اخبار السودان اليوم

ليلى عباس نصر: شعارات من التراث العربي

تعد الشعارات احد مكونات التراث العربي ويبدو أن وجداننا مجنون بعشقها والتآثر بها .. وكثيراً ماتكون هذه الشعارات براقة وصادقة فى ظاهرها الا أنها تخفي اغراضاً لا علاقة لها بمضمونها .. فمثلاً عند العرب ساد شعار (انصر أخاك ظالماً أو مظلوما) وكان ذلك تعبيراً عن روح القبيلة والعرف والنسب وحين جاء الإسلام صحح الحبيب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم حين سئل كيف انصره ظالماً فاجاب بأن ننهاه عن الظلم وهكذا اجهض الرسول الكريم احد الشعارات المؤسسة للفكر القبلي . ثم كان شعار ((لا حكم الا لله)) التي رفعها الخوارج فقال لهم سيدنا على بن أبي طالب كرم الله وجهه ((كلمة حق يراد بها باطل))..
وفى العصر الحديث اطلق زعيم مصري سابق شعار (إن لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً) وقد نال هذا الشعار شهرة واسعة ومازال ينتقل عبر الأجيال ولو تأملنا فى الشعار قليلاً نجد أن له جانباً سلبياً خطيراً وفى طياته انكفاء على الذات المصرية وتقليلاً من قدر الأخرين كما قال شاعرنا السوداني إسماعيل حسن (تصور كيف يكون الحال لو ماكنت سوداني) وهناك من يطلق كلمة الموت دون مطالبهم فى حين لم ينخرط قائلوه فى الكفاح المسلح يوماً ما وأيضاً من يقول لا صوت فوق صوت البندقية وهو إن كان شعار له جانباً إيجابياً من شحذ الهمم الا أنه له جانباً سلبياً حيث يجهض كل صوت يدعو إلى الإصلاح والعمل الجاد .
الشعار السياسي ظاهرة مرتبطة بالحياة السياسية وتفاعلاتها الداخلية والخارجية فهو الواجهة المفتوحة للجميع والمعلنة شعبياً وإعلامياً فى كل الأحداث .
ثم جاءت شعارات الثورات العربية المرتبطة بالتظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير أبرزها شعار ارحل الذي يشكل بلا شك محور إرتكاز الظواهر السياسية العامة والشاملة وبه التصقت مطالب الشعب المدنية والديمقراطية والحرية والعدالة ..
شعار ((الشعب يريد إسقاط النظام)) أنطلق من تونس ومصر بدأ ينتشر فى كل فضاءات العرب فالكل يريد إسقاط النظام فأصبح الشعار عنوان عريض يندرج تحته تفصيلات متفاوته فى خصوصيتها ومستوى نموها الثقافي.
الشعار ((ارحل)) كتعبير عن ظاهرة سياسية رفع ليحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ويحدد الصراع والمستقبل فتحمل الكلمة مطالب متعددة تلتقي فى الماضي وأدواته التقليدية والتطلع لمستقبل جديد فالثورة هنا فى السودان تتخذ من شعار ((تسقط بس)) قطيعة بين نظام قائم وقادته وبين الشعب بكل مكوناته وهو شعار يرفض لعبة الترقيع السياسي الماضية ويعلن الثورة.
لقد كانت كلمة تسقط بس حد فاصل ببين التوافقية التقليدية من جهة والحسم فى أختيار بديل التغيير الجذري المتمثل فى الثورة الشعبية من جهة أخرى.
عبارة تسقط بس خرجت من ذاتية الشعب السوداني بعدما أصبحت كل تجارب التفاوض والعمل المؤسسي عقيمة فى ظل النظام لذا جاء الشعار قمة الصراع مع الحاكم ونظامه ولم يستثني اى مؤسسة مرتبطة به .
ومن الملاحظ أن هذه الشعارات لم تكن حكراً على العرب وحدهم فقد رفعت إسرائيل شعب الله المختار لتبيح لنفسها إحتلال وإذلال الشعب ورفع هتلر شعار المانيا فوق الجميع لاعلاء شأن النازية وقناعة الألمان وقتها أنه ينتمي إلى الجنس الاري المتفوق على جميع البشر .
الإختلاف فى طبيعة الأنظمة وخصوصية البلدان ينعكس على ثقافتها فى الاحتجاجات وما نشهده وتنقله الفضائيات وأجهزة الهواتف ومواقع التواصل الإجتماعي فالمشهد فى اليمن غيره فى العراق وفى ليبيا غيره فى السودان يختلف فى مصر فتتنوع الصور وتتبدل بحسب التكوين الإجتماعي وفى البلد الواحد المتجانس أحزابه ومكوناته يواجه صعوبة فى تشكيل خطاب يقارب الواقع غير المتجانس .هذا الاختلاف وضع شعار ((تسقط بس)) فى الإختبار الميداني وعكس صور الواقع الأهلي فى السودان .
إن الإنتماء للحركات الإسلامية يجب أن لا تلزم أعضائها فى موضوع معين لأن كل النظم يستوعبها الإسلام كالإشتراكية والرأسمالية الوطنية لذا لا يمكن فرض رأى سياسي أو حزبي على الفرد ورفع شعارات إسلامية يسئ إليها ويقلل من قيمتها أن يكون من منطلق وطني وليس من منطلق مصلحي .
بلدان كثيره تتصاعد فيها التيارات الإسلامية وترفع شعار أن تحكم بشرع الله وتطبقة وتقيم العدل ويسودها الأمن والآمان شعارات رائعة يقدمها البسطاء ويؤمنوا بها وينتخبوا على أساسها هذا التيار ويوصلوه الحكم ولكن للأسف لم تقدم لنا هذه الأنظمة نظرية محددة المعالم فى الحكم والإدارة فقط تكتفي بمبادئ عامة كان يقول الحاكميه لله وهذا هو كل ما تقدمه عن هذه الدولة إذ تستند إلى أفكار بعض المفكرين أو من يقدموا تصورات لبعض القضايا السياسية فى القرون الوسطى وأنتهى بعدها الفكر الإسلامي الا من محاولات خجوله للبعض حتى يتوقف بنا الزمن فى أحداثها فترة الستينات ثم إنقطاع تام عن محاولة تقديم فكر إسلامي سياسي يمكن أن يعطي بداية حتى للطريق .وتجعل من مساحاتها تضاريس لثقافة العزلة وخطاب سياسي غير قادر على التكيف مع المتغيرات ولا يستطيع التأقلم مع المتحولات وما تطلبه من توافق بل يتخذها النظام سلاح للوصول إلى الحكم ويظل يقدمون أفكار محددة ولم يقدموا نظرية متكاملة لكيفية قيام الدولة العصرية التي تستجيب لتحديات العصر وظروفه ويظل المجتمع عقيماً نعم نجد القرآن الكريم يحتوي على كل المبادئ العامة للدولة ولكن كيف ترجم مفكروها هذه المبادئ وحولوها إلى أسس عصرية فمبدأ الشورى الذي يوازي الديمقراطية كيف يمكن أن تطبقه ؟ من هم أهل الشورى ومن هم أعضاؤها وكيف يتولون المناصب وهل الشورى ملزمه بمعنى أن ما يتفق عليه واجب التطبيق ام أن للحاكم الإختيار .
فى تقديري أن الدولة الإسلامية ينبغي أن تكون قائمة على أساس نظري متفق عليه إسلامياً من المذاهب أن ما يحدث الآن إختلافات تصل إلى بعض الأمور حلال لدى مذهب ومحرمه لدى مذهب آخر تصل إختلافاتها إلى تكفير الآخر واخراجه من المله والدين .
سؤالي كيف نقيم دولة دون أن يكون لها سند فكري نابع من ظروف زمانه قابل للتطبيق والتنفيذ لأن من يرفعون شعارات تطبيق شرع الله عندما نطالبهم بتقديم يوضح للفكرة يرجعوننا إلى مفكري العصور الوسطى وأوائل ومنتصف القرن الماضي والتي مع احترامي لها كانت وليدة لظروف وزمان مفكريها ولا تصلح لنا الآن فشرع الله واضح أن الحكم للإصلح والأقدر على إدارة شؤون الحكم والمنصب مسؤولية يحاسب عليها الله .وليست غنيمة وما نحن فيه الآن يحتاج إلى الحكم العادل الرشيد ومخافة الله فى الشعب والبلاد ولا نحتاج إلى شعارات وأحلام لا يمكن تطبيقها باى حال لا الزمان يسمح بها ولا المجتمع الدولي يقبل بها .
علينا الآن أن نواجه هذا التحدي الناتج عن مثل هذه الأفكار والأحلام المستحيلة وعلينا واجب الحفاظ على وحدة دولتنا والسعى لتحقيق تقدمها فعلاً لا قولاً والعمل على إحترام حقوق الإنسان وإنسانيته.

Exit mobile version