أكد عدد من المختصين على وجود ثغرات مالية ومحاسبية وإدارية، صارت منفذاً سهلاً للاعتداء على المال العام والفساد، ساعدها غياب المحاسبة والعقوبات الصارمة والمعلنة ضد المخالفين والمعتدين، واعتبروا أن أرقام الاعتداء الواردة بتقرير المراجع العام مؤشر مخيف، موضحين أن الأوضاع الاقتصادية في ضعف قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، دفعت الكثير من ضعاف النفوس إلى مد أيديهم نحن المال العام.
الكشف العشوائي
المحلل المالي شوقي عزمي، دعا في حديثه الجمعة، وزارة المالية إلى ضرورة وضع الضوابط اللازمة لعمليات الصرف، باشتراط تقديم المستندات المالية للوزارة معتمدة بواسطة أعلى جهة مسؤولة في المؤسسة أو الولاية، وعليها ختم المراجع الداخلي، حتى يكون هناك تقييد وضبط للعمل المالي. وأضاف: تقرير المراجع العام ظل يكشف سنوياً الكثير من عمليات الاعتداء في الميزانيات الاتحادية والولائية، مع العلم بأن المراجع العام يلجأ في بعض الأحيان إلى خيار الكشف العشوائي لاكتشاف المخالفات، ورغم ذلك يجد الكثير من المخالفات.
وأرجع عزمي، سبب الاعتداء إلى ضعف بعض النفوس البشرية لدى بعض المؤتمنين على المال العام، موضحاً أن طبيعة العمل المالي تحتاج بالضرورة إلى وجود مراجع داخلي يتميز بكفاءة عالية لضبط العمل اليومي في مؤسسات القطاع العام، وذلك لمعالجة الخلل المالي عند حدوثه.
واعتبر عزمي، أن الأوضاع الاقتصادية نتيجة لضعف قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار وغلاء تكلفة المعيشة، دفعت الكثير من ضعاف النفوس إلى مد أيديهم نحو المال، مشيراً إلى أن الاعتداء يأخذ صوراً متعددة لا يستطيع المراجع العام أن يضع يده عليها كلها، وربما يكون الاعتداء عينياً أو مادياً مثل التزوير.
مؤشر مخيف
وفي المقابل يذهب المحاسب المالي أحمد جقل في حديثه إلى أن الحرمة والحصانة المالية في الإجراءات المالية ضعيفة، ويتم تجاوزها بسبب عدم وجود عقوبة رادعة، وصار هذا الضعف باباً سهل الدخول للاعتداء على المال العام، وأضاف: ما لم تكن هناك قوانين صارمة وعقوبات رادعة للمخالفين لن يقف الاعتداء على المال العام.
واعتبر جقل الرقم المعلن بواقع (7.6) مليون جنيه كصافي مبلغ جرائم العام غير المسترد في الأجهزة القومية: اعتبره كبيراً ومخيفاً جداً بحسب قوله، وانه مؤشر سيء للحكومة في إجراءات مكافحة الفساد المعلنة من قبلها، وأن السياسات والإجراءات المنفذة لم تُؤت أكلها، مبيناً أن الأسباب الرئيسية لتكرر الاعتداءات هي غياب العقوبات الصريحة والمعلنة للجمهور حتى تكون اتعاظاً للكل، مشيراً إلى أهمية توضيح مفهوم الاعتداء من نواحي هل الاعتداء مخالفة للوائح بتخصيص مبالغ وصرفها في غير بنودها المحددة، أو اختلاسات صريحة تستوجب إحالتها إلى الشرطة والمحاكمة.
الثغرات والصعوبات
وفي السياق، أشار الاقتصادي د. حسين القوني في حديثه إلى أن أرقام ونسب الاعتداء على المال العام الواردة بالإعلام تُظهر أن المال العام ما يزال بعيداً عن سيطرة وزارة المالية وإحكام ولايتها عليه، وهناك ثغرات لفساد مالي وإداري تحتاج إلى الإغلاق، بجانب ثغرات محاسبية وبالنظم الإدارية تساعد على التزوير والاعتداء والفساد، تُمكن المختصين من الاعتداء على المال العام، وأضاف: المسألة المهمة الأخرى تبرز في وجود صعوبة في استرداد المال المنهوب والمعتدي عليه، دون أن يجد المفسدون العقاب الرادع وهذا يدعو إلى أهمية مراجعة النظم المالية والمحاسبية والإدارية للذين يعتدون على المال العام، ودعا القوني إلى ضرورة الإسراع في إصدار القرارات والأحكام في هذا الأمر.
ملامح المخالفات مالية
إلى ذلك كال المراجع العام الطاهر عبد القيوم انتقادات لأداء وزارة المالية ووصفه بـ(الأعوج) وبانصراف عن أداء وظائفها الرئيسية مما أضعف أداء المالية العامة، مؤكداً أن الدولة اضطرت إلى التدخل، وذلك بخلق كيانات لمعالجة الخلل والانحرافات السالبة وطالب المراجع بإحداث تغيير في أداء المالية العامة. وكشف عن تحصيل رسوم بديوان الضرائب خارج الموازنة بمسميات مختلفة، كما تم توريد نقدي مباشر في حساب البنك بواسطة مكلفين دون إرفاق أورنيك (15)، وأشار إلى أن وزارة الداخلية تورد في الحسابات خاصة إيرادات (رسوم ملف دمغة دعم الشرطة وإيرادات المرور والنقد الأجنبي)، مضيفاً أن هناك مخالفات من هيئة الجمارك في توريد الأرصدة بواسطة البنوك المخصصة لبنك السودان.
في سياق آخر كشف المراجع العام، عن عدم توجيه بعض أموال الزكاة في مصارفها الشرعية، وكشف عن مخالفات بديوان الزكاة، وعن وجود 3061 شركة مجهولة تعذر الوصول إليها تمثل 29% من إجمالي الشركات المحصورة بالديوان.
لم يخلُ تقرير المراجع العام من مرتبات (الأشباح) في هذه المرة أيضاً، وأشار المراجع العام إلى صرف مرتبات للعاملين بإجازة بدون مرتب وإجازة مرافقة ولمفصولين من الخدمة ومتوفين وعاملين ببعثات دراسية وعاملين انتهت إجازاتهم ولم يباشروا أعمالهم، وكذلك عاملين تمت إداناتهم جنائياً وإيقافهم بنصف مرتب وتم صرف مرتبات كاملة لهم.
الخرطوم: ابتهاج متوكل
الخرطوم (صحيفة السوداني)