وسط حضور كبير من الخبراء والمهتمين وأساتذة الجامعات نظمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أمس منتدي السياسات المالية والنقدية بتشريف رئيس الوزراء ـ وزير المالية “معتز موسى”، وشهدت الورشة حضورا نوعيا من باحثين وأساتذة الاقتصاد بالجامعات السودانية، مما جعل رئيس الوزراء يعلق قائلا إن هذا الحضور الكبير يؤكد الاهتمام بالمبادرة التي أطلقها بمشاركة الجهات الحيوية بالدولة في حل مشاكل الاقتصاد السوداني، وأضاف “في الفترة السابقة لم نضمن العدد الهائل من العلماء ضمن موارد السودان وإن سياستنا الاقتصادية الكلية افتقدت للبحث العلمي، مشيرا إلى أن وزير المالية الراحل “عبد الوهاب عثمان” كان يتحدث عن البحث العلمي وتطبيقه في الاقتصاد .
وأشاد “معتز موسى” بمبادرة وزارة التعليم العالي في تنظيم المنتدى لافتا إلى الدولة تريد مشاركة كافة الأطراف في الحل الاقتصادي، مشيرا إلى أنه جلس مع المنتجين والإعلام لأوقات طويلة ثم انتقل إلى المكون الهائل بؤرة الإعلام.
وحث “معتز موسى” باختيار الشخص القوي، الأمين والعليم لتولي المناصب ودعا “معتز موسى” بعدم استثمار الوقت الطويل في الحديث عن أن بنك السودان المركزي تحت ولاية وزارة المالية منوها أن الدولة حاليا تركز في ضبط المنصرف العام وأن يكون الإنفاق الحقيقي على الدعم واضاف ” كل ما تطلع شمس نصرف ( 25 ) مليون جنيه على الخبز تمثل (2%) من المزانية، وإذا رفتنا كل الوزراء لا تساوي أجورهم (1%) من دعم الخبز) ودافع عن دعم الدولة للأمن والشرطة لقيامهما بدورهما مبينا أنهم الواجب الأول في بنود الصرف.
وشدد على ضرورة إقامة العدل وإنفاذ القانون وقال إن واجب الدولة إدارة الاقتصاد الكلي بشكل حكيم يؤدي الى إسعاد الناس، مؤكدا أن الاقتصاد الكلي للسودان لايزال في بنيته التحتية وأنه بخير ويحتاج سياسات مشيرا إلى السودان لديه (90) سلعة صالحة بأن تقيم دولة كاملة لكن ظلت نسبة الصادرات منذ (60) عاما في (6) سلع فقط مما يحتاج الاقتصاد الى هيكلة جديدة، وتطرق الى نظرية الصدمة التى ذكرها في مستهل توليه المنصب وأوضح أن الصدمة تعني بأن نصادم التضخم وسعر الصرف، لازم نتصادم معهما حتى يكون هنالك استقرار في سعر الصرف.
وقال إن الزراعة والصناعة متدنية من حيث التمويل بينما (40%) من التمويل يذهب لقطاع الخدمات داعيا إلى توجيه الإنتاج إلى الصادر ،”
واعتبر “معتز موسى” الحديث عن ضعف الدعم المخصص للبحث العلمي كاف واضاف ” نسبة تمويل البحث العلمي (1%) من الإنتاج الكلي الإجمالي، وأنها تكفي للبحث لسنوات، وتعهد “معتز موسى” بالمضي في تحقيق اقتصاد حر يورث للأجيال ليتفاخروا به.
و أعلن وزير التعليم العالي والبحث العلمي دكتور “الصادق الهادي المهدي” خلال حديثه، عن ستة منتديات خلال الأيام القادمة تتناول سبعة محاور تتعلق بالمؤشرات الاقتصادية الكلية في محور السياسات النقدية والمالية والأسعار والأجور والتشغيل وقوة سوق العمل والتجارة وميزان المدفوعات والهجرة والحراك السكاني والثقة بين المنتجين والمستهلكين، مشيرا أن تأتي في إطار تنفيذ قرارات وتوجيهات رئيس الوزراء.
وفي ورقته استعرض الخبير الاقتصادي دكتور “ابو القاسم محمد النور” أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم أن السياسات الاقتصادية تتكون من ثلاثة أضلاع هي السياسات المالية والنقدية والدخلية والمالية يقصد بها التدخل الحكومي عن طريق وسائل محددة لتحقيق اهداف محددة وتصبح المسار الاقتصادي، اتضح أن هنالك انحرافا عن ما هو منشود.
ورأى أنه في حالة ثبت أن التضخم ناتج عن زيادة التدفق النقدي السلعي تتجه السياسة المالية إلى زيادة معدلات الضرائب أو خفض الإنفاق الحكومي أو مزيج من الاثنين معا اما في حالة الكساد فتكون السياسة المالية خفض معدلات الضرائب ليواجه القوة الشرائية أو زيادة حجم الإنفاق الحكومي أو مزيج من الاثنين معا.
وقال دكتور “أبو القاسم محمد النور” إن هنالك توجها بخصوص التحول التدريجي من الاعتماد على الضرائب غير المباشرة إلى الضرائب المباشرة لما تحدثه الضرائب غير المباشرة على معدلات التضخم مشيرا الى ارتفاع الايرادات الضريبية من (49,1%) في 2011م الى (68,7%) فى 2014م ، والضرائب على السلع والخدمات ارتفعت من (29,1%) في 2011م الى (47,2%) في 2014م ، والضرائب على الدخل والارباح زادت من (4,7%) في 2011م الى (5,9%) في 2014م وقال يلاحظ زيادة الاعنماد على الضرائب غير المباشرة بعد الانفصال.
وطرح تساؤلا حول المشكلة في الاعتماد على الضرائب غير المباشرة في دولة نامية تنخفض فيها مستويات الدخول ،و قال إن الضرائب على السلع والخدمات الضرورية تؤدي الى تحقيق الربط الضريبي اذا كان الهدف من فرضها ايرادي وتؤدي الى زيادة معدلات التضخم حيث تتصف معظم السلع بعدم مرونة الطلب السعرية عليها، لافتا إلى أنه لم يتم تخفيض معدلات الضريبة في فترة تسويق البترول في السودان الموحد وانما استمر النمط الضريبي كما هو، وقال إن فئة الفقراء تتأثر أكثر من الفئات الأخرى بالضرائب غير المباشرة ويتم زيادة الصرف على الضروريات مثل الغذاء والدواء والترحال.
وشدد “ابو القاسم محمد النور” على ضرورة الاعتماد التدريجي على ضبط الأداء المالي للدولة والمساءلة في حالة الانحراف عن ما هو مستهدف ويتم ذلك عن طريق ميزانية البرامج بدلا عن ميزانية البنود السائدة فى الوقت الراهن حيث تكتمل المشاريع في المدى الزمني المحدد.
ودعا إلى أن يتم اكتمال إغلاق حسابات المؤسسات العامة والهيئات والوزارات بعد نهاية العام المالي ويتم رصد تقارير أداء ربع سنوية تعكس مصادر الايرادات العامة والأداء الفعلي للمصروفات حسب ما هو مخطط ولابد من رقابة مالية ميدانية مباشرة لمتابعة الاداء المالي وضبط المخلفات في بدايتها، وقال إن الربط المالي في القياس ليس كافيا نسبة لتصاعد معدلات التضخم مثل ما حدث في بداية العام الجاري بعد اجازة الميزانية، وقال إن الميزانية عابها كثرة الإعفاءات الجمركية المؤقتة والنهائية والاعفاءات الضريبية بجانب كثرة الالتزمات المالية للدولة نحو الامن والاستقرار والنزاعات ومحاربة الفقر ودعم المناطق الاقل نموا وطالب بان تكون الاعفاءات بقانون وان تتم مراجعتها كل فترة لمعرفة جدواها الاقتصادية مثل اعفاءات الاستثمار والمواد الخام وغيرها وان تقلل الحكومة الاتحادية التزاماتها نحو الولايات لتقوم الولايات بضبط الانفاق العام والتركيز على المشاريع التنموية.
وأوصى “أبو القاسم” بتحديد أهداف النظام الضريبي غير الايرادية مثل تشجيع توظيف الخريجين ودعم البرامج التنموية والتحول التدريجي للاعتماد على الضرائب المباشرة بدلا عن الضرائب غير المباشرة وتطوير نظام مساءلة فوري لأي خلل او إهدار للموارد المالية العامة ومراعاة التدرج في تطبيق سياسات التحرير الاقتصادي كي لا تحدث صدمة كتلك التى حدثت بداية العام الجاري.
اوصى الخبير الاقتصادي د.”إبراهيم صباحي” بان تحظى السلطات النقدية بمرونة كاملة في رسم وتنفيذ السياسة النقدية لا لتنسيق مع السياسات الأخرى المالية، الداخلية والتجارية مع اعطاء الاسبقية للسياسة النقدية ووضع سياسة مالية تقشفية تهدف الى تخفيض المصروفات كعنصر اساسي لمعالجة العجز في موازنة عام 2019م إذ تبين من قراءة إحصاءات ميزانيات الأعوام السابقة (1990ـ 2017م) أن مساهمة تصاعد النفقات كان هو العامل الرئيس في تحقيق العجز المستمر في الميزانية ،وأوصى بإعادة النظر وإجراء تقييم لعناصر السياسة النقدية المستخدمة ومواءمتها مع اغراض تعميق اسلمة الاقتصاد عامة والنظام المالي خاصة بالاضافة بالالتزام الصارم من جانب الحكومة بعدم تجاوز السقف المحدد لها من الاقتراض من بنك السودان المركزي وسداد ما عليها من التزامات في اطار التاريخ المحدد .
واوصى “صباحي” بالحفاظ على استقلالية البنك المركزي والفهم الواعي لطبيعة عمله وعدم تعريضه لهزات متتالية في هياكله وقياداته.
تقرير : سيف جامع
الخرطوم (صحيفة المجهر السياسي)