في صالون منزله العتيق بحي “ودارو” في قلب أم درمان القديمة، احتسيت فنجاناً من (النسكافيه) مع المهندس “صديق يوسف” عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وتبادلنا الحديث حول الأوضاع السياسية في البلاد، مازحته بشأن (النسكافيه) باعتباره مظهراً برجوازياً، ابتسم ابتسامته المعروفة، وقدم إفادة دقيقة حول تفاصيل طلب جهاز الأمن الوطني والمخابرات، الذي دفع به لترشيح أحد أبنائه لاستيعابه في الجهاز، وتحاورنا حول الأحداث الراهنة ومعطيات المشهد السياسي، فإلى نص الحوار..
*تحدثت عن طلب من جهاز الأمن الوطني والمخابرات، بترشيح أحد أبنائك للانتساب له، ألا تعتقد أنها خطوة تجاه الانفتاح والقومية للجهاز؟
نعم.. زارني ضابطان من جهاز الأمن يوم (الخميس) الماضي، في المنزل، استقبلهما ابني وأبلغني بحضورهما، بداية اعتقدت أنه اعتقال، ولكن تفاجأت عندما قدما لي مظروفاً أنيقاً، قرأت ما بداخله وجدته طلباً بالدفع بأحد أبنائي للانتساب للأمن.
*لماذا اختاروك أنت بالذات.. ولم يختاروا الخطيب أو الشفيع خضر مثلاً؟
هذه تقديرات الأمن، الأمن لم يخترني أنا من دون الشعب السوداني، ربما أنا الشخص الوحيد الذي أفصح عن هذه القضية، الضابطان كانا يحملان عدداً كبيراً من المظاريف، تشبه ما قدم إلىَّ، مما يشير إلى أنني لست الوحيد، بل هناك آخرون أيضا قدم لهم الطلب الأمني، حتى أنهما رفضا شرب الشاي بعذر أنهما على عجلة من أمرهما نسبة لتكليفهما بتوزيع بقية الخطابات.
*ألا تعتقد أن طلب الأمن هذا هو إعجاب بك كشخصية وطنية عظيمة؟
الأمر غير ذلك، إنما أرادوا أن يخترقوا الحزب الشيوعي، هناك سابقة حدثت قبل فترة، عندما زار “الخطيب” أحد أقربائه وأخبره بالترتيب للقاء مع المؤتمر الوطني، وممثله “كمال عبد اللطيف”، تكرر هذا الأمر مع “صدقي كبلو ومختار عبد الله”، وجميعهم أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وترشيح “حمدوك” وهو بالطبع شيوعي، يريدون تلويث سمعتنا.
*ربما تكون دعوة للحوار؟
عندما جاءوا “للخطيب” كان لأجل الحوار، وأنا أيضاً حضرت اجتماعاً مع مدير الجهاز من قبل، هذه سياسة جديدة للأمن، لا علاقة لها بالحُريات والانفتاح.
*لماذا لم تنظر لهذه الدعوة باعتبار أنها تشبه قرار منح عدد من كوادر الحركة الشعبية بعد اتفاق نيفاشا نسبة من الوظائف في جهاز الأمن وقد أصبح مدير مخابرات الحركة الفريق “مجاك” نائباً لمدير الجهاز؟
هذا السؤال لجهاز الأمن.. في تقديري أنهم يرغبون في تشويه سمعتنا كشيوعيين.
*الحزب الشيوعي متهم بأنه يعمل منذ القدم بمنهج تخويني تآمري مع الآخر، يعني كل دعوة للحوار والمشاركة تعتبرونها محاولة للتشويه والتوريط؟
الدعوة للحوار في 2014م كانت لكل الأحزاب، اجتمعنا في قوى الإجماع وقررنا عدم المشاركة، لن ندخل في حوار مع هذا النظام إلا تحت شروط محددة، وقف الحرب، تجميد كل القوانين المخالفة لحقوق الإنسان حتى تُتَح الحريات والديمقراطية، بالتجربة المؤتمر الوطني لا يحترم الاتفاقيات التي يتوصل إليها مع الآخرين، واتضح ذلك في حوار الوثبة، وحتى الآن المشاركون فيه يتحدثون عن مماطلة الوطني في تنفيذ مخرجاته، إذا كان هذا المجرب لماذا نجربه.
*أنتم تطرحون خيار إسقاط النظام والانتفاضة السلمية، ولكنكم فشلتم في تحقيق ذلك، والآن المؤتمر الوطني فتح الباب لكل من يرغب في المشاركة في حل أزمات البلاد؟
نعم هناك أزمة اقتصادية طاحنة لن تحلها قرارات المؤتمر الوطني، كتحرير العُملة وغيرها، هذه الأزمة سببها المباشر أما ضعف الإنتاج وتدمير مصادر الصادرات في الزراعة والصناعة، لذلك انعدمت العُملة الصعبة، واعتمدوا على البترول فقط، وأهمل مشروع الجزيرة، واليوم نستورد نسيج وحتى زيوت الطعام، عندما بدأ إنتاج البترول ارتفعت أسعاره عالمياً، إلى الآن لم تنشر عائدات البترول، وغير موجودة في الميزانية وحسابات بنك السودان، ملايين الدولارات لم نعرف إلى أين ذهبت، الأمر الآخر التصرف في الأراضي، مشروع الجزيرة مساحته (2) مليون فدان، وكان مورداً أساسياً تاريخياً كأكبر مشروع في العالم دخله يشمل (50%) من ميزانية البلاد، الآن المستثمرون العرب حصلوا على مجمل (10.5) ملايين فدان، خمسة أضعاف مشروع الجزيرة، أين تذهب صادرات هذه الأرض، لم تعلن الشروط التي حصلوا بها على الأراضي، ولا إنتاجهم، حيث لم تستقبل أسواقنا بصلة من هذا الإنتاج، بل يصدرها المستثمر إلى الخارج ويقبض قيمتها في الخارج، كأنما الأراضي في بلادهم، هذا يشكل جزءاً من سلسلة الفساد في البلاد.
*الحكومة أعلنت خطتها لمحاربة الفساد اسمتها حملة (القطط السمان)، تم بموجبها القبض على عدد مقدر من رجال الأعمال الموالين للسُلطة وموظفين دولة كبار على رأسهم رتبة رفيعة في جهاز الأمن؟
هل كل الفساد في البلاد والذي حطم اقتصاد السودان سببه “عبد الغفار الشريف”؟، لم يخبرونا حتى الآن أين ذهبت أموال البترول، ومراجعة الاستثمار، وشروطها، هل كل ذلك مسؤول عنه “عبد الغفار الشريف”!!
*تحدثتم من قبل عن الإنفاق الحكومي حيث يشكل عبئا على الميزانية، الآن قرارات رئيس الجمهورية القاضية بتقليص الجهاز التنفيذي، ألا تعتبر خطوة إلى الأمام في مسألة الإصلاح؟
تم تقليص عشر وزارات، السودان قبل الإنقاذ كان تسع مديريات، ثلاث ذهبوا الآن مع الانفصال، تبقوا ست، يحكمهم مدير المديرية، وهو موظف حكومة، ورؤساء الوحدات وهم موظفو خدمة مدنية عاديون، الاستبدال تم بوالٍ وثمانية وزراء وخمسين نائباً برلمانياً غير المعتمدين، الولايات كانت ست، اليوم أصبحوا ثمانية عشر، و(1026) دستورياً، تخفيض عشرة وزراء مركزيين لن يؤثر كثيراً، كل الوزراء ممن تمت إقالتهم عينوا في مواقع أخرى بمخصصاتهم، الواقع يقول عكس ما يقدمه المؤتمر الوطني، ما حدث في بارا خير دليل على التخبط، المواطنون في هذه المدينة التي حباها الله بوفرة مياه، قرر الوالي “أحمد هارون” إزالة البساتين التي تعتبر ممتلكات مواطنين.
*ما رأيكم في الإجراءات الاقتصادية الأخيرة المتعلقة بسعر العُملات الأجنبية مقابل الجنيه عبر القنوات الرسمية؟
ماذا نقول في هذا التخبط، مزيداً من الغلاء، والضيق، عندما حركنا موكب (الثلاثاء) كانت لمناهضة زيادة الدولار الحسابي ثلاثة أضعاف.
*الحزب الشيوعي غير موجود وسط الناس، حلت محله أحزاب أكثر حداثة وشبابية مثل المؤتمر السوداني؟
لا ارى له انحسار، نحن الحزب الوحيد الذي يملك أكثر من ثمانية دور في العاصمة فقط، حزب الأمة أكبر حزب لا يملك سوى داراً واحداً، هذه الدور تضم انشطتنا، القمع الواسع هو الذي يمنع ظهور انشطتنا في الإعلام، يومياً لنا نشاط في كل مدن السودان ولكنها تفتقر للإعلام.
*المعارضة ليست على قلب رجل واحد، الإجماع، نداء السودان، الجبهة الثورية، إعلان باريس …الخ، كيف تقدمون أنفسكم بديلاً لنظام حكم ثلاثين عاماً بشكل منظم متجاوزاً كل أزماته؟
نحن في قوى المعارضة السودانية توافقنا على وثيقة البديل الديمقراطي يوليو2012م، الخلاف الذي حدث مؤخراً في 2016 يتعلق بالوسائل لإسقاط النظام، وساطة “أمبيكي” نجم عنها توقيع عدد من أحزاب المعارضة على خارطة الطريق، الاجتماع تم في أديس أبابا، لم يجلسوا مع بعضهم البعض كل وقع وحده، ونصت الخارطة على دعوة الاتحاد الأفريقي للفرقاء الموقعين مع لجنة 7+7 وليس المؤتمر الوطني، الهدف منه وضع أجندة، وهذا ما رفضناه نحن، وتساءلنا عن ماهية أهداف الحوار، نحن هدفنا تصفية النظام إذا الطرف الآخر غير مقتنع بذلك لا جدوى من الحوار، وأساسها المشاركة في الحكومة لحل الأزمة.
*إذا المؤتمر الوطني قبل بشروطكم لا تمانعون من المشاركة في حكومة يترأسها هو؟
لا .. لا يحكمها المؤتمر الوطني، للدخول في حوار لابد أن يكون موقفنا قوياً، كما حدث في جنوب أفريقيا حرب استمرت أكثر من عشرين عاماً عندما شعر النظام بالمواجهة والنتيجة وحكمت المعارضة، لن ندخل في حوار إلا إذا كان ميزان القوة في مصلحتنا، وهناك فيتنام أيضاً، دارت الحرب لسنوات، ويتفاوضون في ذات الوقت في فرنسا، دخلوا التفاوض عندما تكافأ ميزان القوة، هذا الحوار لن يجدي لأن المؤتمر الوطني يحاول يقنن حكمه.
*الصراع السياسي في السودان حالياً ليس بين المؤتمر الوطني والمعارضة، ولكن بين تيارات داخل الوطنيين أو بين تيارات إسلامية معارضة مثل تحالف 2020م.. أنتم كتحالف معارضة خارج المشهد؟
غير صحيح.. نحن متفقون على موقفنا، قبل أيام بعث “أمبيكي” بخطاب لقوى نداء السودان يطالبهم فيه بإلغاء الاجتماع التحضيري والدخول في مناقشة الدستور، نداء السودان أصدروا بياناً رفضوا فيه طلب “أمبيكي”، سيتجهون للعمل المعارض لإسقاط النظام، العمل المشترك لم يتوقف.
*نتوقع تحالفاً معارضاً جديداً؟
هو ليس جديداً بل قائم، وإنما سيتوسع العمل المشترك.
*دائماً ترفضون الحوار، رفضتم حوار “أمبيكي”، والحوار الثنائي مع الحزب الحاكم، تكتفون فقط بـ(الفرجة)؟
لا اعتقد ذلك، نحن نعمل يومياً، الحراك السياسي والجماهيري خلال الفترة الماضية من قام به، أحداث يناير من دعى لها النضال لم يتوقف.
*هناك مؤشرات لتسوية سياسية بين الحكومة والحركة الشعبية فصيل “الحلو”؟
غير صحيح، “الحلو” لا يخطط لأي تسوية سياسية، محتمل مع فصيل “مالك عقار”، هم جزء من نداء السودان وتحدثوا عن جولة أخرى من التفاوض.
*أين تحالف قوى الإجماع الوطني؟، هل لا زلتم ترفضون استقالة “فاروق أبو عيسى” رغم ظروفه الصحية؟
الإنسان يناضل إلى أن يفقد المقدرة، مات أو أقعده المرض، نحن في قوى الإجماع الوطني توافقنا على “فاروق أبو عيسى”، ولا زال قادراً على العطاء، ولم يطلب منا التنحي
.
*هناك اتهامات تلاحق الحزب الشيوعي بإدارة قوى الإجماع الوطني والسيطرة عليه؟
هذا تبخيس لبقية القوى السياسية نتشارك العمل بتكافؤ نحن ثمانية أحزاب وممثلينا متكافئين.
*هناك تيارات اتحادية خرجت من الاتحادي الأصل، وطلبت الانضمام لقوى الإجماع الوطني؟
مجموعة أم دوم، عقدوا مؤتمراتهم أعلنوا خروجهم من الأصل، ولكن لم ينضموا للإجماع بعد، هناك تكتل جديد للاتحاديين يضم أربعة أحزاب اتحادية وفصيلين في طريقهم لقوى الإجماع الوطني.
حوار : رشان أوشي
الخرطوم (صحيفة المجهر السياسي)