اخبار السودان اليوم

عمر حلاق: خرطوم والجزائر العاصمة

مقارباتٌ كثيرة على طاولة نقاش كل المُنتمِين للحراك في السودان، والذين ضده أيضاً، حول ما حدث في كل مدن السودان وما يحدث في الجزائر. في البدء علينا تحية كل شخصٍ خرج من ذاته متحدياً ظروفه الخاصة؛ ليكون مع محتجين آخرين ضد سياسة وإدارة دولة فشلت في تحقيق الرغبات الخاصة والعامة.
وأبدأ بالأمر الثاني وهو: صعُوبة المُقارنةِ بين حِراكٍ وآخر، دون استنادٍ إلى قراءةِ وتحليل كل واقعٍ بشكلٍ منفصل، وهو ما سأحاول الغوص فيه دون ادعاء بشمول معرفتي لما يحدث في كلا البلدين.
إن كان ثمة شيء ما يَجَمع بين السودان والجزائر، فهو الأحلام الصريعة بيَد التشبّث الأعمى بالسُلطة في البلدين. في الجزائر هنالك من كان ضمن الباحثين عن الاستقلال، لكنه صار بفعل التَحكُّم في السُلطة أحد الذين يًمكن وصَمهِم بسهولة بصفة دكتاتور، بوتفليقة صار صنماً يُعبَد من قِبل كل متمسكٍ بسلطته ضمن سياق المستفيدين، والتحرّر من الاستعمار صار بذاته استعماراً لمستقبل الشباب الجزائري. تحوّل النظام بكلياته لمنظومة (وحدة) ليس هدفها وحدة الأراضي الجزائرية، أكثر من وحدة المُتسلّطين ومصالحهم الطبقية التي نشأت بفعل الفساد، والولوغ فيه إلى نهاية مدياته. وصَلَ الأمر بمن هُم حَوَل الرئيس إلى أنه سيحكمهم ولو من قبره، وهم هنا لا يعنيهم سوى استمرار ما يضخه النِظام في جيوبهم.
بالمقابل في السودان، لم تشارك النُّخبة الحاكمة حاليا في استقلاله ولا تحرره، بل بدأت بعد ذلك نشوء وتكونا ضمن تيار الإسلام السياسي العريض في الوطن العربي والعالم الإسلامي. بل لم يعنهم أمر الاستقلال وفق الدولة (الكولينالية) التي أعقبت نيل البلدان لجزء من حظوظ حكم نفسها، فالتيار الإسلامي أو حركة الإخوان المسلمين، لا تؤمن بحدود الدولة بقدر إيمانها بتمكين الجماعة على كل المستويات، وفي كل الجغرافيا المُمكنة في أرض الإسلام حسب زعمهم. جاءت متأخرة عن التحرير، ثم ارتبطت كلياً بالنظام الإمبريالي في أعلى درجات (البراغماتية)؛ لتصل إلى الحكم حتى لو استدعى الأمر التعاون مع الشيطان نفسه، دعك من عدوٍ معلنٍ أو مخبوء. حكم نظام الجبهة الإسلامية وهو مسمى ضمن مسميات عدة(جبهة الميثاق- الإخوان المسلمون- الحركة الإسلامية- المؤتمر بشقيه الوطني والشعبي)، حكم السودان وفق منهجٍ يعتمد على الإقصاء الكلي لما سبق، بل لم يكن خافياً ما ينوي قادتها فعله( راجع حديث علي عثمان محمد طه وهو حينئذٍ وزيرا للرعاية الاجتماعية): ” إن الإنقاذ جاءت لتعيد صياغة الأنسان السوداني”. وهو فارق كبير بين نظامي الحكم في الجزائر والسودان لا يمكن تجاوزه.
أمرٌ آخر يتضح من خلاله الفرق بشكل كبير بين السودان والجزائر، وهو الجيش، حيث عملت الإنقاذ ضمن منظومتها اللازمة للتمكين في تفتيت كل وحدةٍ متفقٌ عليها: المشاريع الزراعية، و البنية التحتية، وصولاً لمؤسسة مثل الجيش، إذ تمت إضافة كتائب منذ الأسبوع الأول للإنقاذ، مع التعدي أيضاً على خصوصية كل الأجهزة الأمنية الأخرى؛ بغرض تبعيتها للتنظيم وليس الدولة، وهو أمر حدث في الجزائر في حدود الفساد وجهة(المحسوبية) دون تكوين كتائب منفصلة، أو كتائب مؤدلجة تقتل أبناء الوطن نَيلاً (للشهادة) كما كان يعلن سابقاً في السودان.
لاحظنا كيفية تعامل الشرطة الجزائرية مع الثوار، ومحاولة صَدِّهم بطرقٍ معروفةٍ غير مميتةٍ ولا خادشةٍ للأجساد والحرمات بأي حال من الأحوال، يقابله في السودان ما رأينا من توجيه للرصاص الحي وعبوات الغاز المسيل للدموع تجاه صدور الثوار ورؤوسهم مباشرة؛ ولكم في إحصائيات القتلى والمصابين وفق الإعلان الرسمي، ما يعينكم على بناء المفارقة ناهيك عن حقيقة الأعداد على الأرض.
يمكن أن نعيد الفوارق أعلاها إلى أن جيش الجزائر وشرطتها وقواها الأمنية، تختلف عقيدتها القتالية عن العقيدة الراسخة والدافعة لشرطة السودان وجهاز أمنه و(كتائب) في ضرورة بقاء النظام، وإن لم يتبق شعب.
لقد دفع ذلك، إضافة لتباين كبير في الجغرافيا وتخطيط المدن وحتى حالة الطقس، ملايين من الرافضين للعهدة الخامسة يخرجون للشوارع فاتحين صدورهم، شاهرين هتافهم، دون خوفٍ من فقدٍ أو حتى إصابة، بينما جعل الحذر منه كل ثائر في السودان يتقي مبعث الرصاصة المجهولة. كل ما ذكرته عالياً يجعل مجرد المقارنة أمر صعب إن لم يكن بعيد عن منطق الأشياء.
خلاصة ما يمكنني قوله: لا قياس يمكن إسقاطه من تجربة على أخرى، ولكن!!!
تبقى إرادة الشعوب أعلى من تلاعبات السياسة وتقاطعاتها، وأعلى بكثير من آلة القمع وأساليب حماية الدكتاتور. ستنال الجزائر حريتها، وستنال المرأة السودانية مع رفيقها الرجل ما يصبون اليه، يدفعهم جميعا البحث عن أحلامهم، وزادهم دماء من فقدوا في درب الانعتاق.
والليل مهما طالت إقامته إلى زوال وفجر الحرية مقيم في الأنفس قبل الحناجر.
أخيراً، ستبقى اللحظات بين الرصاصة وصدري مليئة بحلم الحياة في وطن يسع الجميع.

Exit mobile version