اخبار السودان اليوم

تجمع المهنيين : يكشف عن أدواته في احلال السلام وإزالة التمكين

من جديد يعود المعلمون لمعانقة قواعدهم في ميادين وساحات الخرطوم الخضراء، بعد ندوة بحري ها هم يتركون لنا صدى طيبا في ندوتهم بالخرطوم حي النزهة أمس الأول الخميس، وعندما تتحدث لجنة المعلمين فهي تمثل المهد الحقيقي للتغيير في البلاد، عبر منظومة تجمع المهنيين، التي تعتبر أحد مؤسسيها الأوائل ومن بادر بتكوين التجمع كما يقول رئيس اللجنة بمحلية الخرطوم، ذات الإشكاليات هذه الأيام في كل القطاعات جاء رأي لجنة المعلمين، تغلغل منسوبي النظام المخلوع في المؤسسات التعليمية، ومسؤوليتهم عن خرابها وفسادها، فضلا عن قضايا أخرى تناولتها ندوة الراهن السياسي وكذلك رؤى تجمع المهنيين حول عدد من القضايا.
(1)
كفعل وجد حظه، رحًب تجمع المهنيين السودانيين بقرار وزيرة الشباب والرياضة ولاء البوشي بإنهاء انتداب ممثلين لجهاز الأمن في وزارتها، وطالب جميع الوزراء بإبعاد منسوبي الأجهزة الأمنية من وحداتهم الحكومية المدنية، وشدد الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين الرشيد سعيد في ندوة لجنة المعلمين بضاحية حي النزهة “الخميس” على ضرورة تنقية المؤسسات الإعلامية من ذهنية وخطاب النظام المخلوع، وعاد ليقول: “أصغر وزيرة اتخذت أكبر قرار بإقالة منسوبي جهاز الأمن من وزارتها ونتمنى من كل الوزراء أن يتخذوا ذات القرار” ودعا سعيد وزير الإعلام فيصل محمد صالح لأن يجعل من التلفزيون مؤسسة إعلامية تعبر عن كل السودانيين لا أن يحتكرها أفراد ومنسوبو النظام السابق.
(2)
وعاد سعيد ليبدي أسفه لاستضافة التلفزيون أحد ضيوف البرامج وقوله إن الرئيس المخلوع أسد أفريقيا، وردد الرشيد سعيد بقوله: “زي المنهج والأداء ده مفروض نمشي نقلعو ونمرقو بالقوة”، وأرجع فشل الدولة السودانية في إدارة التنوع لفرض مثل هذه البرامج وإثارتها للروح العدائية بين المواطنين، وقال إن قضية الإعلام يجب أن تتركز حول السلام وإدارة التنوع، من جهته كشف سعيد الأمين رئيس لجنة المعلمين بمحلية الخرطوم في حديثه بالندوة أن إدارات وزارة التربية ومديري معظم المدارس ما زال يسيطر عليها المؤتمر الوطني، وكشف سعيد عن إجراء استطلاع أبدى فيه كل منسوبي وشاغلي المناصب العليا من حزب المؤتمر الوطني عدم انتمائهم للحزب الحاكم المحلول، وردد رئيس معلمي محلية الخرطوم ساخرا: “لم يخجلوا من نفي انتمائهم رغم علمنا به”، مشيرا لتعيين لجنة لهيكلة الوزارة من قبل وزير التربية، فيما أشار لتقديمهم اطروحات حول الهيكلة وتطوير العملية التعليمية، فيما نقل رفض المعلمين لإلغاء إجازة السبت.
(3)
ورفض تجمع المهنيين بصورة قاطعة أي تدخل لمجلس السيادة خاصة العسكريين في قضية السلام وقال إن العسكر واجبهم الحرب وإن صناعة السلام أمر متروك للحكومة المدنية كما نصت الوثيقة الدستورية، فيما أعلن رفضه أيضا لرؤية الجبهة الثورية بتأخير تعيين ولاة الولايات المدنيين لحين توقيع السلام، وطالب بتعيينهم فورا لحلحلة ما أسماها بالمشاكل التي تقع في الولايات والمخاوف أن تتمدد لولايات أخرى، ورأى الرشيد سعيد أن الولاة العسكريين الحاليين هم امتداد لذهنية اللجنة الأمنية التي قامت بقمع المتظاهرين السلميين، موضحا أن تأخير إقالتهم وإعفائهم بسبب الجبهة الثورية ورؤيتها بإرجاء تعيين الولاة المدنيين لحين توقيع السلام، وقال الرشيد “هذا أمر مرفوض ونحن نطالب بتعيين الولاة فورا من قبل رئيس الحكومة حمدوك” وردد: “الناس في الولايات الآن يرون أن من يحكمهم هو المؤتمر الوطني لا ولاة عسكريون”.
(4)
لكن بالمقابل فإن الناطق باسم المهنيين رحب برؤية القائد عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان وقال إنها رؤية واضحة لتحقيق السلام ولا ترتبط بمحاصصة وأن انطلاق مفاوضات السلام من مدينة جوبا أمر مرحب به في التجمع، ودعا الرشيد لاستعداد كافة المهن لدفع فاتورة واستحقاق السلام بالعمل في المناطق التي تأثرت بالحرب خاصة المعلمين والأطباء والمهندسين وبقية المهن، فضلا عن التمييز الإيجابي الحقيقي لأهل تلك المناطق في جميع المجالات، وأضاف: “السلام الحقيقي ليس صفقة بين المحاربين والحكومة وجلسات التفاوض في الغرف المغلقة والعواصم الأجنبية بل سلام شامل من القواعد”، وشدد على أن هنالك بعض الممارسات الشائهة التي تعيق عملية السلام، حيث أشار إلى أن مديرة إحدى المدارس تطرد “مشردين” من حضور حصص محو الأمية، وقال إن “ذلك سلوك يدعونا كتجمع أن نذهب للمدرسة ونقف على سلوك المديرة وإيقافها فورا”.
(5)
وكشف الناطق باسم تجمع المهنيين عن متغيرات في الدراسة التي أعدها التجمع حول الأجور وقال: “بمعايير الزيادات التي حدثت الآن فإن الحد الأدنى الذي حددته الدراسة بواقع (8) آلاف لم يعد كافيا”، فيما طالب الحكومة بضرورة التدخل بإجراءات عاجلة لتحسين الوضع المعيشي للمواطنين، وقال: “ليس مشكلة البنزين وإنما المواطنين الذين يركبون المواصلات ويشعرون بالعناء”، وردد بالقول: “عندما يشعر الناس بأن هنالك قضايا لم تحل ولا تحتمل الانتظار سيخرجون للشارع ويسقطون حكومة تجمع المهنيين وقوى الحرية نفسها”، فيما رأى الرشيد سعيد أن البطء الذي يستشعره المواطنون الآن من جانب الحكومة ليس بسبب الوضع المعيشي وإنما في تباطؤها بمحاسبة وإبعاد رموز النظام السابق، وردد: “أصغر وزيرة في الحكومة وهي وزيرة الشباب اتخذت أقوى قرار بإبعاد منسوبي الأجهزة الأمنية من وزارتها”.
(6)
وفي معرض تغلغل منسوبي النظام المخلوع وسط الأنشطة الحكومية والمؤسسات، يروي الرشيد سعيد أن وزير العدل في زيارته لسويسرا تفاجأ الناس بأن الذي يجلس خلفه هو ضابط في جهاز الأمن كان قد اعتدى بـ(ملتوف) على عضو مجلس السيادة محمد التعايشي” حين كان طالبا بالجامعة، وردد: “وكذلك حدث ذات الامر مع رئيس الوزراء بأن أحد منسوبي النظام المخلوع غادر ضمن وفده من دون علمه”، وشدد الرشيد بأن تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير تدعو بصورة فورية لإبعاد كافة منسوبي الأجهزة الأمنية ومنسوبي النظام السابق من الوحدات المدنية وأماكن اتخاذ القرار، وأردف بقوله: “حتى لا نضطر لإبعادهم بوسائل أخرى خاصة في الأجهزة الإعلامية وهي رسالة لوزير الإعلام فيصل محمد صالح”.

في واشنطن كانت أيادي رئيس الوزراء هي امتداد طبيعي لأيادي من حملوه إلى هناك بثورتهم تهتز هي لتصبح راية الوطن خفاقة و(بتكيل العين) وليرتفع العلم عالياً بين الأمم ونعيد صياغة الأمل نشيداً يا بني السودان (هذا رمزكم)
الخرطوم ـ الزين عثمان
في ديسمبر حيث ابتدأت ثورة الأحلام السودانية كان الشباب والشابات يقفون ببسالة ويرددون نشيد العلم على مقربة من فوهات بنادق الجنود المصوبة إلى قلوبهم، كانت الراية تستعيد قيمتها المسلوبة (كان العلم غالي وبرفرف في العالي)، وقتها تماثلت راية الوطن بحقيقة أنها منسوجة من شموخ النساء وكبرياء الرجال. في حالة كونهم منبهرين بما يفعل أبناء وبنات السودان الجدد يقول الكثيرون لو لم تفعل هذه الثورة غير أنها أعادت لعلم السودان قيمته بين الأمم لكفاها ذلك وأكثر في المواكب التي انطلق بها أصحابها ينشدون الغد والمستقبل كانت ألف حكاية تحدث هناك ولكن مع كل ذلك كان العلم ينطبق عليه التوصيف (كل الحكاية إنك أجمل من تفاصيل الحكاية).

1

هناك في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تقرأ العبارة المرسومة على خلفية الجواز (تذكر أنك سيد العالم)، لا ينسى رئيس وزراء سودان الثورة أنه ابن الملوك الذي يجب عليه أن يعبر عنهم وعن أحلامهم في رؤية بلادهم في المكان الذي يليق بها تقود ولا تنقاد، عليه أن يمسح ثلاثين عاماً من الغياب والتغييب وأن يكون معبراً عن خطاب قوى الحرية والتغيير عند توقيع الوثيقة الدستورية وهي تعتذر عن ثلاثين عاماً من غياب السودان عن المساهمة في التطور والتقدم العالمي، وقتها بدا لسان حال الثورة محمد ناجي الأصم وكانه يقول باللغة الدارجية السودانية (ربنا يجازي الكان السبب).
السودان الذي عاد عقب الثورة لشغل مقعده الأمامي في المنظمات الدولية وكان رئيس وزرائه نجم الكاميرات والقنوات العالمية منهياً قطيعة السنوات بسبب الجرائم المتهم بها الرئيس المخلوع والتي جعلته على رأس قائمة المطلوبين في محكمة الجنائيات الدولية.

2

طوال الايام الفائتة لا شيء يحرك السودانيين غير غبطتهم بالعودة إلى التمثيل الدولي، ولا قصة تتم متابعتها أكثر من قصة وجود رئيس وزرائهم هناك وهو يجالس قيادات العالم بمستوياتها كافة وبالطبع كانت حالة انبهار الإعلاميين به تجد مكانها في التداول. لكن ما توقف عنده الجميع ما حدث في الصورة التي يتم تداولها بكثافة لرئيس الوزراء وهو يعيد علم بلاده إلى مكانه بين أعلام الدول العضوة في الأمم المتحدة. يفعل ذلك ببساطة لكن تكون ردة فعله أنه يسحر ألباب السودانيين الذين يستعيدون معه مشاهد متعددة لارتفاع رايتهم في أوقات سابقة.. كانت صورة رئيس الوزراء وهو يرفع العلم تشبه لحد كبير صورة البطل والعداء السوداني إسماعيل أحمد إسماعيل وهو يمنح بلاده السودان شرف أول مبيدالية فضية في الألعاب الأولمبية في العام 2008 بالصين وتشبه كذلك عودة العلم ليرفرف في نهائيات الأمم الأفريقية في غانا بعد سنوات من الغياب وإن كان الأمر مختلفاً، فهناك ارتفعت الراية السودانية في مناشط رياضية بينما أعاد حمدوك ترتيبها في أكبر مؤسسة ذات طبيعة سياسية في العالم.

3

كانت الصورة الملتقطة لرئيس الوزراء مع العلم السوداني تعيد البعض إلى تاريخ البلاد البعيد وتحديدا حيث كان ينعقد مؤتمر (باندونق) وقتها كانت البلاد ما تزال ترزخ تحت حكم الاستعمار البريطاني حيث لم يكن هناك علم أو راية وإنما ممثلون بقيادة رافع راية الاستقلال إسماعيل الأزهري.. يثار جدل حول: أين سيجلس السودانيون؟ وخلف أي الرايات؟ تقول الروايات التاريخية إن الرئيس المصري جمال عبد الناصر طالب الوفد السوداني بالجلوس خلف العلم المصري.. لكن كان في منديل الأزهري الأبيض الخلاص فقد أخرجه من جيبه وكتب عليه عبارة (سودان) وكأنه يكتب ساعتها تاريخا جديدا للبلاد، وهو ذات مشهد حمدوك أمس الأول فكل الذي فعله هو أنه حاول أن ينشر التاريخ الجديد الذي صنعه السودانيون بدمائهم من أجل تحقيق الخلاص والحرية.. كان ساعتها يقول إن ثمة سودانا جديدا يولد الآن، سودان مختلف عن الذي ساد لثلاثين عاماً وإنه ليس سوى مجرد أداة من أدوات بناء هذا السودان.

4

يصف الكاتب الصحفي محمد فرح وهبي لحظة حمدوك مع علم بلادنا بأنه يراها “كتتويج لكل هتافنا، حناجرنا الصداحة، زحفنا المتواصل المتعاظم ضد الظلم والعزلة، زحفنا دابة الأرض التي أهلكت منسأة النظام فسقط.. أُبصِر في هذه الصورة كل أيادي الشهداء تمتد وترفع العلم عاليا تضعه “علما بين الأمم” وكل أيادي الأبطال المجهولين، زغاريد الصبايا وهتافهن الحار، دعوات الأمهات وصبر ويقين الآباء بالانتصار. كلنا حضور هنا لنرد للمكان مكانته، ولنرد اعتبارنا ونولد كما أردنا من جديد”.
وفي ذات السياق فإن الصحفي محمد سعيد حلفاوي يرى في اللحظة الملتقطة مجرد امتداد لمشاهد شباب وشابات السودان أثناء ثورتهم المجيدة، ويستدعي سعيد بسعادة يوم 25 ديسمبر 2018 الثلاثاء “حيث أول موكب في الخرطوم بدعوة من تجمع المهنيين أنشد مئات الشبان والفتيات نشيد العلم في وجه رجال الأمن ومليشيات الدفاع الشعبي وقوات الشرطة في الثانية ظهرا في تقاطع البلدية مع المك جوار بنك بيبلوس في ذلك الوقت شعرت تماما أن البشير باتت أيامه معدودة ولن يمكث طويلا” بالنسبة لمحمد فإن “ارتفاع العلم السوداني وعودته إلى مكانه الطبيعي كان نتيجة حتمية لسقوطهم”.

5

بالنسبة لآخرين فان صورة حمدوك في واشنطن هي امتداد طبيعي لصورة الصيدلاني مهاب طمبل في شوارع الخرطوم وفي أحد مواكبها التي تسعى للنصر منطلقة من السوق العربي يومها أشعل الفيديو الذي التقطته إحدى الشابات، مواقع التواصل الاجتماعي ووهب الثورة لهيباً جديداً فلم يكن تكالب الجنود المتحفزين لاعتقاله ساعتها ليمنعه من أن يرفع رايته عالية خفاقة، كان مهاب مستلقياً على أرضية الشاحنة العسكرية لكن يمينه كان ترفع العلم عالياً.. كان مهاب يومها يرسم المعنى الحقيقي للراية (خفاقة وتكيل العين) والمعنى الحقيقي لتمثل (النشيد) (نشتري المجد بأغلى ثمن) كان تأكيد ذلك هو أن الحر لن تكبله القيود وأن النصر مثل هذه الأرض لنا ولن تؤول إلى غيرنا.. يسرد مهاب تفاصيل ما حدث يومها بأنه تعرض للضرب من قبل العساكر لرفعه العلم حتى وصوله إلى المعتقل فيما أطلق عليه ساعتها لقب (علم مان).

6

كان مشهد راية السودان المرفوعة بأيادي رئيس وزراء الثورة مجرد تعبير منطقي عن التحولات في السودان الجديد وهي بالنسبة للكثيرين تعبير عن إعادة القيمة لها وهي قيمة لم تكن لتنالها لولا مخرجات الثورة وصناعتها للتحولات حيث تبدو مباني الأمم المتحدة وكأنها امتداد لشوارع العباسية بمواكبها أو إعادة رسم لصورة شوارع بري بصمود أهلها، وشمبات بجسارة شبابها.. هي امتداد طبيعي لما كان يحدث في مداخل ميدان اعتصام القيادة ومخارجه. حمدوك نفسه لم يفعل غير محاولته إعادة لحظة جنون ذلك الصبي وهو يصعد بالعلم إلى أعلى نقطة في عمود الضغط العالي للكهرباء ويضطر تجمع المهنيين في نهاية المطاف لإصدار بيان يقول فيه يكفي جنوناً الثورة هي أن نستمر في الحياة وألا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة، هنا هي تشبه الوطن تماماً حيث يصبح الموت رخيصاً في سبيل أن يبقى هو على قيد الحياة ويبقى شعبه على قيد الأمل.

تقرير : حسن محمد علي

الخرطوم (صحيفة اليوم التالي)

Exit mobile version