تحصنهم من الإلحاد والمعتقدات الخاطئة والسلوكيات المنحرفة التي رأينا نماذج منها في برنامج (شباب توك) وغيره، وفي المخدرات التي انتشرت والفواحش التي باتت تتبرّج أمام أنظارنا صباح مساء.. لماذا يحفظ أطفالنا السور الطويلة ثم ينسونها في اليوم التالي للامتحان؟ لأنها دراسة (تجارية) تضل الطريق إلى الأهداف الاستراتيجية الصحيحة، فما هو الحل غير إعادة النظر في مناهج التعليم؟ أترككم مع المقال:
ويُصاب المجتمع هذه المرة بفاجعة أكبر من تلك التي دهمت الأطفال الثلاثة الذين اعتدى عليهم وحش بشري لا أظن أن وحوش الدنيا بأجمعها يمكن أن تقترف ما ارتكب من جرم تشيب لهوله الولدان.
هذه المرة جاءت الكارثة من إمام مسجد وشيخ خلوة قرآنية بمدينة القضارف، استودعه الناس أطفالهم ليعلّمهم كتاب الله تعالى، فإذا به يغتصبهم مرتكباً بذلك أبشع وأفظع فعل يمكن أن يأتيه بشر .
لم تنزل آية: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) إلا لتعظيم خطر الجُرم الذي يأتيه أهل المثال والقدوة، فقد ذكرت آي القرآن نساء النبي بأنهن يختلفن عن نساء أهل الأرض جميعاً من حيث التكليف لعظم ما يترتب على ما يقترفن من أفعال يمكن أن ترتج لها جنبات الكون.
وهكذا هو الحال بالنسبة لمعلم القرآن الكريم خاصة للأطفال، فإذا كان الحديث الشريف منح الخيرية لمعلم القرآن بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه)، فإن من يعلّم القرآن (وكمان) في خلوة أو مسجد يتعاظم أجره كما يتعاظم جرمه إن فعل فعلاً مشيناً في حق أطفال صغار عُهد إليه أن يرفعهم إلى ذرى كتاب الله العلوية لا أن ينحط إلى درك سحيق يتأبّى أي صاحب طبع سليم ولو كان كافراً أو جاهلاً عن مجرد التفكير فيه!
لذلك، فإن عقوبة ذلك الوحش الشيطاني ينبغي أن تًضاعَف، وتشتد بفقه نساء النبي وقبل ذلك أن يعجل بها ولو كان الأمر بيدي لربما أوقعت العقوبة في نفس يوم ارتكاب الجريمة ولكن!
العبرة الكبرى في ذلك الحادث البشع تتمثل في ارتداداته التي لا تُعد ولا تُحصى، فكيف بالله عليكم يثق أحد بعد الآن في آخر مهما عظُمت القرابة إذا تحوّل حُفّاظ ومعلمو كتاب الله وفي أقدس مقدساته وأعني بها المساجد والخلاوي إلى وحوش كاسرة تفتك بل وتغتصب تلاميذها الصغار الذين استؤمنوا عليهم ليحيلوهم إلى حفظة لكتاب الله لا ليعكروا حياتهم ونفوسهم الغضة بأبشع فعل يمكن أن يعلق بذاكرتهم البريئة؟!
كيف يحدث ذلك من مدرسي القرآن الذين يفترض أنهم الأقرب إلى أن يكونوا ربانيين والأكثر تأهيلاً لصناعة الربانيين: (…وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)؟!
ثم يأتي الشق الأكثر إيجاعاً وإيلاماً من منظومة العدالة، فبالرغم من ثبوت حدوث الواقعة مع ثلاثة أطفال من خلال تقارير طبية أعف عن ذكر تفاصيلها المؤلمة، تعطل العدالة وتؤجل الجلسات بطلبات تفري الكبد وتفقع المرارة من محامي المتهم الذي زعم أن موكله يعاني من عجز جنسي، ثم قال إن فحص العجز الجنسي لا يتوافر في البلاد بالرغم من شهادة مستشفى الشرطة بخلاف ذلك!
تذكرت كيف تمكنت الفيفا من منع خداع اللاعبين الذين يدّعون الإصابة حتى يحصلوا على ركلات جزاء أو غير ذلك، بإنذار ومعاقبة اللاعب المخادع.. لماذا بربكم لا يُعاقب المحامي الذي يعمل على تعطيل العدالة؟
أقول مخاطباً عالمينا الجليلين مولانا رئيس القضاء حيدر دفع الله، ومولانا النائب العام عمر أحمد محمد، كما خاطبتهما من قبل في قضية الأطفال الثلاثة الأشقاء الذين اغتصبوا من وحش بشري آخر .. ألا يوجد سبيل للتعجيل بإجراءات التقاضي بحيث يحسم، من خلال الردع القانوني، من يعطل إجراءات التقاضي ثم ألا يمكن أن تختصر الإجراءات متى ما تبيّنت الحقيقة بمنع المطاولات التي يختلقها (بعض) المحامين بغرض تضخيم أجورهم؟
ناهيك عن ذلك كله، لماذا لا يعجل بحسم أنواع معينة من الجرائم القبيحة مثل اغتصاب الأطفال مثلاً من خلال إجراءات استثنائية؟
في قضية الثلاثة أشقاء تقدم بالدعوى النائب العام مولانا عمر أحمد محمد بنفسه بعد أن وصل إلى درجة اليقين فما الذي يعطل العدالة لعدة أشهر ثم لماذا لا تعقد الجلسة التالية في اليوم التالي مباشرة وتكثف الجلسات حتى يصدر الحكم النهائي، ولماذا لا يمنع الاستئناف في القضايا الثابتة يقينياً؟!
لن يحدُث ذلك إلا بثورة تنتظم سلك العدالة المقيّد حتى الآن بالنظم العدلية الأوربية.
أما الوحش البشري، فهو لا يعدو أن يكون مجرد (حمار يحمل أسفاراً) ولم يلامس القرآن بشاشة قلبه وليست إمامة الصلاة إلا وظيفة (أكل عيش)، ولذلك كثيراً ما أطالب بإبدال منهج حفظ القرآن لتلاميذنا بمادة تربية إسلامية بها مختارات منتقاة من آي القرآن والسنة والسيرة تستهدف بناء القناعات لا تحفيظ من أجل الامتحان سرعان ما يطويه النسيان، وليت وزارة التربية تُجري استطلاعاً لطلاب الجامعات والثانويات لتعرف كم منهم لا يزال يحفظ سورة واحدة فقط من الأجزاء الكثيرة التي حفظوها لزوم الامتحان ثم نسوها؟!
أيهما أفيد للدعوة وللإسلام .. عالم غير حافظ للقرآن أم حافظ لا يختلف عن جهاز تسجيل ولم يشرب قلبه بمعاني القرآن وقيمه؟! لماذا قال الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ…..) ولم يقل الحُفّاظ ولماذا لا يُبذل الجهد في صناعة العلماء بأكثر مما يُبذل في سبيل صناعة الحفّاظ؟!
تحدثتُ مع علماء وتنفيذيين حول الأمر ولكن لا حياة لمن تنادي.